انكشاف مالي وعسكري وانسداد سياسي وذعر من الداخل .. هل تُهرب مليشيا الحوثي من أزماتها نحو الحرب؟
الثلاثاء 19 أغسطس 2025 - الساعة 11:57 مساءً
المصدر : المحرر السياسي

تصاعدت التقارير والمعلومات عن تحشيد عسكري مكثف تقوم به مليشيا الحوثي الإرهابية في عدد من الجبهات ، ما يُنذر بوجود نوايا للمليشيا لاستئناف المواجهات العسكرية المتوقفة منذ اتفاق الهدنة ابريل 2022م.
وتحدثت التقارير عن نقل المليشيا الحوثي لإفراد وعتاد تشمل أسلحة ثقيلة ومُسيرات نحو جبهاتها مع قوات الشرعية ، وخاصة في مأرب والساحل الغربي ، وهو ما أشار اليه المبعوث الأممي هانس غروندبرغ في إحاطته الأخيرة أمام جلسة مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي.
حيث تحدث المبعوث الأممي في إحاطته الى ما وصفه بالهجوم الكبير الذي شهدته جبهة العلب في محافظة صعدة أواخر الشهر الماضي وأسفر عن أعداد كبيرة من القتلى والجرحى من الجانبين ، في إشارة الى تصدي قوات الشرعية للهجوم الذي شنته مليشيا الحوثي دون أن يسمى ذلك صراحة.
الا أن المبعوث أشار في إحاطته الى قيام المليشيا الحوثية بتعزيز مواقعها، بما في ذلك حول مدينة الحديدة ، معلقاً بالقول أن "هذه التطورات مثيرة للقلق وتبرز الحاجة إلى تهدئة فعّالة وحوار أمني بين الأطراف".
ويرى مراقبون ومتابعون للشأن اليمني وجود دوافع داخلية وخارجية للمليشيا الحوثي لتفجير الحرب من جديد ، هرباً من الأزمات المركبة التي تعاني منها على مختلف المستويات ، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.
انكشاف اقتصادي ومالي
وعلى رأس هذه الدوافع ، تأتي الإجراءات الإصلاحية التي تقودها الحكومة والبنك المركزي في عدن مؤخراً والتي اثمرت تحسناً وثبات غير مسبوق لأسعار الصرف ولقيمة العملة المحلية.
هذا التحسن لم يكن الا نتاج التغيير الجذري في القطاع المصرفي بسبب تأثير التنصيف والعقوبات الامريكية على مليشيا الحوثي ، والتي أدت الى انتزاع سيطرة المليشيا على القطاع ونقلها الى يد البنك المركزي في عدن.
وهو ما يعني انتصار لقيادة البنك في المعركة التي خسرها امام مليشيا الحوثي العام الماضي بسبب الضغوط السعودية التي أجبرت الشرعية على التراجع عن قرارات البنك ، بعد تهديد المليشيا للرياض بقصف مصالحها الحيوية.
هذا التهديد لم يكن الا تعبيراً عن مدى فداحة خسارة المليشيا لسيطرتها على القطاع المصرفي والتي تحققت اليوم بعد عام كامل ، ما يعني ان المليشيا امام موقف حتمي لمواجهة ذلك ، وتجلي ذلك في التعميم الأخير الذي أصدرته للبنوك وشركات الصرافة بعدم التعامل مع لجنة الاستيراد التي يرأسها محافظ البنك احمد غالب المعبقي.
الا ان تجاهل البنوك وشركات الصرافة أكد على خسارة المليشيا لهذا الملف ، ما يجعلها امام خيار العودة للتهديد بالحرب كما فعلت العام الماضي ، خاصة في ظل الكشف عن انكشاف مالي حاد تعانيه المليشيا.
حيث نقل الصحفي فارس الحميري امس الأثنين عن مصادر مالية يمنية بأن مليشيا الحوثي فقدت مبالغ مالية كبيرة بالعملة الصعبة كانت عبارة عن ودائع ومساهمات واستثمارات في مؤسسة "القرض الحسن" التابعة لحزب الله اللبناني، والتي ضربتها إسرائيل وحظرها البنك المركزي اللبناني مؤخرا.
مؤكدة بأن المليشيا باتت تعاني حالياً من أزمة مالية حادة ومتفاقمة ضاعفت ديونها وتهدد قدرتها على تمويل الإنفاق؛ في حين تعمل الدوائر الاقتصادية والمالية للجماعة بكل الوسائل والأساليب لمواجهة "حالة الانكشاف المالي".
انكشاف عسكري
وكما تعاني المليشيا من انكشاف مالي واقتصادي ، تعاني من انكشاف عسكري في التصعيد الذي تقوم به منذ نحو سنتين في البحر الأحمر ونحو إسرائيل تحت لافتة "إسناد غزة" ، فلم تكن نتائج هذا التصعيد كما خططت لها المليشيا الحوثية ، فضرره عليها وعلى سلطتها بمناطق سيطرتها أكبر من فوائده.
فالمليشيا التي هددت طلية الأشهر الماضية بفرض حصار بحري وجوي على إسرائيل ، باتت هي اليوم من تعاني هذا الحصار، بإغلاق نوافذها الجوية والبحرية على العالم بتوقف نشاط مطار صنعاء وميناء الحديدة.
كما ان استمرار الغارات الإسرائيلية فضح أكاذيب المليشيا الحوثي بامتلاكها لمنظومات دفاع جوية ، بل ان الغارة الإسرائيلية الأخيرة على محطة حزيز في صنعاء ، مثلت فضيحة مدوية للمليشيا، بعد كشف تقارير عبرية بانه جرى تنفيذها من بوارج حربية إسرائيلية بالبحر الأحمر.
وهو ما يعد فضيحة مدوية للمليشيا التي ظلت طلية الأشهر الماضية تتفاخر بانها تمكنت من اغلاق البحر الأحمر في وجه الملاحة التجارية الإسرائيلية ، واذا بها اليوم تُقصف ببوارج حربية إسرائيلية من هذا البحر.
انسداد سياسي
والى جانب الانكشاف الاقتصادي والعسكري ، يأتي الانسداد السياسي لملف السلام في اليمن ، كواحد من أهم الأزمات التي تعاني منها مليشيا الحوثي.
فالمليشيا ظلت تروج لأتباعها ان وقفها الحرب باتفاق الهدنة الأممية في ابريل 2022م لم يكن الا "انتصاراً على العدوان" وانه ذلك كان نتائج أولي لمفاوضات سرية مع الرياض بوساطة عُمانية ، اثمرت في النهاية بما تُعرف بخارطة الطريق.
خارطة الطريق التي رأت فيها المليشيا اشبه بجائزة ترضية على فشلها العسكري في الوصول الى منابع النفط والغاز في مأرب وشبوة عام 2020م ، خسرتها المليشيا الحوثي بسبب التصعيد الذي اشعلته في البحر الأحمر.
تصعيد قلب موازين المشهد السياسي في اليمن بانقلاب الموقف الدولي وتحديداً الغربي بشكل تام ، من موقف التواطؤ الخفي لصالح مليشيا الحوثي ضد الشرعية والتحالف ، الى عداء واضح ورغبة في انهاء تهديدها على الملاحة الدولية.
وكانت أولى ثمار هذا التغيير بالموقف الدولي، الفيتو الغربي وتحديداً الأمريكي الذي أوقف تماماً مسار السلام في اليمن وربطه بالتصعيد في البحر الأحمر ، وتقليم اظافر المليشيا الحوثية التي باتت بنظر الغرب تهديداً حقيقاً ليس للملاحة الدولية فقط بل ولأمن المنطقة.
رعب الداخل
مشهد الأزمات المركبة التي تعاني منها مليشيا الحوثي ، ولدت لديها حالة من الرعب والذعر من انعكاس ذلك على قبضتها في مناطق سيطرتها ، والخشية من أي تحرك شعبي ضدها.
فاستمرار توقف الحرب ينزع من المليشيا الحوثي ذرائعها لاستمرار تجاهلها في تقديم التزاماتها الى المجتمع بمناطق سيطرتها بصفتها سلطة أمر واقع ، وعلى رأس هذه الالتزامات الرواتب والخدمات ، تحت مبرر الحرب او ما تُسميه بالعدوان.
وقد عايشت المليشيا ذلك عقب الهدنة ، الا أن وجدت مبرراً جديداً لتمرير الوقت عبر الحديث عن خارطة الطريق وانها تضمن للمليشيا التزام الرياض بتسليم المرتبات وإعادة الاعمار ، ومع استمرار تجميد الخارطة ، يسقط هذا المبرر من يد المليشيا.
عوامل عديدة وأزمات مركبة تعاني منها المليشيا الحوثي اليوم ، تضيق عليها خيارات التعامل معها وتضعها امام خيار وحيد ، وهو الهروب نحو الحرب ، خاصة مع وجود مؤشرات بتوجيه إيراني لدفع ما تبقى من أوراقه بالمنطقة وعلى رأسها المليشيا للتصعيد ، في مواجهة الضغوط الامريكية والأوروبية لحسم ملفها النووي عبر المفاوضات او مواجهة عودة الخيار العسكري.