فساد “الجبواني” في وثائق فاضحة

الخميس 09 ابريل 2020 - الساعة 08:05 مساءً
المصدر : متابعات

 

نشرت صحيفة “الشارع” تحقيقا مطول مستندا الى عشرات الوثائق تُثبتْ ارتكاب صالح أحمد الجبواني، وزير النقل الموقوف عن العمل، لمخالفات وتجاوزات مالية كبيرة أثناء ممارسته لعمله في الوزارة.

 

وبسبب فداحة وحجم الفساد الذي مارسه “الجبواني” في وزارة النقل، أصدر نائب رئيس الوزراء، الدكتور سالم الخنبشي، في 5 أبريل الجاري، قراراً وزارياً رقم 213 لسنة 2020، وقضى بتشكيل لجنة “لمراجعة وتقييم الوضع الإداري والمالي والفني لوزارة النقل”.

 

ونَصَّ القرار على تشكيل لجنة مكونة من ثلاثة أشخاص ممثلين لوزارات الخدمة المدنية والمالية والشؤون القانونية، كما كَلَّف اللجنة “بمراجعة وتقييم الوضع الإداري والمالي والفني بديوان عام وزارة النقل، ورفع تقريرها وتوصياتها بالمقترحات والمعالجات المطلوبة”.

كما نَصَّ القرار على أن “تنجز اللجنة عملها خلال أسبوع من تاريخه”.

 

 

منذ بداية عمله، أقصى “الجبواني” وكلاء الوزارة والهيئات التابعة لها، ومنعهم من مزاولة أعمالهم، رغم أن لهم دوراً كبيراً في تأسيس الوزارة ونقلها من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن. وقام وكلاء ووكلاء مساعدون بتوجيه عدة شكاوي إلى رئيس الوزراء السابق (أحمد عبيد بن دغر)، والحالي (معين عبدالملك)، بشأن قيام “الجبواني” بإقصائهم ومنعهم من مزاولة أعمالهم. وللأسف لم يتم اتخاذ أي إجراءات ضد الرجل، أو التحقيق في الشكاوي.

 

وإلى ذلك، قام “الجبواني” بمنع ناصر شُرِيف، نائب وزير النقل، من دخول مبنى الوزارة لمزاولة عمله، رغم أنه مُعَيَّن بقرار جمهوري من الرئيس هادي! وتفيد المعلومات أن “الجبواني” مَنَعَ نائبه، والوكلاء، والكادر المؤهل، من العمل في الوزارة والهيئات التابعة لها، كي يتسنى له الاستفراد بالوزارة وممارسة العبث والفساد فيها كما يحلو له. والوثائق التي سننشرها تؤكد ذلك.

 

نهب تحت بند “تأثيث” الوزارة المؤثثة أصلاً

 

رغم أن وزارة النقل كان لها مقرٌ في عدن، قبل مجيء “الجبواني” إليها، إلا أنه قام، بعد تعيينه فيها، بصرف مبالغ مالية كبيرة لمقربين منه، تحت بند “تأثيث” الوزارة المؤثثة أصلاً! لقد وَجَّه الهيئات والمؤسسات التابعة للوزارة بصرف مبالغ تحت ذات البند!

 

وجَّه بصرف قيمة “الأثاث” الوهمي من جميع الهيئات والمؤسسات التابعة للوزارة بالتكرار لعملية الصرف؛ إذ وجَّه بصرف مبالغ مالية كبيرة لموظفين مقربين منه ومشتركين معه في المخالفات، ونهب المال العام. وقد تم ذلك بصورة فاضحة من عدة جهات تابعة للوزارة، وبصورة شهرية مستمرة! لم يأمر بصرف هذه المبالغ بشكل قانوني إلى حساب الوزارة، بل بأسماء أشخاص مقربين منه ومحسوبين عليه، ولم تخضع تلك المبالغ لأي مراجعة وتدقيق أو إخلاء عُهد!

 

واستمر الرجل في استخدام “بند التأثيث الوهمي” لنهب مزيداً من الأموال؛ ففي 17 يناير 2019، وجَّه “الجبواني” رسالة إلى مدير عام ميناء الوديعة البري أمره فيها بالتالي: “يُصرف من الميناء مبلغ (أربعة ملايين ريال) لتغطية الديون المستحقة على الوزارة مقابل تجهيز المبنى، وذلك بصورة عاجلة للأهمية بنظر الأخ سند مجليع سالم ذيبان، وذلك بصورة استثنائية”. وسند هذا عَيَّنَه “الجبواني” قائماً بأعمال رئيس الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري.

 

فساد ومخالفات في ديوان عام الوزارة

 

في بداية عمله، اختلق “الجبواني” مشاكل مع مدير الشؤون المالية في وزارة النقل، المكلف والمعين أصلاً من قبل وزارة المالية، وفقاً للنظام والقانون. وبالمخالفة للقانون، جاء الرجل بشخص من قِبَلِه لتولي مسؤولية الشؤون المالية والحسابات المالية للوزارة، وإدارة الموازنة المالية المعتمدة من قبل وزارة المالية لوزارة النقل. كذلك، أوقف، بالمخالفة للقانون، أمين الصندوق، وجاء بشخص من قبله، وأوكل له هذه المهمة. والهدف تسهيل الموظفين الجديدين لعمليات الفساد التي قام بها.

 

تقول المعلومات إن “الجبواني” أصرَّ على صرف مبالغ مالية بطريقة غير قانونية. أوضح له مدير الشؤون المالية أن ذلك غير قانوني، وأن الموازنة المعتمدة للوزارة هي موازنة مبوبة بحسب بنود محددة وواضحة لا يجوز تجاوزها، فغضب “الجبواني” وانفعل، وسحب الشيكات بالقوة من مدير الشؤون المالية، وأوقفه عن العمل، وطرده من المكتب! أغضب الأمر وزارة المالية، فقامت بإيقاف التعزيز المالي الخاص بوزارة النقل. ثم تمكن “الجبواني” من إصلاح الأمر مع وزارة المالية، مع ضمان استمراره بالفساد والصرف أموال وزارة النقل كما يريد! وكان له ذلك، بسبب فساد وضعف وزارة المالية.

 

والمضحك أن “الجبواني” وَجَّه بإنشاء ميازين في محافظتي مأرب وحضرموت، بالشراكة مع تُجَّار، بغرض جباية الأموال، رغم أن هذا أمر ليس من اختصاص وزارة النقل، بل من اختصاص وزارة الأشغال العامة والطرق. وقام “الجبواني” بذلك متجاهلاً، كالعادة، النظام والقانون.

 

بعض المخالفات في مجال النقل البحري

 

تخبَّط “الجبواني” كثيراً من خلال قيامه بتعيينات غير القانونية لأشخاص غير مؤهلين، ومهمتهم الرئيسة هو تسهيل عملية جباية الأموال لصالحه من الهيئات والمؤسسات والمنافذ التابعة للوزارة؛ ذلك أثار سخطاً كبيراً في أوساط موظفي الوزارة والهيئات والجهات التابعة لها، حتى قرَّر الموظفين إعلان الإضراب والاعتصامات احتجاجاً على الأعمال غير القانونية التي يقوم بها الوزير.

 

وقام “الجبواني” بإصدار قرار تدميري (رقم 60 لسنة 2018م)، وتضمن فرض رسوم مقابل منح التصاريح للسفن والرحلات الجوية لخطوط الطيران القادمة إلى الموانئ والمطارات اليمنية. وكان ذلك بالمخالفة للقانون وكل اللوائح والأعراف. ونص ذلك القرار على فرض رسوم التصاريح على النحو الآتي:

فئة السفينة                 الرسوم      

سفن المشتقات النفطية     3000$    

سفن مواد التصنيع والبناء        2000$    

سفن الحاويات      1800$

السفن الخشبية      500$

سفن الغذاء          500$

 

               

 

جانب من تجاوزاته في النقل الجوي

 

تحصيل رسوم غير قانونية من شركات الطيران الأجنبية الناقلة لشحنات البضائع إلى المطارات اليمنية: 2000 دولار على كل رحلة طيران، وكان يتم تحصيل ذلك في مطاري عدن وسيئون! ذلك أثار حفيظة التجار، فرفعوا شكاوي عديدة إلى رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، الذين تدخلا وألغيا تلك “الرسوم” غير القانونية التي فرضها “الجبواني”، متناسياً أن القاعدة القانونية تقول بأنه “لا رسوم إلا بقانون”.

 

بعض فساده في مجال هيئة تنظيم النقل البري

 

تخبَّط “الجبواني” كثيراً، منذ الأسبوع الأول لتعيينه، حيث قام بتكليف فارس الغزالي، بالقرار رقم (3) لسنة 2018م، بتاريخ 11/1/2018م، إلا أن هذا القرار لم يستمر أكثر من شهر واحد، إذ قام الوزير بتكليف صالح الوالي، الموالي له، بالقيام بأعمال رئيس هيئة تنظيم شؤون النقل البري، وأقصى نائب رئيس الهيئة من عمله، كي تسهل أمامه عمليات تمرير المخالفات والصرفيات المالية غير القانونية.

 

والحقيقة أن “الجبواني” صَرَفَ مبالغ كبيرة من الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري، تحت بنود كثيرة، منها بدلات سفر بالدولار لمهمات لم يتم السفر فيها! ورغم شحَّة الموارد بسبب الحرب التي تعيشها البلاد، وصلت بدلات السفر التي تم صرفها من هذه الهيئة، خلال فترة قصيرة جداً، إلى أكثر من ثمانية ملايين ريال. وتم، على حساب الهيئة أيضاً، شراء سيارات ومولدات كهربائية وكرفانات؛ بشكل غير قانوني ووهمي، كما سيأتي توضيح ذلك في العدد القادم.

 

على أن الكارثة الكبيرة تمثلت في توريد نسب كبيرة من إيرادات المنافذ البرية إلى الحساب الشخصي للوزير، الذي قام بذلك متجاهلاً القوانين واللوائح والتشريعات التي تنص على تبعية الموانئ البرية للهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري. وتبعية الموانئ البرية للهيئة، كان يفرض (وفقاً للقانون وللقرار الجمهوري القاضي بتأسيس الهيئة) على الموانئ البرية توريد نسبة من إيراداتها (30%) إلى الهيئة، وهذه النسبة تذهب، وفقاً للقانون، إلى البنك المركزي باعتبارها إيرادات سيادية للدولة، ولا يتم الصرف منها إلا وفقاً للقانون.

 

للاستيلاء على تلك النسبة من إيرادات المنافذ/ الموانئ البرية، أصدر “الجبواني”، في 16/2/2018م، القرار الوزاري رقم (16) لسنة 2018م، الذي يسمى بالقرار الكارثي، ونص على أن تكون تبعية الموانئ البرية إلى وزارة النقل مباشرة، بدلاً من الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري. بموجب ذلك، صار الوزير هو من يتولى الإشراف المباشر على الموانئ البرية. لقد أصدر “الجبواني” ذلك القرار رامياً بالقوانين عرض الحائط ومتحدياً للقرارات الجمهورية الصادرة بشأن ذلك. ووفقاً للقانون، فالقرار الجمهوري لا ينقضه إلا قراراً جمهورياً وليس قراراً وزارية.

 

وبدلاً من أن تذهب نسبة الـ 30% من إيرادات المنافذ/ الموانئ البرية إلى حساب وزارة النقل في البنك المركزي، صارت تذهب إلى جيب الوزير الجبواني مباشرة! وهذا هو ما أراده الرجل بإلحاق الموانئ البرية بسلطته مباشرة.

 

احتجَّ الموظفون والنقابات على ذلك “القرار الجبواني” الغريب، واعتصموا أمام مبنى الوزارة، مطالبين بإلغاء القرار، ولكن لا حياة لمن تنادي! وأصدرتْ نقابة موظفي وعمال الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري بياناً أدانت فيه قرار الوزير، وطالبت بإلغائه، إلا أن “الجبواني” تمسَّك برأيه وموقفه، وأصرَّ عليه بتعنت شديد! وبلا شك، فمثل هذه التصرفات تؤدي إلى تدمير الهيئات والمؤسسات التابعة لوزارة النقل.

 

وقبل ذلك كان “الجبواني” وجَّه رسالة إلى القائم بأعمال الرئيس التنفيذ للهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري أبلغه فيها أنه تم “إعفاء الهيئة في المكلا من توريد الـ30 % من إيراداتها للمركز”/ لهيئة تنظيم شؤون النقل البري؛ قبل أن يستولي هو على هذه النسبة لنفسه.

 

توظيف الأقارب والمقربين

 

قام الرجل بتوظيف أقاربه، لضمان ممارسة الفساد كما يريد. فبعد فترة وجيزة اختلف هو وصالح الوالي؛ لأن “الجبواني” أراد صرف الـ 30% من إيرادات الموانئ البرية لنفسه بالكامل؛ كما تقول المعلومات. وبسبب ذلك الخلاف، أصدر الوزير قراراً قضى بتكليف محمد غازي كقائم بأعمال مدير عام فرع الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري فرع عدن، حتى يتسنى له تمرير المخالفات التي يريدها. لكن يبدو أن مدير الفرع لم يستطع مجاراة الوزير فيما يريد؛ لهذا جاء “الجبواني” وبشخص آخر من أقربائه، يدعى ناجي الشريف وأصدر له قراراً قضى بتكليفه قائماً بأعمال مدير عام فرع هيئة تنظيم النقل البري- فرع عدن. وسبق أن قام “الجبواني” بتعيين قريبه “الشريف” نائباً لرئيس مؤسسة موانئ البحر العربي، لكن القرار قوبل بالرفض من قبل موظفي وقيادة المؤسسة ومحافظ حضرموت.

 

بيانات واعتصامات للمطالبة بإيقاف عبثه بمؤسسة موانئ البحر العربي

 

قام الوزير بالتوجيه بصرف نثريات شهرية بآلاف الدولارات، وملايين الريالات، له، وبأسماء مقربين منه وموظفين تابعين له. وسبقت الإشارة إلى أنه قام بتكليف أحد أقربائه (ناجي الشريف) نائباً للرئيس التنفيذي لمؤسسة موانئ البحر العربي، ما دفع عمال وموظفي وقادة المؤسسة إلى رفض ذلك القرار، والاعتصام والإضراب، لإيقاف العمل به. وبسبب توقف العمل في ميناء المكلا، جراء الإضراب فيه، تدخل محافظ حضرموت، وتم رفض قرار تعيين “الشريف”، وتم إعادة العمل في الميناء.

 

لم يتوقف الوزير الجبواني عند هذا الحد، بل استمر بنهب الملايين من إيرادات المؤسسة له، ولأقربائه؛ وهذا خلق إرباكاً في العمل داخل المؤسسة، وتذمر الموظفين والعمال فيها، فأصدروا بيانات تنديد وإدانة، ونفذوا وقفات احتجاجية للمطالبة بوقف تصرفات “الجبواني” وإيقاف صرفياته غير المعقولة من المؤسسة.

 

تخبطه في مجال الهيئة العامة للطيران

 

لعب “الجبواني” دوراً كبيراً في إثارة الفوضى من خلال التوظيفات العشوائية في الهيئة العامة للطيران المدني والإرصاد، والمرافق التابعة لها؛ إذ أقصى طارق عبده علي، مدير عام مطار عدن الدولي، وكَلَّف منيف عبدالله محمد الزغلي قائم بأعمال مدير عام المطار، رغم أن “طارق مشهود له بالكفاءة والنزاهة والاقتدار في العمل”. ذلك أثار سخطاً كبيراً في أوساط المجتمع المدني؛ ما أدى إلى تدخل رئيس الوزراء، وألغى قراري الوزير الطائش، وإعادة الوضع على ما كان في السابق.

 

كذلك، قام “الجبواني” بتغيير مدير عام مطار سيئون الدولي، وأُعتُبِرَ ذلك إقصاءً للكوادر ذات الكفاءة، واستبدالهم بعناصر موالية له، لتمرير مخالفات عبر المطارات، وتغطية الصرفيات.

 

وقال مدير عام مطار عدن إنه تم توظيف ما يُقارب ثمانين فرداً في أمن الطيران في المطار من غير ذوي المؤهلات والكفاءات، وكان هذا هو سبب إبعاد طارق عبده علي من موقعه كمدير عام لمطار عدن الدولي.

 

على أن الأهم والأخطر هو قيام “الجبواني” بإيقاف إجراءات إنشاء مركز مراقبة جوي في العاصمة الموقتة عدن، بدلاً من المركز الموجود في صنعاء، رغم أن الوزير السابق كان قد بدأ بإجراءات إنشاء هذا المركز في عدن، والبحث عن تمويل له. وهذا المركز يعود لمليشيا الحوثي بنحو ستين مليون دولار سنوياً؛ تدفعها شركات الطيران مقابل مرورها فوق الأجواء اليمنية. شركات الطيران تدفع هذه المبالغ المالية الكبيرة إلى هيئة الطيران في صنعاء، وتذهب تلك الأموال إلى يد مليشيا الحوثي الانقلابية، التي تستخدم تلك الأموال كمجهود حربي لإطالة أمد الحرب التي تشنَّها ضد اليمن واليمنيين.

 

وحتى الآن لم تقم وزارة النقل، والحكومة اليمنية بشكل عام، بأي عمل لإيقاف استخدام مليشيا الحوثي لمركز المراقبة في صنعاء لتنظيم حركة الملاحة في الأجواء اليمنية، وتقاضي ملايين الدولار عن ذلك سنوياً. والأمر يحتاج إنشاء مركز مراقبة جوي بديل في عدن، وإيقاف مركز صنعاء عن العمل، ومخاطبة “الأياتا”، وشركات الطيران الدولية بأن الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً هي صاحبة الحق في تنظيم حركة الملاحة في الأجواء اليمنية.

 

لا يهتم بتنشيط مؤسسات الدولة، بل بنهب ما يستطيع نهبه من أموالها

 

لم يستجب الوزير الجبواني لمناشدة المدير العام التنفيذي للمؤسسة المحلية للنقل البري، بالوقوف إلى جانب المؤسسة حتى يتسنى لها تشغيل باصات النقل الجماعية المقدمة من دولة الإمارات العربية المتحدة، رغم أنه كان للمؤسسة باصات نقل جماعية تعمل داخل المدن وفيما بين المدن. لم يستجب “الجبواني” لتلك المناشدة؛ لأنه لم يكن يهتم بتنشيط عمل مؤسسات الدولة، بل بتدميرها، عبر نهب ما يستطيع نهبة من أموال منها.

 

نموذج من المخالفات التي ارتكبها “الجبواني” خلال فترته القصيرة/ الطويلة في وزارة النقل.

 

    في 20 نوفمبر 2018، وجَّه “الجبواني” رسالة إلى القائم بأعمال الرئيس التنفيذي للهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري أمره فيها بالآتي: “يتم ترفيع المخصص الشهري الجاري صرفه من الهيئة إلى مبلغ (واحد مليون ريال) شهرياً، وذلك اعتباراً من شهر ديسمبر 2018م”. أمر “الجبواني”، في رسالته هذه، بترفيع “المخصص الشهري”، دون أن يحدد لم هو هذا المخصص، والسبب بسيط: كل المنافذ والهيئات التابعة لوزارة النقل اعتادت دفع مخصص شهري لوزير النقل، وهذا المخصص يتفاوت حسب دخل وعائدات كل منفذ وهيئة. طبعاً فالهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري هي أقل تلك الهيئات إيراداً؛ لهذا تدفع مبلغ صغير. إنه إحدى نوافذ الفساد في البلاد.

 

الاستيلاء الفعلي على 30 من إيرادات المنافذ البرية عبر تقديم عُذر أقبح من ذنب

 

بعد أن أصدر، بالمخالف للقانون، في 16/2/2018، قراراً قضى بتحويل نسبة الـ 30% من إيرادات المنافذ البرية من الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري إلى ديوان عام وزارة النقل مباشرة (إلى نفسه)، أخذ يوجّه المنافذ البرية بتوريد تلك النسبة ليس إلى حساب الوزارة في البنك المركزي بل بأسماء مدير مكتبه، ومقربين منه!

 

في 25 يونيو 2018، وجَّه “الجبواني” رسالة (رقم 36) إلى مدير عام ميناء الوديعة البري، وجهه فيها بالآتي: “يتم تحويل نسبة الـ (30%) من إيرادات المنفذ، بصورة استثنائية وبشكل شهري، باسم الأخ صالح أحمد صالح مزاحف، أمين صندوق الوزارة، حتى استكمال إجراءات فتح حساب في البنك المركزي عدن”! وهنا، يمكن إيراد هذه الملاحظات:

 

أولاً: لا يحق لأي وزير، أو مسؤول حكومي، مطالبة أي جهة إيرادية تابعة لوزارته، بتحويل نسبة من إيراداتها، مهما كانت هذه النسبة، باسم شخص من موظفيه؛ لأن الطبيعي هو أن ذهب إيرادات جميع المؤسسات والهيئات الحكومية إلى حسابات هذه الهيئات في البنك المركزي اليمني، وتبقى إيرادات سيادية للدولة، وليس للهيئات والوزارات إلا موازنات تشغيلية محدد وواضحة؛ لهذا هناك ما يعرف بالموازنة السنوية العامة للدولة التي تقرها الحكومة سنوياً، ومنها يتم صرف جميع الرواتب والمصروفات والمستحقات القانونية؛ بحيث لا تبقى الأمور هوشلية، ويبقى الصرف عشوائي.

 

ثانياً: لا يعقل أبداً أن وزارة النقل لم يكن لديها، حتى عام 2018، حساب في البنك المركزي اليمني في عدن! وما قاله “الجبواني” في رسالته هو مجرد عُذر أقبح من ذنب.

 

ثالثاً: لأن الأمر مخالف للنظام والقانون، فـ “الجبواني” وَجَّه، في رسالته، مدير عام ميناء الوديعة بـ “تحويل نسبة الـ (30%) من إيرادات المنفذ، بصورة استثنائية وبشكل شهري”! والمبرر: “حتى استكمال إجراءات فتح حساب في البنك المركزي عدن”! والمعنى من هذا أن إجراءات فتح الحساب ستأخذ فترة طويلة ستمتد لأشهر! والحقيقة أن للوزارة حساب في البنك المركزي- عدن، وهذا أمر في حكم المؤكد والثابت الذي لا يقبل النقاش. والشاهد أن كل الوزارات، بعد أن تم نقل الدولة إلى عدن، اعتمدت، في تعاملاتها، حساباتها الموجودة أساساً في البنك المركزي فرع عدن. و”الجبواني” يُريد أن يوهمنا، بكلامه، أن جميع الوزارات والهيئات الحكومية قامت، بعد نقلها إلى عدن، بفتح حسابات جديدة لها في البنك المركزي اليمني في عدن، وهذا غير صحيح.

 

رابعاً: إذا ما افترضنا جدلاً أنه لم يكن هناك، حينها، حساب لوزارة النقل في البنك المركزي- عدن، فإجراءات فتح الحساب تتطلب رسالة رسمية وإجراءات قد يتم إنجازها في ظرف ساعة أو أقل.

 

خامساً: في ديسمبر 2017، تم تعيين “الجبواني” وزيراً للنقل، خلفاً لمراد الحالمي. وقبل مجيء “الجبواني”، كانت وزارة النقل تتعامل كشخصية اعتبارية، ولديها، وكل الهيئات التابعة لها، حسابات في البنك المركزي اليمني في عدن، وتتعامل عبر تلك الحسابات. وهذا يؤكد أن قول “الجبواني”، في رسالته المشار إليها، “حتى استكمال إجراءات فتح حساب في البنك المركزي عدن”هو عُذر أقبح من ذنب، ومجرد تبرير كاذب الهدف منه تبرير السطو على 30% من إيرادات منفذ سيادي هام هو منفذ الوديعة البري.

 

سادساً: حتى لو افترضنا أن وزارة النقل لم يكن لديها حساب في البنك المركزي، وهذا افتراض غير صحيح، فلا يحق لوزير النقل، أياً كان، أن يطلب من مسؤولي هيئاته الإيرادية تحويل 30% من إيراداتها كل شهر باسم أحد موظفيه؛ لأن ذلك مخالف للقانون، ولأنه لا يحق له، في الأساس، صرف هذه الإيرادات؛ لأن لديه موازنة سبق للحكومة اعتمادها، وفيها كل رواتب ومصروفات ومستحقات وزارته.

 

سابعاً: من الواضح أن “الجبواني” استولى، خلال الفترة الماضية، على 30% من إيرادات منفذ الوديعة، بدون وجه حق؛ لهذا فعلى الحكومة تشكيل لجنة للتحقيق في هذه القضية، وإيقاف صالح أحمد صالح مزاحف، أمين صندوق الوزارة، والتحقيق معه لمعرفة أين صرف الـ 30% من إيرادات منفذ الوديعة، وهي مئات الملايين، طوال الفترة/ الأشهر الماضية. هذا أمر ضروري، ما لم فرئيس الحكومة، وقبله رئيس الجمهورية، يتحملان مسؤولية هذا الفساد الوقح، وهذا العبث السافر بالمال العام.

 

ثامناً: تقول المعلومات أن “الجبواني” استولى، بذات الطريقة، وذات المبرر، على 30% من إيرادات بقية المنافذ البرية والبحرية الواقعة تحت الحكومة الشرعية في البلاد. هذا الأمر يقتضي فتح تحقيق مستقل وواسع وشامل.

 

أخيراً: منذ أكثر من 20 عاماً، ونحن نسمع بالفساد الحاصل في وزارة النقل، لكنَّا لم نجد وثائق فاضحة بهذا الشكل الوقح تفيد أن وزيراً استولى على 30% من إيرادات منفذ حكومي بري، وربما منافذ أخرى، بهذا الشكل السافر، وهذه الطريقة البجِحَة.

إنه زمن الرئيس هادي؛ زمن الفساد الوقح الذي ليس له حدود أو سقف، وزمن المسؤولين الأوغاد الذين يفتقدون لأدنى متطلبات الحياء والأخلاق. مسؤولين ادَّثروا رداء الوطنية، واتَّخذوها غطاءً للفساد، ومبرراً للمزايدات الفارغة. صحيح؛ “الوطنية آخر ملاذ الأوغاد”.

7493 img-20200407-wa0004 img-20200407-wa0027 img-20200407-wa0020 

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس