حين يتقمص الشيطان دور الملاك .. "العيسي" ملك التلوث والفساد عبر البحار
الاربعاء 06 سبتمبر 2023 - الساعة 10:07 مساءً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي
"يا إلهي .. إنها كارثة على سواحل لحج" .. بهذه العبارة يذكر الصحفي فاروق مقبل الكمالي في منشور له على صفحته "بالفيس بوك" بواحدة من إحدى الكوارث البيئية التي صنعها رجل الأعمال الإخواني النافذ / أحمد العيسي وهددت وتهدد الشواطئ الشواطي اليمنية.
يتحدث الكمالي هنا عن إحدى سفن نقل النفط التابعة للرجل الجانحة بالقرب من باب المندب منذ عام 2015م ، ضمن قائمة طويلة تضم عشرات من زميلتها الجانحات على مقربة من سواحل عدد من المحافظات ، دون أي اكتراث من "العيسي" لحجم المخاطر البيئية والاقتصادية على مصدر رزق لمئات الالاف من اليمنيين.
خارطة تلوث ترسمها سفن العيسي النفطية المتهالكة تمتد من باب المندب غرباً الى حضرموت والمهرة غرباً مروراً بالعاصمة عدن التي تعاني سواحلها من نحو 12 سفينة متهالكة ومهددة بالغرق بحسب تقارير الهيئة العامة للشؤون البحرية جميعها تتبع للرجل.
بل ان الخارطة التلوث تمتد بعيداً الى سواحل جزيرة سقطرى التي تعاني أحدى مناطقها من تسرب نفطي خطير صادر عن ناقلة النفط تابعة للعيسي تدعى "حمامة الخليج" وجانحة منذ العام 2018م وتحمل السفينة ما يقرب من 7000 طن متري من المشتقات النفطية.
ولا يزال حاضراً في الاذهان كارثة التسرب النفطي الذي احدثه جنوح ناقلة النفط "شامبيون 1" التابعة للعيسي أمام سواحل المكلا بحضرموت في العاشر من يوليو 2013م مخلفة تلوثاً بلغ مداه 20 كيلو متراً جراء تسرب كميات كبيرة من مادة المازوت، في حين تحذر تقارير صحفية من بقاء الكارثة وتؤكد بان ما تسرب منها لا يتجاوز 20% من حمولة السفينة.
جرائم تلوث وقنابل موقوتة تمثلها سفن العيسي على حياة المواطنين في السواحل اليمنية ، دون ان يطال الرجل أي عقوبة او محاكمة ، ما يعكس حجم النفوذ الكبير الذي اكتسبه خلال 30 عاماً من تجارته في نقل واستيراد النفط ومشتقاته خلال عهد الرئيس الأسبق علي صالح وتعاظم هذا النفوذ بشكل كبير مع تولي عبدربه منصور هادي ( الذي ينتمي هو والعيسي الى ابين) للحكم عام 2012م.
نفوذ يفوق صلاحيات منصب نائب مدير مكتب الرئاسة الذي منحه له هادي ، ففي أواخر 2018م وفي تقرير مطول لها عن العيسي ، تنقل صحيفة "لوموند" الفرنسية عن مصدر في الحكومة اليمنية، حول تأثير الرجل يقول فيه باختصار: "كل شيء يمر من خلاله… كل شيء ما عدا الهواء".
بنى العيسي نفوذه وامبراطوريته المالية جراء احتكاره لسنوات طويلة لعملية نقل النفط الخام الذي يأتي عبر الانبوب من حقول النفط في مأرب الى رأس عيسى بالحديدة غرب اليمن ، الى مصافي عدن لتكريره عبر اسطول من الناقلات والسفن تابعة لشركته "أعالي البحار"- وهذه ذاتها اليوم التي باتت تهدد شواطئ المحافظات الجنوبية – ثم تقوم هذه السفن بنقله مرة أخرى الى خزانات في رأس عيسى.
هذه الإمبراطورية المالية كادت ان تقتل وتنتهي عام 2006م بعد اعلان مجموعة شركات هائل سعيد أنعم انشاء مصفاة رأس عيسى باستثمارات تبلغ 450 مليون دولار وطاقة 60 ألف برميل يوميا ، الا أن المشروع تعرض لعراقيل كثيرة وصلت حد البسط على أرض المشروع من قبل أحد الألوية العسكرية التابعة للجنرال علي محسن الأحمر الحليف القوي للعيسي وجماعته.
ومع إعلان مجموعة شركات هائل سعيد أنعم تجميد المشروع عام 2009م بسبب الأزمة المالية العالمية ، سارع العيسي الى عقد مفاوضات مع الحكومة لتولي المشروع أواخر ذات العام ، الا أن ذلك كان مجرد مبرر للتوقيع على اتفاقية مع شركة النفط عام 2013م لتأجير خزانات عائمة للمشتقات النفطية في ميناء رأس عيسى بالحديدة بعد تكريرها في مصافي عدن لمدة خمسة وعشرين عاماً.
هذه الاتفاقية "الفضيحة" التي كشف عنها الصحفي الراحل محمد عبده العبسي تقوم بموجبها الحكومة بدفع مبلغ 31 دولار أمريكي الى العيسي كإيجار عن كل طن من المشتقات النفطية لدى الشركة سواء خُزّنت أم لا.
احتكار العيسي لتخزين المشتقات مع احتكار نقل النفط الخام ، ضاعف من حجم ثروته ونفوذه ، الذي لم يتوقف مع اندلاع الحرب عام 2015م وسيطرة مليشيات الحوثي على الحديدة وتوقف عملية نقل النفط من مأرب الى رأس عيسى ، بل ان الحرب خلقت للرجل فرص أخرى تلبي شهوته الاحتكارية.
وتجسد ذلك في منح سلطة هادي للعيسي احتكار استيراد المشتقات النفطية بسبب منحه احتكار خزن المشتقات النفطية في خزانات مصافي عدن التي تحولت الى مجرد مستودعات للرجل بعد توقفها عن العمل عام 2016م وتعمد حكومة الشرعية في عدم عودتها للعمل.
ولم يقتصر الأمر عند منح العيسي لحق الاحتكار ، بل حصل الرجل على إعفاءات كاملة من الضرائب والجمارك على كل ما يستورده من مشتقات نفطية ، كما أكد ذلك رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك في مؤتمره الصحفي الأخير في عدن والذي كشف بشكل غير مباشر عن خفايا الحرب التي يشنها العيسي ضده.
رئيس الوزراء أشار في كلامه على وجود محاولات لعرقلة عمل الحكومة من متنفذين – في إشارة للعيسي - ، مذكراً بالحملة الشرسة التي واجهها قرار الحكومة الصادر عام 2019م لتنظيم عملية استيراد المشتقات النفطية ، حيث كشف معين بان قبل صدور القانون كانت الضرائب والجمارك على المشتقات النفطية صفر في 2018، وأواخر 2019 كان الإيراد 19 ملياراً، وارتفع إلى 137 مليار ريال في عام 2020، ثم ارتفع إلى 239 مليار ريال في العام 2021م.
كما كشف معين خفايا إضافية قائلاً : "اتفاقية خزن في المصافي غير موجودة، وأن ثلاثة وزراء نفط كانون غير قادرين على تحصيلها، خزن بـ10% واحتكار في الخزن، واحتكار في المشتقات، هذه كلها أمور كانت موجودة، شيء طبيعي أن يكون لديك نفوذ على الناس وعلى الوزراء وعلى الحكومة، ثم يتقلص هذا النفوذ"، في رسالة استهزاء واضحة من قبل معين ضد العيسي.
ولم يتوقف معين عند ذلك ، بل انه أعاد التذكير بأخر تجارب العيسي الفاشلة في مجال المشتقات النفطية ، حيث أشار الى محاولة الرجل ضرب مشروع الخزن الاستراتيجي مع احد المستثمرين في النشيمة عام2021م، وكان مشروع جيد حد وصفه مع شركة النفط بنظام بي او تي قدمه وزير النفط ووافقت عليه الحكومة.
وقال معين : ليأتي بعدها احد المتنفذين – يقصد العيسي - لعمل اشغال بسيطة كميناء في قنا وتوقع عليه السلطة المحلية بشبوة بضغوط، وبعد 6 أشهر تم الغاء العقد من المحافظ السابق بعد اتضاح الحقائق، لكن بعد ان تم توقيف مشروع الخزن الاستراتيجي في النشيمة ، وتساءل معين : كيف تم البت في هذا المشروع في قنا دون عرضه على مجلس الوزراء او وزير النقل او النفط وهل سأل عليه مجلس النواب؟ .
بالتأكيد ان سرد تاريخ العيسي الأسود في الفساد والعبث لا يعني عملية تجميل للحكومة ورئيسها معين عبدالملك ، ولكنها محاولة لفضح حقيقة أهداف الرجل وجماعته "الإخوان" وحملتهم الشرسة ضد الحكومة بسبب اتفاقية الاتصالات مع الشركة الإماراتية ، وان الأمر لا علاقة له بالسيادة او احترام الدستور ، بقدر ما هو صراخ ونحيب على ضياع فرصتهم في احتكار ملف الاتصالات بعد ان انتهى عصر احتكار النفط ومشتقاته.