تحقيق يدق ناقوس الخطر .. سيطرة إصلاحية على التربية بتعز تنذر بكارثة تعليمية

الجمعه 25 يناير 2019 - الساعة 03:33 صباحاً
المصدر : صلاح الجندي – صحيفة الأيام

 


يستهدف الانقلابيون المنشآت التعليمية الحكومية في محافظة تعز بقصف عشوائي، فيما تقوم فصائل من المقاومة ووحدات عسكرية حزبية باحتلالها من جهة أخرى، وتحويلها إلى شقق لـ “التعليم الخاص” لكافة المستويات: أساسية، وثانوية، ومعاهد، بل وجامعات، تفتقر إلى أبسط الشروط والمعايير العلمية.

 

مشكلة انتشرت مؤخراً وباتت تُشكل مصدر قلقل لدى الكثيرين من المثقفين والمهتمين بمستقبل الأجيال ليس في تعز بل والبلاد عموما.

 

وكشفت مصادر قيادية مطلعة في مكتب التربية والتعليم بالمحافظة أن حزب “التجمع اليمني للإصلاح” بسط يده بشكل شبه كامل على مكتب التربية وإداراته وهيئاته المختلفة، من خلال استبدال الكادر السابق والمؤهل بآخرين ممن ينتمون للحزب ومن العناصر الجديدة وغير المؤهلة.

 

" سيطرة "

 

وأوضحت المصادر أن الحزب عمل، بعد سيطرته على 13 مقعداً من أصل 16 من المناصب القيادية في المكتب، على استحداث العديد من المدارس الجديدة، وفرض مناهج تدريسية معينة، واستبعاد الكادر الوظيفي والإداري السابق، رغم مؤهلاته، بآخرين من حملة الشهادات الثانوية العامة.

 

وتوضح نسخة من توزيع الهيكل الإداري للمكتب، سيطرة الحزب على الإدارة العامة لمكتب التربية، إضافة إلى 42 موقعاً قيادياً في شعبة التعليم بإداراتها وأقسامها المختلفة، وكذا عشرات المواقع القيادية في شعبتي التوجيه والمناهج والتدريب باستثناء رئيس ونائب شعبة التوجيه وهما ناصري ومؤتمري، إضافة إلى رئيس شعبة التدريب المنتمي للحزب الاشتراكي، كما أوضحه الهيكل الإداري.

 

تعيين حزبي واختلاس للمال

 

إلى ذلك عيّن مدير مكتب التربية مدراء لإدارات التربية لعشر مديريات ممن يتبعون حزب الإصلاح بعضها ماتزال تحت سيطرة الانقلابيين، وتخصيص لها ميزانيات تشغيلية، والمديريات العشر هي: الصلو، وسامع، وخدير، وماوية، والسلام، والرونة، ومقبنة، وصالة، والمسراخ، التعزية.

 

وتعمل إدارة المكتب، التي يسيطر عليها “الإخوان”، على “إحياء أنشطة المعاهد العلمية عبر المؤسسات والجمعيات، بالإضافة إلى إنشاء إذاعة “تعليمية” متخصصة لبث برامجها وأنشطتها، وكذا توظيف مدرسين متطوعين غير مؤهلين لتدريس بعض المواد، ضمن خطة تهدف لاختلاس الموارد المالية للمكتب، وأهداف أخرى.

 

 

وأكدت مصادر مطلعة بأن المستوى المنجز من المقررات التعليمية خلال الثلاث السنين الماضية لم تتجاوز الـ50 بالمائة من المنهج الدراسي، فضلاً عن أن الكتب المدرسية معدومة تقريباً، في الوقت الذي تُباع فيه بالأسواق.

 

 

مضايقات للكادر الأساسي

 

وسعت إدارة التربية فيما مضى إلى مضايقة الكادر المستقل، وإرغام الكثيرين منهم على الانتقال أو الصمت حيال ممارسته، وهيمنته على كافة الإدارات والجهات المعنية بعملية التقويم وإجراء الامتحانات وإصدار الوثائق المتعلقة بنتائج الطلاب، فضلاً عن احتكاره لكل ما يتعلق بـ(إدارة الامتحانات، والمطبعة السرية، والكونترول الأساسي، وأغلب أقسام الامتحانات في المديريات).

 

ووفقاً لذات المصادر فقد قامت الإدارة أيضاً “بنقل المعلمين والإداريين وتشكيل تجمعات في المدارس والمديريات بهدف تمكين أعضاء الحزب من السيطرة التامة على جميع الوحدة الإدارية والمدارس فيها، بالإضافة إلى افتتاح 8 مدارس حكومية في حي واحد وهو حي (حوض الأشراف) في مديرية صالة، مستخدمة في ذلك شققاً سكنية مستأجرة، وغير مؤهلة للعملية التعليمية، إلى جانب تسع مدارس أخرى، مع تغيير جميع مدراء المدارس من غير المنتمين للحزب، واستبدالهم بعناصر إصلاحية.

 

 

وتسعى إدارة مكتب التربية والتعليم، والتي يقف على رأسها عبد الواسع شداد، من خلال هذه الخطوات، بحسب المصادر، إلى الاستيلاء على الإدارات المدرسية وفرض عناصر الحزب كأمر واقع، والحصول على الجباية المالية من قبل أولياء الأمور أو المقدمة من المنظمات الداعمة للتعليم، إلى جانب الاستحواذ على أثاث ومقدرات وممتلكات المؤسسات التعليمية الحكومية، لاستخدامها في تأثيث وتمويل المدارس الأهلية المملوكة للحزب، منها على سبيل المثال - لا الحصر- ما حدث في مدرسة الصديق، وبعض المؤسسات التعليمية الأخرى في مديرية صالة شرق المدينة، من قبل مدير التربية فيها والحامل شهادة دبلوم معلمين وقائد في ذات الوقت للقطاع العسكري الثاني في اللواء 22 ميكا.

 

افتتاح مدارس بشقق سكنية

 

واستغربت المصادر من قيام إدارة التربية والتعليم في تعز بفتح أعداد كبير من المدارس بشقق كسنية في مناطق صغيرة، أو في أحياء خالية من السكان، لاسيما في مديرية “صالة”، وبحسب المصادر لا يزيد تعداد الطلاب في المدرسة الواحدة عن 100 طالب في أغلب الأحيان، وهو ما يضع حولها تساؤلات كثيرة.

 

وسعى حزب الإصلاح عبر إدارة المكتب الخاضع لسيطرته إلى انتهاج الفساد بطرق مخ

تلفة، وابتكار حِيل جديدة لنهب إمكانيات التعليم في المحافظة من خلال افتتاح مدارس حكومية في مبانٍ بديلة، عن طريق استئجار شقق سكنية وتأثيثها من الأثاث المتواجد بالمدرسة الأصلية بعد ترك المبنى الخاص بها مهجوراً، تمهيداً لتحويلها إلى مدرسة أهلية كما حدث لمدرسة “صلاح الدين”، والتي تحول إلى مدرسة خاصة معروفة بـ “وطن الأهلية “، وكذا مدرسة “اللقية”، حيث تم تحويل مبناها الأول إلى مدرسة “أجيال الإبداع الأهلية” بعد تأثيثها بأثاث المدرسة الأصل، والأمر الذي وصفته المصادر بـ “الفساد”، مؤكدة بأن هذا الفساد لم يكن له أن يتم لولا غياب الأجهزة الرقابية وتمكن الإصلاح من مختلف الإدارات والأجهزة الحكومية المعنية.

 

 

مخالفات للقانون

 

وأضافت المصادر بأن فساد التعيينات في قطاع التربية والتعليم بلغ حداً غير مسبوق من خلال التعيينات المخالفة للقوانين واللوائح والهيكل الإداري، عبر استحداث مواقع قيادية خارج الهيكل الإداري والمؤسسي، وتعيين المئات من العناصر المنتمية للحزب من غير المؤهلة في مواقع قيادية حساسة.

 

إضافةً إلى العبث الكبير في قطاع التوجيه، والذي وصل عدد موظفيه إلى آلاف الموجهين ممن تم تعيينهم بصورة مخالفة كلياً للنظم المعمول بها، وكثير منهم مزدوجون وظيفياً ويحملون أرقاماً عسكرياً، فضلاً عن الاختلاس ونهب للمال العام، وكذا المقدم من المنظمات الدولية لقطاع التعليم، بما في ذلك الدعم المقدم من منظمة “اليونيسف، وتسخيره لِما فيه مصلحة الحزب وكوادره.

 

 

وتظهر الوثيقة المنشورة في هذا التحقيق المبالغ التي قدمت من “اليونيسيف”، وصرفت لقيادات إصلاحية داخل مكتب التربية.

 

بيع لمنح الدعم

 

ولفت المصادر إلى أن إدارة التربية وموظفيها في قطاع التربية باعوا خلال الفترة السابقة الكتب الدراسية والمستلزمات التعليمية والألواح الخاصة بالطاقة الشمسية، والمقدمة كمنح وهبات لدعم التعليم في البلاد من المنظمات المعنية ودولة الكويت الشقيقة.

 

وكشفت ذات المصادر بأن تكلفة الدعم المقدم من دولة الكويت لكل مدرسة من مدارس المدينة للطاقة الشمسية قدّرت بـ2000 دولار، وفقاً للتكلفة المقدمة من قِبل مكتب التربية، في الوقت الذي لا تتجاوز فيه التكلفة الحقيقية للطاقة ثلث المبلغ المرفوع، علاوة عن اختلاس ميزانية المكتب، والمصارف الجانبية له، والتي كان آخرها مبلغ 5 ملايين ريال والخاص بصندوق الصحة المدرسية، وصرفها على علاج كوادر الحزب من خارج السلم التربوي، في الوقت الذي تم فيه حرمان الطلاب والمدارس من خدمات الصندوق.

 

تسريب امتحانات وبيع شهادات

 

وأوضحت المصادر عن عبث آخر تمارسه قيادة المكتب وصل لحد تسريب الامتحانات في مختلف المستويات الدراسية، وبيع الشهادات الدراسية الأساسية للطلاب المنقطعين.

 

ويشير مراقبون إلى أن خطورة هذا الفساد تكمن في حيوية القطاع التربوي والتعليمي في المحافظة، لاسيما أنها الأولى من حيث أهمية هذا القطاع فيها، إذ يبلغ التعداد الإجمالي لموظفي التربية والتعليم بتعز نحو نصف مليون من بين مدرس وإداري.

 

 

وقالت مصادر في التربية “إن عدد القوة المقيدة على المكتب بالمحافظة 472107، منهم  17513 ألفا من التربويين يستلمون مرتباتهم وهم غير متواجدين، إما لكونهم عسكريين، أو يعملون في الجمعيات الخيرية أو مغتربين أو مستشارين أو موجهين، وغالبيتهم (إصلاحيون)، كالقيادي عبده فرحان الشهير بـ “سالم”، المسؤول العسكري للحزب، وعبده حمود الصغير، ويحيى الريمي، ونبيل الكدهي، وتوفيق عبد الملك، فضلاً عن القيادات السياسية وعلى رأسهم رئيس فرع الحزب بالمحافظة عبد الحافظ الفقيه، ورئيس دائرته الإعلامية أحمد عثمان وغيرهم .

 

 إلى جانب إعادة الحزب قرابة 1400 موظف متقاعد من كوادره للخدمة مجدداً، مخالفاً بذلك القوانين واللوائح، وعلى رأسهم المدير الحالي لمكتب التربية والذي تنحصر خبرته في عمله كمسؤول للمخازن في أحد المرافق التي يهيمن عليها الحزب .

 

وبلغ أجمالي المعينين من عناصر الإصلاح، وفقا للمصادر كمدراء ووكلاء مدارس 643 مدير ووكيل مدرسة .

 

لافتة في السياق إلى أن إدارة مكتب التربية عينت خلال هذا الأسبوع فقط أكثر من 40 موجهاً مركزياً، ورفع بعدد من المدرسين لتحويلهم إلى موجهين مركزيين في مخالفة قانونية صريحة، وهو ما يعني تفريغ الميدان من المعلمين وإحلال بدلا منهم بالمتطوعين والمتطوعات من غير المؤهلين، بهدف ضمهم في الوظائف الجديدة، بالتنسيق مع مسؤولين إصلاحيين في وزارة الخدمة المدنية.

 

مدارس أهلية مخالفة للمعايير

 

وأوضحت المصادر إلى أن الحزب افتتح عن طريق مكتب التربية أكثر من 90 مدرسة أهلية في مديرية صغيرة بالمحافظة هي مديرية المظفر خلال عام واحد، وفي مديرية القاهرة 38 مدرسة أهلية وروضة بإجمالي 8807 طلاب، بعض استحدثت في فترة الحرب، وعددهن 15 مدرسة، فضلاً عن عدم استيفاء معظمها للشروط المدارس الأهلية.

 

وقال مصدر خاص في مكتب التربية بمديرية القاهرة :“نحن لا نمنح أي تصريح لأي مدرسة أهلية، وما نقوم به هو رفع التقارير إلى مكتب التربية أو مدير التعليم الأهلي متضمنة مدى موافقة المدرسة للمعايير والشروط الخاصة، غير أننا نفاجأ فيما بعد بمنح هذه المدارس تصاريح مخالفة، بل إن هناك مدراس لا نعلم بها إلا بعد استحداثها وبطريقة عشوائية وتفتقر لأدنى المعايير”.

 

ولفت في السياق إلى أن المكتب رفع تقريرا بإغلاق أربع مدارس؛ لعدم توفر الشروط فيها كتهالك المبنى، مثل مدرسة “البشائر” في حي الروضة، والتي تديرها مديرة غير مؤهلة وتحمل مؤهلا ثانويا، ولكنها لم تغلق بعد، وكذا مدارس “الجيل الصاعد، والصدارة” في مديرية القاهرة.

 

التسليم الوهمي

 

وكشف مصدر في مكتب التربية في تعز بأن عملية تسليم المنشآت التعليمية الحكومية التي تمت قِبل فترة لم تكن مكتملة، ولم يتم خلالها التسليم التام للمدارس ومقرات التربية، حيث ما تزال هناك قوات عسكرية داخل كل مدرسة ومرفق كمكتب التربية، والمعهد العالي للمعلمين، وكذا مكتب التربية بمديرية القاهرة الذي يسيطر عليه القيادي أبو الصديق.

 

وقال مصدر تربوي: “إن مدرسة الصديق في مديرية القاهرة، أصبحت بعد الإعلان عن تسليمها مدرسة متعددة الأغراض، حيث تحتضن طلاب الثانوية لمدرسة باكثير، ومطبخ للقطاع الرابع في اللواء 22 ميكا، وجزء منها خصص كسكن لأفراد القطاع”.

 

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس