حديث الثورة والدولة "الاستقلال المنقوص" (1)

الجمعه 27 سبتمبر 2019 - الساعة 03:11 صباحاً

بعد تنامي حركة الثورة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين ، وتصاعد مدها وتجاوز أصداؤها رقعة وطنها العربي الكبير أو ما يعرف بالشرق الأوسط إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية ، فإن ثمة شعور يتردد لدى كثير من النخب والساسة والمثقفين - وهو شعور حقيقي بالمناسبة أدركته قيادة الثورة العربية حينها - بأن منطقة الشرق الأوسط لم تنل حقها الكامل في الاستقلال التام ، حيث أن الدول الاستعمارية القديمة والجديدة بعد الحربين العالميين الأولى والثانية حاولت وتحاول توارث تركة العالم ، وإعادة تقسيمه بما يخدم مصالحها ونفوذها في السيطرة والهيمنة والتربع على مقادير الخارطة الجيوسياسية وثرواتها حتى بعد نيل الاستقلال لدول هذه المنطقة الممتدة من الخليج العربي وحتى المحيط الأطلسي .

الوطن العربي الكبير بامتداده الحيوي ورقعته الواحدة وتحكمه بطرق الملاحة التي تصل بين قارات العالم القديم ، وتربعه على عرش ثروات نفطية هائلة هي الأكبر على مستوى العالم جعل هذه المنطقة أو الوطن العربي محط أطماع الدول الإمبريالية وقوى الهيمنة الاستعمارية القديمة والحديثة ، ولذلك سعت على إبقاء نفوذها وهيمنتها بكل شكل ممكن على هذه المنطقة العربية بعد استقلالها ؛ بتدخلاتها حينا " في شؤونها أو من خلال رسم سياسات هذه الدول المستقلة الداخلية والخارجية ، أو بالتبعية والاملاءات وفرض مشاريعها الاستعمارية كسياسة الأحلاف مثلا " ، أو عبر سياسات البنك الدولي وصندوق النقد ، أو بارتهانات الحماية عبر القواعد العسكرية ورعاية النظم الاستبدادية في دول المنطقة العربية .

لذلك فإن استقلال الدول العربية منذ النصف الثاني للقرن العشرين بات منقوصا " ، و غير مكتمل ، ومازالت قوى الإمبريالية والصلف الاستعماري تبسط نفوذ احتلالها ومازالت تداعيات الحربين العالميين تسحب ظلالها على كل المنطقة العربية برغم مزاعم الاستقلال وجلاء المستعمر المحتل منها .

ارتدت كثير من دول الثورة العربية عن أهدافها وانقلبت على مشاريعها الوطنية ، واستطاعت القوى الإمبريالية اختراقها ، بل وقدمت نماذج أسوأ من تلك التي ناهضتها ، وثارت عليها إبان تحررها أولا " ، لتقدم صورا " مرتهنة لهذه القوى التي تمنحها الدعم والمشروعية الزائفة أسفا " ، فكانت الديكتاتوريات المعتقة والنظم الاستبدادية الخانقة .

ولأن قدر الشعوب هو الباقي وكل الأنظمة والأفراد إلى زوال ، فإن قدر الثورات يتخلق في في كل الأجيال باحثا " عن لحظاته الفارقة في اقتناص ساعة طلقه الأولى ليعيد تقويم حركة التاريخ وتصحيح مساراته ، قد يأخذ هذا التخلق سنوات في تشكله وتخمره قبل طلقه وانطلاقه ، وهذا الذي فعلا " حدث فيما اصطلح على تسميته بثورات الربيع العربي !!

وهو ما أجبر قوى الامبريالية والهيمنة الاستعمارية الراعية لهذه النظم الاستبدادية من الرضوخ لخيارات الشعوب وقرارات هديرها الجامعة في المنطقة العربية .

تخلت هذه القوى عن رجالاتها وأدواتها ، وسعت إلى احتواء ثورات هذه الشعوب واختراقها حتى لاينفرط عقد نفوذها ومصالحها ، فادعت أنها مع خيارات الشعوب ، واستطاعت بدهاءها وخبراتها المتأصلة في احتواء الثورات ومخرجاتها ، بل وإعادة التحكم في صناعة المشهد الحاكم ، واستغلت تباين القوى الثائرة ، وطموح بعضها بالاستفراد بالثورة والحكم ، والانقلاب على ميادين الثورة وقواها المجتمعية والسياسية والشعبية ، فاستفردت قوى الهيمنة العالمية بقوى التغول و دعمت توجهها مقابل تمرير المصالح ، وعقد التسويات بل و سارعت قوى التغول الثائرة مجازا " في التماهي معها بالانقلاب على الثورة وتقديم فروض الطاعة وقرابين الولاء ، وهو ما أتاح لقوى الهيمنة العالمية من توفير غطاء خروج آمن لرجالاتها السابقين دون أن تطالهم محاكم الثورة أو محاكم العدالة الدولية لا على ما اقترفوا خلال سني حكمهم في حق شعوبهم ولكن في المتظاهرين السلميين ( مبارك وصالح ) كنموذجين صارخين لذلك .

بل و اوعزت لأدواتها في المنطقة بدعم توجهات الثورة المضادة لحرف مسارات الثورات الشعبية من ناحية ، وتدخلها باحتواء الثورات بتقديم مبادرات وتسويات مع أنظمة الحكم المتهالكة وتحويل مسار الثورات إلى أزمات ، وبدلا " من توجهات التغيير سارعت إلى تبني المصالحات والخروج بخارئط طريق مشبوهة التسويات تقضي باقتسام السلطات بين طرفي المعادلة الثورية من جهة وأنظمة الاستبداد الحاكمة من جهة أخرى ، وهو ما يفضي إلى امتصاص الفعل الثوري من خلال أدواتها العسكرية والمدنية والسياسية المحسوبة عليها.

وبإشراف الدول المهيمنة ورعايتها ، وإخراج هذا السيناريو تحت عباءة أممية وتعليق قراراتها كما حدث في الشأن اليمني في تواطؤ صارخ ومشين.

الدول المهيمنة عالميا" تحاول احتواء تداعيات هذه الثورات خشية أن يكون المنتج الثوري في غير صالحها.

لذا كانت القوات العسكرية لهذه القوى الاستعمارية تربض في المحيطات متأهبة لاحتلال المنطقة برمتها إذا لزم الأمر تحسبا" لأي طارئ .

ولعل التجربة المصرية خير شاهد على توجهات الجانب الأمريكي على سبيل المثال لمحاولة إثناء التحركات الشعبية و انحيازات الجيش المصري لإرادة الشعب العربي المصري في خلع مرسي ، كما رأينا حلف الناتو كيف وجه ضرباته للجماهيرية الليبية على سبيل المثال لا الحصر لمحاولة الإجهاز على النظام الليبي .

يتبع ..


111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس