تقرير : استمرار الحرب وأثارهاعلى سلوكيات الأفراد في المجتمع اليمني

الخميس 16 ابريل 2020 - الساعة 11:44 مساءً
المصدر : الرصيف برس - متابعات

ترك تمدد ميليشيا الحوثي للهيمنة على أنحاء اليمن بالقوة تداعيات سلبية على مختلف نواحي الحياة، وجمعيها زادت من حجم الضغوط النفسية على اليمنيين وتسببت في صدمات ظهرت أعراضها واضحة في سلوكيات الأفراد.

قصف صاروخي ومدفعي وألغام ومنازل مدمرة وجثث وقتلى وجرحى وأطراف مبتورة وإعاقات دائمة ويتم وبكاء وصراخ واعتقالات ومداهمات وإخفاء قسري ونقاط تفتيش في كل مكان، وفقر ومجاعة وغياب للخدمات، وهذه كلها بؤر لتفشي الاضطرابات النفسية في مجتمع لا يحظى أفراده أساساً بالرعاية النفسية الكافية.

اطلعت "اندبندنت عربية" على تفاصيل عشرات الحالات من المتأثرين نفسياً بالأوضاع المأساوية في اليمن.

الصدمة

أريج من محافظة تعز، فقدت والديها وشقيقها بعد إلقاء ميليشيات الحوثي قذيفة على منزلهم تسببت في تدميره كلياً، في حين كانت الناجية الوحيدة في السوبرماركت. وعند عودتها رأت شيئاً مهولاً، فالمنزل صار أطلالاً ترزح أسرتها تحت أنقاضه. وفي المكان، تجمع عشرات الأشخاص يحاولون عبثاً إخراجهم.

صدمة نفسية بالغة الضرر أدخلت أريج في اضطرابات أثرت في  مجرى حياتها. وهي اليوم تتلقى العلاج من آثار الصدمة لدى اختصاصي نفسي، ولا تزال الصدمة مؤثرة فيها، على الرغم من انتقالها إلى العيش مع جدتها.

فقد عبد السلام أحمد، من الحديدة، قدمه بسبب الألغام، وهو المسؤول عن عائلة مكونة من والدته وخمس شقيقات، بعد وفاة والده.

يقول لـ "اندبندنت عربية"، "بعد فقداني قدمي صار صعباً عليّ ممارسة حياتي بشكل طبيعي كما كانت، فعملي الذي كنت أمارسه، النجارة، لست قادراً الآن على الاستمرار فيه، لصعوبة وقوفي على قدم واحدة". ويضيف "أعيش على المساعدات من الأقارب، ولا أستطيع أن أعمل أو أساعد أهلي أو أتزوج. أشعر بالعجز".

تعيش سهى عبد العزيز، وهي من مدينة عدن، حالة نفسية مضطربة منذ عام 2015، نتيجة فقدانها خطيبها الذي قتل في الحرب. فبعد عامين من الخطبة وانتظار الزفاف، اندلعت الحرب.

مشكلات نفسية واجتماعية

يقول الدكتور طالب غشام المحمدي، استشاري الطب النفسي، إن الشعوب على مدار تاريخها تعيش تقلبات الزمن من حالات الأمن والسلم والانتعاش والتطور إلى حالات الحروب وتقلبات الطبيعة وقسوتها، ونتيجة لذلك تعاني من نتائج هذه التغيرات وشدتها وامتداد فترتها الزمنية.

ويضيف المحمدي، لـ "اندبندنت عربية"، أنه في ظل الحروب بشكل عام تولد الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وتبرز ظواهر غريبة لم يعتد عليها المجتمع في الظروف الطبيعية، حيث تنتج من تلك الحرب أعداد كبيرة من الأيتام والأرامل والنازحين، كما يزداد عدد الجرحى بنسبة عالية. كما تظهر الكثير من الإصابات الجسدية، مما يؤدي إلى زيادة المعاناة النفسية والاجتماعية.

ويؤكد أنه بسبب الحيثيات السابقة يتعرض الأفراد والجماعات لخبرات صادمة تؤدي إلى ظهور العديد من الاضطرابات النفسية المختلفة، مثل كرب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق العام والرهاب بأنواعه المختلفة ونوبات الفزع. كما تظهر الاضطرابات النفسية عند الأطفال على شكل تبوّل وتبرز لاإراديين، وفرط في الحركة ونقص الانتباه وغيرها من الاضطرابات النفسية.

وأشار إلى أن للضغوط النفسية آثاراً سلبية على الحياة الاجتماعية، تتمثل في تفكك النسيج المجتمعي، ما يشكل تحدياً كبيراً على المدى البعيد يستدعي جهوداً جبارة من الجميع لتجاوزه.

وذكر مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية نقلا عن مسؤول في مستشفى الأمل للطب النفسي في صنعاء تأكيده وجود زيادة كبيرة في عدد المرضى بالمقارنة مع فترة ما قبل الحرب في اليمن.

كما أظهرت دراسة لمنظمة "يمن لإغاثة الأطفال" أن أطفال صنعاء وعدن وتعز وأبين أبانوا عن ارتفاع مهول في مشاعر الخوف وانعدام الأمن والقلق والغضب، حيث عانى 31% من الأطفال في الدراسة أعراضاً جسدية – بما في ذلك الصداع وآلام الصدر والبطن والإرهاق – والتي اعتبرها الباحثون مؤشرات على وجود ضائقة نفسية.

وقد لاحظت دراسة المنظمة تمايزاً واضحاً في شدة الأعراض النفسية بين المحافظات، يعادل تقريباً كثافة النزاع في مختلف المناطق. فوفقاً للدراسة "عند تقييم حالة أطفالهم، أفاد الآباء أن 5% من الأطفال يعانون من التبول اللاإرادي، و2% عادوا إلى التأتأة، و47% يعانون من اضطرابات النوم، و24% لديهم صعوبة في التركيز، و17% يعانون من نوبات هلع".

وعزا عبدالقدوس حرمل مدير عام الصحة النفسية بوزارة الصحة في حكومة الحوثيين ارتفاع معدلات انتشار الإضطرابات النفسية في اليمن إلى استمرار الحرب في البلد.

وفي تصريح لـ"اندبندنت عربية" أوضح حرمل أنه وفقا لدراسة تقدير انتشار الاضطرابات النفسية في اليمن والتي نفذتها إحدى المنظمات الوطنية العاملة في مجال الصحة النفسية فقد قدرت نسبة ومعدل انتشار الإضطرابات النفسية فيما بين أوساط اليمنيين المتضررين من الحرب بحوالي 5.19 % ومعدل انتشار بنحو 195 في كل 1000 حالة.

وأكد أن وضع الرعاية الصحية النفسية في اليمن خلال سلطة الحكومات المتعاقبة إلى ماقبل 2015 كانت متدهورة جدا، إذ أن عدد العاملين في مجال الصحة النفسية من الأطباء النفسيين لم يتجاوز 40 طبيبا، وقد غادر عدد منهم البلد إلى دول عربية فيما يعمل جل المتبقين في العيادات والمراكز الخاصة بهم، وهو معدل متدني جدا لا يواكب الحاجة الماسة للرعاية النفسية في الفترة الحالية، كما أن عدد الأسرة المخصصة للمرضى المصابين بالاضطرابات النفسية لا يتجاوز عدد 500 سرير.

ونوه إلى أن وزارته تبنت خطة استجابة لاحتياجات الصحة النفسية بهدف رفع وتحسين مؤشرات بنية وخدمات الصحة النفسية لتواكب الحاجة الماسة لهذه الرعاية في اليمن خلال هذه الفترة.

ويقول آخر مسح نفذته منظمة الصحة العالمية إن من بين 3507 منشآت صحية في اليمن تغيب فيها الخدمات المتعلقة بالأمراض النفسية ولا تتوافر إلا بنسب ضئيلة.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن واحداً من كل خمسة أشخاص في مناطق الحرب يعانون من الاكتئاب أو القلق أو اضطرابات ما بعد الصدمة أو الاضطراب ثنائي القطب أو انفصام في الشخصية، فيما يعاني كثير منهم من أشكال حادة من هذه الأمراض العقلية.

وقالت المنظمة التابعة للأمم المتحدة إن هذه النتائج تسلط الضوء على التأثير بعيد المدى للأزمات الناجمة عن الحرب في بلدان مثل أفغانستان والعراق وسوريا واليمن، وإن الأرقام أعلى بكثير منها في وقت السلم حين يعاني واحد من كل 14 شخصاً تقريباً من شكل من أشكال المرض العقلي.




111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس