رهانات التعافي: قراءة في السياسات النقدية والاقتصادية لاستقرار الريال اليمني

الثلاثاء 05 أغسطس 2025 - الساعة 06:41 مساءً
المصدر : الرصيف برس - الوحدوي نت

 


شهد الاقتصاد اليمني خلال السنوات الأخيرة تدهورًا غير مسبوق، فاقمته الحرب المستمرة والانقسام النقدي بين البنك المركزي في صنعاء وعدن، ما أدى إلى بيئة مالية غير مستقرة، وارتفاع كبير في معدلات التضخم، خصوصًا في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.

 

ترافق هذا الانقسام مع اختلالات هيكلية في إدارة السياسة النقدية، ما أتاح المجال لاتساع اقتصاد الظل، وازدهار أنشطة غير قانونية مثل المضاربة بالعملة وغسل الأموال، وسط غياب رقابة مركزية فاعلة. وتُطرح في هذا السياق تساؤلات حول قدرة السياسات الحكومية الحالية على إحداث تحوّل حقيقي، ونجاعة أدواتها في ظل ما يصفه خبراء بـ"البيئة المعقدة متعددة المخاطر".

 

*إجراءات نقدية وتشريعات رقابية*

 

في يوليو 2025، بدأت الحكومة باتخاذ سلسلة من التدابير التي وصفت بـ"الإصلاحية"، بالتوازي مع تعزيز سلطة البنك المركزي في عدن، وتقييد الطباعة النقدية غير المغطاة، وتفعيل أدوات السوق المفتوحة تدريجيًا. كما شُددت الرقابة على شبكات الصرافة، وأغلقت أكثر من 40 منشأة، وفعّلت وحدة جمع المعلومات المالية للحد من عمليات غسل الأموال.

 

هذه الخطوات تزامنت مع تحسن ملحوظ في سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وهو ما اعتبره مراقبون نتيجة مباشرة لضبط سوق الصرافة، فيما يرى آخرون أن الاستقرار لا يزال هشًّا ويعتمد على متغيرات خارجية، أبرزها الدعم الإقليمي والواردات النقدية.

 

*تأثير على الأسواق والأسعار*

 

أعقبت هذه الإجراءات توجيهات حكومية بتعديل الأسعار في الأسواق المحلية بما يتواءم مع تحسن سعر العملة، وشملت هذه التوجيهات قطاعات حيوية مثل الأغذية والأدوية والوقود. ورغم إعلان بعض الكيانات التجارية الكبرى، وعلى رأسها مجموعة هائل سعيد أنعم، تخفيض أسعار عدد من المنتجات، فقد حذرت من مغبة فرض تسعيرة ارتجالية لا تراعي التكاليف الحقيقية.

 

يشير خبراء إلى أن ضبط السوق يجب أن يترافق مع سياسات واقعية ومستقرة توفر النقد الأجنبي بأسعار عادلة، بدلًا من الاعتماد على قرارات إدارية غير مدروسة قد تؤدي إلى اضطراب الإمدادات، وتعثر الشركات، وعودة الأسعار للارتفاع بشكل مفاجئ.

 

*شراكات اقتصادية وجهود دبلوماسية*

 

في جانب موازٍ، تحركت الحكومة والمجلس الرئاسي لتوسيع الشراكات الاقتصادية الدولية، بما يشمل جهودًا دبلوماسية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا، أملاً في تأمين تمويلات لدعم الموازنة واحتياطي النقد الأجنبي، وتقديم نموذج اقتصادي بديل عن "اقتصاد الحرب" القائم في مناطق سيطرة جماعة الحوثي.

 

ويُنظر إلى هذه الجهود كجزء من استراتيجية أوسع لتقليص سيطرة الحوثيين على الدورة الاقتصادية، وتحفيز التحوّل من اقتصاد الجبايات إلى اقتصاد إنتاجي يستند إلى الإيرادات الذاتية.

 

*تحديات هيكلية ومخاطر استمرارية*

 

رغم التحسن النسبي في سعر الصرف، ما تزال التحديات كبيرة أمام الحكومة، بحسب اقتصاديين، أبرزها هشاشة البنية المؤسسية، واستمرار الانكشاف الأمني، وتعطيل تصدير النفط، وتراجع الدعم الدولي، فضلًا عن الانقسام النقدي القائم. 

 

ويرى الخبراء أن استدامة التعافي تتطلب توحيد سعر الصرف بين السوق الرسمية والموازية، وإعادة تصدير النفط والغاز لضمان تدفق النقد الأجنبي، وخفض النفقات الجارية لصالح الإنفاق التنموي، وتنسيق أوسع مع المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فضلاً عن إقامة شراكات استراتيجية مع دول الخليج.

 

كما يشدد محللون على أهمية تحصين هذا المسار سياسيًا وأمنيًا، خشية من الانتكاس أو فقدان ما تحقق من مكاسب.

 

*البعد السياسي للإصلاحات الاقتصادية*

 

تتجاوز دلالات هذه السياسات بعدها المالي إلى أبعاد سياسية أكثر عمقًا، إذ تُعد، بحسب محللين، أحد أدوات "إعادة بناء الثقة" بمؤسسات الدولة في المناطق المحررة، وتقديم نموذج مغاير لما هو قائم في مناطق الحوثيين، وهو ما يعزز من موقع الحكومة على طاولة أي تسوية مستقبلية.

 

غير أن هذا الرهان يظل مشروطًا بقدرة الحكومة على حماية المكتسبات، وتوسيع قاعدة الدعم الداخلي والخارجي، وتجنب أي خطوات مرتجلة قد تقوض التعافي الهش، وتفتح الباب أمام عودة الفوضى الاقتصادية.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس