المركز الأخضر يحذر من فقدان إرث طبيعي عمره أكثر من ألفا عام ويوجه نداءً عاجلاً
الاثنين 12 مايو 2025 - الساعة 07:51 مساءً
المصدر : الرصيف برس - خاص

أطلق المركز اليمني للإعلام الأخضر (YGMC) تحذيراً عاجلاً من خطر وشيك يهدد بالانهيار الكامل لما تبقى من "شجرة الغريب" المعمرة والنادرة في منطقة السمسرة بمحافظة تعز، عقب انشقاق جزئي تعرضت له صباح يوم 21 أبريل الماضي.
جاء هذا التحذير الشديد خلال مؤتمر صحفي عقده المركز، اليوم الاثنين، أمام الشجرة المهددة بالخطر في منطقة السمسرة جنوب تعز.
ويهدف المؤتمر إلى حشد جهود مجتمعية ورسمية متكاملة لتنفيذ التوصيات الحاسمة التي خلص إليها التقرير الميداني الشامل، الذي أعده فريق متخصص من المركز، بالتعاون مع شركة الياسين للتجارة، وبتنسيق مع السلطة المحلية بمديرية الشمايتين.
وكشف تقرير ميداني شامل، أعده فريق متخصص من المركز، عن الأسباب المعقدة وراء هذا الانشقاق المفاجئ، محذراً على وجه الخصوص من تسرب المياه إلى التجويف الداخلي المكشوف، مما يُسرّع من وتيرة التحلل الفطري والبكتيري، خاصة مع دخول موسم الأمطار الذي يمتد من أبريل حتى أغسطس.
وأكد التقرير أن أي رياح قوية أو زيادة في وزن الشجرة نتيجة تشبعها بالمياه قد تؤدي إلى انهيار مفاجئ وكامل للجزء المتبقي، في كارثة بيئية محتملة تتطلب تحركاً عاجلاً.
*عوامل متراكمة وراء الانشقاق*
أجرى الفريق، بقيادة الصحفي الاستقصائي معاذ المقطري، تحقيقاً ميدانياً شمل فحوصات بصرية وقياسات ميدانية ومقابلات مع شهود عيان، من بينهم حارس الشجرة علي عبده محمد، ومدير الموقع ياسر القرشي، إضافة إلى مزارعين وسكان محليين.
وخلص التقرير إلى أن الانشقاق جاء نتيجة تفاعل عدة عوامل، أبرزها وجود نقطة ضعف تاريخية في منطقة التحام جذعين رئيسيين نَمَوا منفصلين ثم التحما، ما شكّل ضعفاً هيكلياً مزمناً.
وأضاف أن الانشقاق كشف عن تجويف كبير وجدار خشبي رقيق لا يتجاوز سمكه 7 سم في بعض المواضع، مع تحلل داخلي واسع النطاق يُقدّر بنسبة 90%، مصحوب برائحة تعفن قوية يُرجّح أنها ناتجة عن تسرب المياه عبر شقوق قديمة ونمو فطري أنهك بنية الخشب.
وأردف أن التقييم الميداني أظهر وجود عدم توازن في توزيع الوزن، إذ تحمّل الجزء الشرقي المنشق كتلة فروع ضخمة، من بينها فرع بعرض 10 أمتار، مما شكّل عبئاً هائلاً على نقطة الالتحام الضعيفة.
ولفت إلى أن الأمطار الغزيرة التي سبقت الحادثة ساهمت بشكل مباشر في زيادة وزن الأغصان، وترافقت مع رياح شرقية قوية ليلة الانشقاق، ما أدى إلى تسريع عملية الانهيار.
ورغم أن التقرير يشير إلى عوامل إضافية مثل وجود النمل الأبيض، وتغيرات محتملة في منسوب المياه الجوفية، والتوسع العمراني، إلا أنه يؤكد أنها لم تكن السبب المباشر، وإن أسهمت في إضعاف الشجرة على المدى الطويل.
*خارطة طريق عاجلة لإنقاذ "حارسة الدهر"*
ووصف المركز الوضع الحالي بأنه سباق مع الزمن، مقترحاً سلسلة توصيات عاجلة لا تحتمل التأخير.
وأولى هذه التوصيات تنفيذ إجراءات علاجية فورية تشمل تنظيفاً دقيقاً للأجزاء المتحللة داخل التجويف، وتطهير المنطقة بمواد آمنة، ثم تغطية الجروح الكبيرة بمعجون متخصص، إلى جانب دراسة الحاجة لتوفير دعم هيكلي مؤقت من أجل منع أي انهيار إضافي.
كما شدد المركز على ضرورة الاستعانة العاجلة بمهندسين إنشائيين وخبراء في ميكانيكا الأشجار لتقييم مدى استقرار الجزء المتبقي من الشجرة، وتصميم حلول تدعيم دائمة عند الحاجة، بالإضافة إلى تدخل خبراء مختصين بالآفات لتحديد نوع النمل الأبيض ووضع خطة فعالة لمكافحته، وإجراء تحليل بيولوجي لتحديد طبيعة التحلل الداخلي بدقة.
ولم يغفل التقرير أهمية الرعاية المستمرة للشجيرة الفتية المجاورة للشجرة الأم، مؤكداً على أهمية وضع خطة مراقبة دورية ومتكاملة تضمن متابعتها وحمايتها.
كما دعا المركز إلى التواصل مع خبراء عالميين متخصصين في أشجار الباوباب للاستفادة من تجاربهم ومعارفهم الدولية، كما حث على إشراك المجتمع المحلي في جهود الحماية والتوعية لضمان استدامة هذا الإرث الطبيعي النادر.
*إرث فريد في مهب الخطر*
وبحسب التقرير تُعد "شجرة الغريب"، من نوع الباوباب (Adansonia digitata)، استثناءً فريداً في اليمن، وربما في شبه الجزيرة العربية وآسيا، إذ يُقدّر عمرها بأكثر من 2000 عام، وقد ورد ذكرها في كتاب "صفة جزيرة العرب" للهمداني باسم "شجرة الكلهمة" التي يستظل تحتها مئة رجل. كما وصفها الشاعر السوري الراحل سليمان العيسى بـ"حارسة الدهر"، لما تمثّله من رمز ثقافي وبيئي وتاريخي عريق، بتاج يمتد لـ86 متراً وارتفاع يناهز 32 متراً، وجذع يتجاوز محيطه 32 متراً.
ووجّه المركز نداء استغاثة عاجلاً إلى السلطات المحلية في تعز، والحكومة اليمنية، والمنظمات البيئية المحلية والدولية، والمجتمع المدني، للتحرك الفوري وتبنّي التوصيات الواردة في التقرير، مؤكداً أن كل يوم تأخير يزيد من خطر فقدان هذا الكنز الطبيعي والوطني الفريد إلى الأبد.