كيف تم إسقاط معسكر المطار القديم.. شهادات مهمة للصحفي احمد الوافي عن العميد عدنان الحمادي –(2)

الثلاثاء 31 ديسمبر 2019 - الساعة 01:26 صباحاً
المصدر : الرصيف برس -نقلا عن صحيفة الشارع اليومية


  • حمود سعيد، طلب سلاحاً، فوافق "الحمادي"، لكن الأول تراجع، عن الذهاب لأخذ السلاح، وقال: "تِشْتُوا تَقَتِّلُوا بي"
  • اتصل بي "الحمادي"، وقال: "قول لحمود سعيد يجيب لنا كشوفات بأسماء من يريد تسليحهم، ونحن سنوصل لهم عهد تسليح"
  • أبلغتُ "حمود" بالأمر، فقال لي إن الأسلحة كثيرة في مقر اللواء، ولم يُقَدِّم أي أسماء من أجل تسليحهم!
  • لم يكن ينقص "حمود" السلاح، لكنه لم يكن يريد الدخول في المعركة إسناداً للواء 35، و"الحمادي"
  • كنا معتمدين على كلام "حمود"، الذي أكد أن هناك مئات من "المقاومة" في "بئر باشا"، سيحركون للقتال، وفَكَّ الحصار عن اللواء
  • ذهبتُ، ذات صباح، إلى "حمود"، وقلت له: "اللواء، يتعرض لحصار، ولابد من التحرك، ولم نرَ أو نسمع أي حركة للمقاومة"!
  • كان "الحمادي" يتواصل بي، ويقول: "الجماعة يحاصروا اللواء ويفصلوا قواته عن بعضها، نحن نخوض معارك شرسة.. أين المقاومة؟!"
  • اتصلتُ بحمود سعيد، وأبلغته بالأمر، وسألته: "أين المقاومة، اللي قُلْتَ لي أنك تصرف على أفرادها ٢ مليون في اليوم؟!
  • قال "حمود": "مقاتلي المقاومة موجودين بالقرب من اللواء، والآن با أعززهم بثلاثمائة فرد"
  • اتصلتُ بـ "حمود"، وقُلْتُ له: "الحوثة يضيِّقون الحصار على اللواء، أين المقاومة؟!"، قال: "موجودين عند معرض شهداء اليمن"
  • خرجتُ وأنا مُخَزِّن إلى معرض شهداء اليمن، ولم أجد مقاتلي المقاومة، اتصلت بـ "حمود" فتلكأ بأعذار أخرى
  • بعد سقوط اللواء مباشرة، اتصلتُ بـ "حمود" وقُلتُ له: "مبروك اللواء سقط.. الانزالات ستكون إلى عندك، والتجنيد سيكون عبرك فقط..
  • كان حمود سعيد، قائداً لـ "مجلس تنسيق المقاومة"، واكتشفنا أن الغرض من ذلك كان استجلاب المال فقط
  • "حمود" وقادة حزب الإصلاح كانوا يرون أن تلك المعركة إذا ما انتهت بانتصار اللواء 35، فسيتصدر "الحمادي" المشهد
  • "المقاومة" تحركت للقتال بعد سقوط اللواء مباشرة، وهذا يؤكد أنهم لم يكونوا يريدون "نصراً" مبكراً لـ "الحمادي"
  • قُلتُ لأغلب قيادات ومشائخ تعز: "لا تقتلوا عبدالرقيب عبدالوهاب مرتين"
  • استمر أفراد اللواء يواجهون المعركة بمفردهم، وهم محاصرين.. وقُطِعَ حتى ماء الشُّرب عنه، و"المقاومة" لم تتحرك

 

 "الرصيف برس" ينشر سلسلة شهادات مهمة للصحفي احمد الوافي عن العميد عدنان الحمادي –(1)

 

بدأت المعركة في "جولة المرور"، ثم في "الزُّنْقُل"، حيث اشتبك الحوثيون مع أفراد اللواء 35 مدرع، وكانوا قد نقلوا قوات كبيرة لهم إلى مدارس في مدينة النور، قريباً من مقر ومعسكر اللواء في المطار القديم.

أتذكر لحظة اتصال القائد عدنان الحمادي بي، عصر ذلك اليوم، وأنا في مؤسسة نفوذ (كُنتُ أنا والشهيدة ريهام البدر، وإشراق المقطري، والشهيد أسامة المقطري، والشهيدة عائدة العبسي، وعبدالناصر الصديق، وذي يزن السوائي، والشهيد محمد القدسي، وكنا في اجتماعات دائمة لأنشطة مدنية موازية للنشاط العسكري).. وقال لي: "أفرادي تعرضوا، الآن، لهجوم، وردوا على الهجوم، والآن لابد من اتخاذ قرار حاسم.. اتخاذ قرار الحرب ليس سهلاً.. وإذا لم يصدر إليك هذا الأمر/ القرار رئيس الجمهورية، أو وزير الدفاع، فأنت ستتحمل نتيجة هذا القرار، إن أصدرته أنت.. حتى وإن كان اتخاذه من موقع الدفاع".

ربما كان العميد عدنان يشعر بالانزعاج، لأن الرئيس هادي، الذي في الرياض، لا يتصل باللواء 35 مدرع، الذي كان هو ما تبقى له من مؤسسة عسكرية تآكلت وتشظت.. لكن القائد عدنان لا يفصح عن هذه المشاعر تجاه القيادة مهما كانت لأنها تنتقص من شرف العسكرية؛ كما قال ذلك لي، يوماً ما، وهو يتحدث عن ضرورة احترام التراتبية العسكرية.. واستكمل حديثه في ذلك الاتصال بالقول: "الآن حان الوقت لاتخاذ قرار المواجهة مستنداً إليكم أنتم كمواطنين ومجتمع مدني.. بحقكم، وحق حمايتكم، لكن عليكم أن تكونوا أهلاً للمسؤولية معنا، والوقوف معنا، حتى لو تعرضنا للمحاكمة العسكرية.. أنا الآن سأعطي أوامري بالضرب بالسلاح الثقيل للرد..". قلت له: "الشباب يبلغوك التحية، وإحنا معك وخلفك، وإن شاء الله نكون على العهد..".

اشتدت المعركة فعلاً في "الزُّنْقُل"، وبدأت مليشيا الحوثي في مهاجمة معسكر اللواء في المطار القديم؛ من المباني التي حوله.. والتي كانت جاهزة للانقضاض عليه.. كان هذا بعد اتخاذ قرار من القائد بالانسحاب من أمام البنك المركزي.. حتى لا يتم فصل قواته وتشتيتها.. وبعد التزامات بوصول الراتب الرسمي من البنك، عبر شخصيات.. وقال لي القائد إن حمود الصوفي أرسل مهدي أمين سامي إليه، وقال له إنه سيتابع حل مشكلة الراتب. وأنا كان قد استدعانا فيصل البحر، وبعض وكلاء محافظة تعز، ومشائخها وضباطها، للتخزين في منزل فيصل البحر، ولاقيت منهم خطابات الترهيب والترغيب، بأن أتوسط بهذا الأمر، لجعل العميد عدنان يوقف الحرب، ويعلن الحياد فيها، ورفضت وقلت لهم: "هذا قرار يعود للقائد، ووحده من يُقَرِّر ذلك، ونحن شباب لن نقف إلا في صف من وقف بجانبنا، وإذا كُنتم مع مشروع تجنيب تعز الحرب، جربوا قدرتكم في رفع النقاط المستحدثة من قبل الحوثة في منافذ المدينة، حتى نشعر أن لكم كلمة تستحق التفاوض". حينها، لم يستطيعوا الرد.. لقد استدعوني للتخزين معهم، وأبلغوني ذلك الكلام، لأنهم يعرفون علاقتي الجيدة والمباشرة بالعميد عدنان.

وأتذكر أن وائل الرميمة، أحد قادة مليشيا الحوثي في تعز، اتصل بي، حين بدأت الحرب داخل تعز، وقال: "يا وافي.. 48 ساعة وأنت في يد أنصار الله.. أنت وعدنان الحمادي، وأفراد اللواء 35". لكن اللواء صمد لمدة ١٨ يوماً في معارك لم أشهد لها مثال في الصمود والتضحية.. بدأ اللواء بمواجهة العمارات المحيطة، وكنا معتمدين على كلام حمود سعيد المخلافي، الذي أكد لي أن هناك مئات من أفراد المقاومة في "بئر باشا"، يقودهم شخص يُدعى عبدالملك نصر، سيحركون للقتال مع اللواء، وفك الحصار المفروض عليه..

...

 

تركَّز الهجوم على اللواء، وأصبح محاصراً من كل الجهات.. كنا ننتظر "المقاومة الشعبية" أن تتحرك لفك الحصار، أو لتخفيف الضغط على اللواء، حتى لا يتم فصله عن النقاط والمواقع التابع له في المدينة.. لتبقى هي الأخرى محاصرة؛ كون القوة التابعة للواء لم تكن إلا نحو كتيبتين فقط لا غير.. ولا تكفي لمواجهة مليشيا الحوثي المكونة من آلاف المقاتلين، والمسنودة بقوات الجيش. ولو كانت قوات اللواء كبيرة لما كان العميد عدنان الحمادي اضطر لإعادة السريتين، اللتين حاصرتا مقر البنك المركزي، إلى مقر اللواء. وكانت قيادات من حزب الإصلاح لا تريد عودة السريتين، وأتذكر أنه عند عودتهما إلى مقر اللواء، كان أفرادهما غاضبين ومتشنجين.. وكَلَّمنا القائد، وقال: "لا يوصلوا يربشوا بالمعسكر، وهم مش فاهمين أيش الأمر..". وفعلاً التقيتهم، قبل وصولهم اللواء، وكلمتهم، وقُلْتُ لهم: "أنتم أبطال، والبطولة تتمثل في الانقياد للقرار العسكري الذي يصدره القائد.. وتفهُّم قرار إعادتكم إلى مقر اللواء.. والعسكرية انضباط".. حاولت أن أهدئهم، وأن أُوصل لهم فكرة أن أي اعتراضات على قرار القائد، وهم في معركة سيكون له أثر سلبي.. قُلتُ لهم: "كونوا اوصِلوا أي ملاحظات للقائد مباشرة، وبطرق لا تُحدِث فوضى، ولا تُؤثِّر عليكم، وفي الأخير فعليكم تنفيذ القرار الذي اتخذه القائد..".

مليشيا الحوثي حاصرت اللواء، ولم نرَ أو نسمع أي تحركاً لـ "المقاومة الشعبية". وكان الحصار يشتد على اللواء، ولم تتحرك "المقاومة". ذهبتُ، ذات صباح، إلى حمود سعيد المخلافي، إلى منزله، وقلت له: "اللواء 35 يتعرض لحصار، ولابد من الوقوف والتحرك، وعبدالملك نصر وأصحابه لم نرَ أو نسمع لهم حركة لفتح الحصار، أو لتخفيف الضغط على اللواء"! قال لي حمود سعيد: "قول لصاحبك [يقصد عدنان الحمادي] يخرِج لنا سلاح".. واتصلت إلى القائد، في نفس اللحظة، وأنا في بيت حمود سعيد، وقلتُ له: "الشيخ حمود يريد منك تسليح مجموعة"، فقال: "ولا يهمَّكُم.. يجوا يشلوا سلاح".. وأعطيتُ التلفون لحمود سعيد، كي يتكلم معه، فقال له القائد: "تعالوا".. بعد إغلاق الهاتف، نادى حمود سعيد على عبدالقوي المخلافي وصاح به: "جَهِّز السيارات".. وكان عبد القوي المخلافي، وهو الآن وكيل محافظة تعز، بمثابة سكرتير للشيخ حمود. وبعد ذلك، اتصل بي القائد، وقال: "اِعطِينَا بيانات السيارات حق حمود سعيد وأصحابه، لترتيب دخولها إلى اللواء من الخلف.. على سيارة سيارة.. وسنعطيكم إشارة، لأن القنص إلى داخل اللواء". وكان القائد ينتظر وصول الشيخ حمود وأصحابه كي يُسَلِّحهم. وحينما كلمت حمود سعيد بذلك، قال: "هاااا، أيش عاد فائدة.. تشتوا تَقَتِّلُوا بي"، وكنسل الذهاب إلى اللواء لاستلام السلاح، وليس للقتال من أجل فك الحصار عن مقر اللواء!

وبعد أن غادرتُ منزل حمود سعيد، اتصلتُ بالعميد عدنان الحمادي، وأبلغته بموقف الشيخ حمود. بعدها، اتصل بي العميد عدنان، وقال لي: "قول لحمود سعيد يجيب لنا كشوفات بأسماء من يريد تسليحهم، ونحن سنوصل لهم عهد تسليح بحيث نعرف أنها راحت لمواقع دفاع، لأن الأسلحة محدودة، والعدو مسلح بسلاح دولة كامل.. وقد سَلَّحتُ مجموعة من المتطوعين للقتال". اتصلتُ بالشيخ حمود، وأبلغته بالأمر، فقال لي إن الأسلحة كثيرة في مقر اللواء! اتصلت بالقائد، وقُلتُ له إن حمود سعيد قال لي إن الأسلحة موجودة بكميات كبيرة جداً جداً في اللواء، وجبت له أرقام ذكرها لي حمود سعيد عن عدد المعدلات، وغيرها من الأسلحة. ضحك العميد عدنان الحمادي، وقال: "يا أحمد، هذه أرقام مُبالغ فيها كثير.. وحتى لو كانت الأسلحة الموجودة لدينا هي أضعاف ما ذكره حمود، فيجب أن تكون مسلمة لمقاتلين يقوموا بالدفاع عن مدينة تعز، وعن اليمن، ويجب أن نكون إحنا عارفين لمن سنسلم السلاح، لأننا مُحَاسَبِين عليه..". حينها كان حمود سعيد، قائد لـ "مجلس تنسيق المقاومة في تعز"، منذ انعقاد الاجتماع الذي حدث في منزل عبدالستار الشميري.. وبعدها لم يُعقد اجتماع ثانٍ لـ "مجلس تنسيق المقاومة".. واكتشفنا أن الغرض من ذلك هو فقط استجلاب المال..

...

 

كنت أجلس عند حمود سعيد، وكان معظم زواره تُجَّار سلاح، وكنت أسمعه يشتري كميات بعشرات القطع، ولم يكن ينقصه سلاح، لكن لم تكن لديه الإرادة والرغبة في دخول المعركة لمساندة اللواء 35 مدرع، أو الدفاع عن تعز.. كان "حمود"، وقادة حزب الإصلاح، يرون أنه إذا ما انتهت تلك المعركة بانتصار اللواء 35، وقائده عدنان الحمادي، فإنَّ الأخير سيتصدر المشهد في مواجهة الحوثيين، وسيذهب الدعم المالي إليه.. وسيكون كل شيء عن طريقه.. التبرعات المالية، والتجنيد.. وكان، يومها، هناك أمر من الرئيس هادي بتجنيد ٥٠٠٠ فرد في تعز.. وإذا ما انتصر "الحمادي" فستكون هناك إدارة عسكرية للمعركة، ولن يستطيع حزب الإصلاح السيطرة على تعز. والدليل أن "المقاومة" تحركت بعد سقوط اللواء مباشرة في أيدي مسلحي الحوثي؛ في نفس اليوم! لماذا لم تتحرك قبل ذلك؛ عندما كنا في أمس الحاجة لها؟! الجواب معروف.

وأتذكر أنني، في وقت لاحق، بعد خروجي من مقر اللواء مباشرة، أنا ووليد الحميري، يوم سقوط اللواء في يد الحوثي، اتصلتُ بحمود سعيد، وقُلْتُ له: "مبروك اللواء سقط.. الانزالات ستكون إلى عندك، والتجنيد سيكون عبرك فقط.. لا تسمحوا بقتل الحمادي.. لا تقتلوا عبدالرقيب عبدالوهاب مرتين". اتصلتُ، يومها، بأغلب قيادات ومشائخ تعز، وقُلْتُ لهم: "لا تقتلوا عبدالرقيب عبدالوهاب مرتين".

كان ذلك الموقف الحاد مني تجاه حمود سعيد مبنياً على مواقف عدة أهمها أن القائد عدنان الحمادي كان يتواصل بي، ويقول: "الجماعة يحاصروا اللواء ويفصلوا قواته عن بعضها، ومقره عن مواقعه المنتشرة في المدينة.. نحن نخوض معارك شرسة.. أين المقاومة؟!". واتصلت بحمود سعيد، وقتها، وقُلْتُ له: "يتم تضييق الحصار على اللواء.. أين المقاومة، اللي قُلْتَ لي أنك تصرف على أفرادها ٢ مليون في اليوم؟! قال: "مقاتلي المقاومة موجودين بالقرب من اللواء، والآن با أعززهم بثلاثمائة فرد". انتظرتُ قليلاً، واتصلت به، وقُلْتُ له: "أين المقاومة. الحوثة يضيِّقون الحصار على اللواء؟!". قال: "هم موجودين بالقرب من اللواء، عند معرض شهداء اليمن"؛ قريب من "بئر باشا". خرجت وأنا مُخَزِّن.. ركبت دراجة نارية، وانطلقت إلى المكان الذي حَدَّده لي، ولم أجدهم هناك. اتصلت بـ "حمود"، فتلكأ بأعذار أخرى..

استمر أفراد اللواء يواجهون المعركة بمفردهم، وهم محاصرين.. وفي لحظة ما اتصل بي القائد الحمادي، وقال: "ضروري دخول إسعاف إلى مقر اللواء..". وذهبنا إلى الهلال الأحمر، والصليب الأحمر، ورفضوا الذهاب إلى مقر اللواء، لإسعاف الجرحى.. كون مقر اللواء منطقة اشتباك وحرب. ورفض سائقو سيارات الإسعاف التابعة لمستشفى الثورة القيام بالمهمة.  عرضتُ على إدارة المستشفى تسليم سيارة الإسعاف لنا، ونحن سندخل إلى مقر اللواء لإخراج الجرحى، ورفض المستشفى تسليم السيارة لي.. فتطوَّع الشهيد الدكتور عبدالحليم الأصبحي للقيام بالمهمة، واستشهِد وهو يقوم بها. وتطوَّع الدكتور جمال القدسي للقيام بالمهمة، وأصيب إصابة بالغة.. وأصيب الجرحى المسعفين مرة ثانية. وتطوع الشهيد الدكتور عبدالحليم الأصبحي، والدكتور جمال القدسي، بالذهاب..

...

 

مسلحو مليشيا الحوثي، قطعوا حتى ماء الشُّرب عن معسكر اللواء 35 مدرع في المطار القديم.. وآخر "وايت" أرسله الأستاذ عبدالستار الشميري إلى مقر اللواء كان بعد أسبوع من بدء الحصار..

كان الحوثة يقصفون مقر اللواء بكل أنواع الأسلحة المتوسطة والخفيفة، وكانت تدور اشتباكات عنيفة جداً على مدار اليوم في معارك لم يسبق لتعز أن شهدتها.. كانت تُرْسَل الدراجات النارية إلى مقر اللواء وهي تحمل بسكويت وعصائر ترمي بها من خارج أسوار اللواء إلى داخله، وأحياناً تتمكن، في الظلام، من إدخالها إلى مقر اللواء، عبر الجهة الخلفية، وهي تسير دون إضاءة.

وكنا نُطالب، في كل لحظة، بضرورة تحرك "المقاومة" لفك الحصار عن اللواء، لكن ذلك لم يحدث.. استقبل اللواء بعض المقاتلين المتطوعين العسكريين من وحدات عسكرية أخرى، بحسب علمي من القائد الحمادي، وكان العميد يوسف الشراجي قد أرسل مجموعة من المتطوعين، لكن الحصار المطبق كان يدفع البعض إلى الانسحاب في المساء.

عانى اللواء كثيراً، وجاء اليوم الذي لن أنساه أبداً؛ عندما لقيتُ الأخ الشهيد محمد القدسي، هو والعميد جمال الرباصي، والذين تمكَّنا من زيارة مقر اللواء، فجراً، رغم الحصار، وخرجا منه وقت الظهر.. وقالا لي إن مقر اللواء لا يوجد فيه أدوية لعلاج الجرحى، من بينها دواء إيقاف النزيف، والإبر المهدئة "ديكلوفينات صوديوم"، و"ترامادول"، وإبر "الانتي تيتانوس" حق التسمم. شعرت بالخطر، وقُلْتُ: "الناس سيموتون"، وقررنا، أنا والأخ وليد الحميري، في نفس الوقت، أخذ أدوية وإدخالها إلى مقر اللواء. اتصلت بالقائد، وأبلغته أنني سأدخل بالدواء الضروري، وقال: "لن تستطيع الدخول". أصريتُ، وانتظرت حتى جاءت الفرصة، بعد المغرب، وهدأت الاشتباكات، وكان معي قات للقائد، وطلب القائد ماء للشرب أخذنا معنا ٢٦ قنينة ماء، والأدوية، وتحرَّكنا، وأعطى لنا المكان المحدد للدخول، وكلمة السِّر مع محمد هزاع، الذي سيوصلنا. ونتيجة الظلام، وتأخرنا، وصلنا إلى أمام موقع آخر، وحينما أضاء الهاتف تفاجئنا بالرصاص من موقع اللواء تنطلق نحونا بشكل مباشر.. أحسست بالرصاص جنب رأسي، وارتمينا في الأرض، كل في اتجاه، وزحفنا وهم يطلقون الرصاص، وحاولنا بصعوبة إقناعهم أننا نوصل الدواء.. وحينما سمعنا صاحب كلمة السر، تم إيقاف إطلاق الرصاص، وسُمِحَ لنا بالتقدم باتجاه المكان المحدد لدخولنا.. وكان الحوثيون قد أحسوا بنا، وبدأوا يمشطوا المكان بالرصاص.. فدخلنا وكان وليد الحميري قد أصيب في رِجله، وحينما وصلنا إلى قيادة اللواء جلسنا مع القائد، وأخذوا وليد ليعالجوه، وبعد عشر دقائق لم أجد من الماء الذي جئنا به حتى قارورة واحدة؛ سوى نصف القارورة التي في يدي، والقائد معه قارورة.. كانت قناني الماء الـ 26 التي أدخلناها إلى اللواء تبدو وكأنها أعظم هدية قَدَّمناها للقائد ورفاقه.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس