التغيير الديمغرافي أفسد الوحدة والانفصال معاً

الخميس 09 ابريل 2020 - الساعة 03:57 صباحاً

 

نكء تعز بالأحاديث عن "التغيير الديمغرافي"، هو إطلاق سباق ضخم لاختبار قدرة الأطراف المتصارعة على بناء تشارك شعبي مع الناس، تشارك لبناء تحالف أو لتدوير عجلة صراع ضخمة بين الخصوم..

 

قبل 17 سنة أطلق نفس البالون ونجح فعلاً في إطلاق سباق كان هو الأخطر بين الدولة في صنعاء وبين المجتمع في الجنوب..

 

ففي خضم الأزمة السياسية بين القوى الممثلة لسلطة "التحالف القبلي العسكري الديني" في صنعاء والقوى الممثلة لسلطة "اليسار"، تحدث الأستاذ محمد اليدومي عن قدرتهم على الدفاع عن الوحدة عبر "التغيير الديمغرافي".

 

لم يكترث "اليسار" ولا اهتمت القبيلة ولا العسكر، بهكذا خطاب، فالقبيلة قد "تتفيد" ولكنها "لا تستوطن"، والعسكر هم مؤسسة فرض بالقوة لا بالتحايل. واليسار هو "وحدوي" أممي ولا يرى قداسة للحدود إلا في مواجهة الفكرة.

ولكن كان للأستاذ "علي صالح عباد مقبل" رأيٌ آخر..

كان "مقبل" مقاتلاً وطنياً عظيماً، وقف يشرح للدولة خطورة ما يقوله "اليدومي"، والخطورة يومها قد تأتي من حيث لا يقصد اليدومي ربما.

 

حاول "مقبل" أن يفتدي الوحدة بروحه، كي تسمع السلطة بأنّ هذا المنطق خطير، سيحوّل الوحدة من مشروع اندماج إلى مشروع صراعي لن ينتهي.

 

لن تتشظى اليمن والسّلام، ولن تتوحد والسّلام.. بل إنها في كل الأحوال ستبقى ميداناً للصراعات والحروب، والحل هو أن تثبت دولة صنعاء، بشقيها المتصارعين، أنها عند مستوى المسؤولية وتسقط فكرة السيطرة والإقصاء والصراع من رأسها، وتستبدلها بخلق نمط إدارة جديد رشيد يقاطع عبرها كل طرف ماضيه.

 

لم يكن "مقبل" معترضاً على التساكن الوطني، فهو أصلاً نزح من أبين وعدن وسكن صنعاء منذ زمن طويل. وهو رجل طهّر الله قلبه من كل العنصريات المناطقية والقبلية.

 

لكنه كان يرى أن خطاب اليدومي، من حيث لم يقصد اليومي أو أنه قصد، وبعض الظن إثم، أنه يحرِّض الجنوب ضد الوحدة.

 

تماماً كما يفعل أصحاب ذات الدعوة اليوم، فهم يحرضون المقاومة الوطنية ضد تعز، بمعنى تصديها للدعوة بعنتريات إعلامية ضدية لا تفسح المجال لأي مراجعات هادئة لبناء تصور لمشروع وطني يرتكز على المجتمعات المحلية وليس على المركزيات..

 

التحريض هنا استفزاز صاحب النية الحسنة على الفعل السيء.

 

ففي التسعينات حين سمع الجنوبي هذا المصطلح "التغيير الديمغرافي"، انتقلت مشكلته من صراع مع السُلطة إلى صراع مع الناس.. وهذا أرهق كل المشاريع ولا يزال يرهق الوحدة ويرهق حتى الانفصال والتشظي.

 

وهو طريق ليس له إلا باب واحد للانتقال منه، لا يمكنك أن تغير الناس لا في الجنوب ولا في الشمال، وإذاً فطريقه الوحيد هو "إصلاح السُلطة"، هل يمكن أن تكون الدولة عاقلة ومستوعبة للخطر وتقدِّم معالجات من جهتها هي، تنزع بها الفتيل، وتفدي بروحها دولة الوحدة؟

 

المعنى إحداث تغيير جذري في توجه وتركيبة وأداء السلطة، بحيث تفوِّت الفرصة على تجار الأزمات، من الشمال ومن الجنوب، والذين سيدخلون على الخط لكي يثبتوا للدولة وللوحدة أنه يمكن حمايتها بغض النظر عن قبول أو عدم قبول الجنوبيين لها.

 

شخصياً، فجعتني اللحظة التي قفزت فيها هذه الدعوة من جديد الآن، وشعرت بتفوق مستمر للفوضى في هذه البلاد، ففي الوقت الذي لا تزال فيه المقاومة الوطنية مجرد معسكرات بدون أي غطاء شعبي أو سياسي، وتعرِّف نفسها باعتبارها مقاتلين للحوثي عسكرياً.

 

وفي وقت يعاني شمال الشمال من تمزُّق مذل، تتقاسم قواه كل الأطراف، ويتحكم به الحوثي وبقية رموزه مجرد نازحين في المناطق يعاني تحركهم الويلات، تقفز هذه الدعوة الخطرة ضد هذا الشمال نفسه بدعوى الخوف من التغيير الديمغرافي..

 

أين يذهب أبناء الشمال إذاً؟

يعودون للحوثي؟!

 

ثم، من قال إنّ القوى العسكرية سواءً الجيش الوطني في مأرب أو المقاومة الوطنية في المخا هي كتلة مناطقية واحدة؟

 

وأكاد أجزم أن أصحاب هذه الدعوة يعرفون ذلك كما كان أصحاب ذات الدعوة في 1993 يعرفون أن القبيلة والعسكر لا يكترثون لا بالجغرافيا ولا بالمجتمعات المحلية.

 

بل ربما وتحديداً هذا هو المطلوب، كصورة من صور "الفوضى الخلاقة" حيث يستبقون بناء مشروع سياسي واجتماعي للمقاومة الوطنية ويراهنون على أنهم سيؤثرون في توجهها بحيث تدخل في عراك سطحي معهم، وهذا هو ما يحتاجونه حتى لا يتخلق لها مشروع حديث، وحتى تعود إلى التاريخ سالمة غير غانمة مكتفية من النصر بالبقاء..

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس