حزب الإصلاح .. تاريخ مثقل بالعار والدماء والتناقضات

الخميس 12 سبتمبر 2024 - الساعة 06:49 مساءً

 

حزب الإصلاح اليمني (الأخوان المسلمين فرع اليمن)، الذي يُعد أحد أكثر الأحزاب والجماعات وبالا على اليمن واليمنيين، ومثقل بتاريخ طويل مليئ بالدماء وبالتناقضات التي تعكس انحيازه المستمر لمصالحه الشخصية على حساب المبادئ الوطنية والقيم الإنسانية والجمهورية، بل ويعد أحد أسباب تخلف اليمن ثقافيا وحضاريا وفنيا وفي مختلف الجوانب. منذ تأسيسه في أوائل الثمانينيات وحتى اليوم، يظهر الحزب قدرته على التلون وفق الظروف السياسية المتغيرة، سواءً كان ذلك في سياق التحالفات أو العداوات، مما يثير العديد من التساؤلات حول مدى مصداقية شعاراته الوطنية والإسلامية.

 

في بداية تشكل جماعة الأخوان المسلمين في اليمن، وقفت قيادات الجماعة ضد الجمهورية اليمنية وطالبوا بتسميتها الجمهورية الإسلامية ولاتزال خطب ومقابلات عبدالمجيد الزنداني شاهدة على ذلك إذ وصف الضباط الأحرار الذين كانوا يديرون الجمهورية العربية اليمنية بعد الثورة أنهم لايحكمون بشرع الله، وهو ما قاد إلى تحالفهم مع الملكيين وإعادتهم إلى مفاصل الدولة وتنفيذ إنقلاب 5 نوفمبر 1967م الذي أتى بالنعمان وهو من مؤسسي جماعة الأخوان إلى مجلس الرئاسة، ولايزال مؤسسيه يعتبرون ثورة 26سبتمبر ثورة غير إسلامية ويضعونها تحت أقدامهم كما يقول عبدالله أحمد العديني أحد مؤسسي جماعة الأخوان وعضو مجلس النواب بإسم حزب الإصلاح وعضو شورى الحزب.

 

تنفس قيادات الأخوان الصعداء بعد إغتيال الرئيس الحمدي الذي أعاد للجمهورية وهجها، ثم تحالفوا مع علي عبدالله صالح (عفاش) منذ بداية تسلمه السلطة في اليمن وأصبحوا يده الطولى التي يبطش بها معارضيه واندفعوا في مقدمة الصفوف لقتل أبناء المناطق الوسطى الذين كانوا يسعون إلى تحقيق التغيير السياسي والعدالة الإجتماعية والإنتصار لقيم الجمهورية حتى أنهم أحرقوا منازل بساكنيها من النساء والأطفال، كما أنهم شاركوا في قمع حركة التصحيح التي قام بها قيادات من التنظيم الناصري الذين كانوا يسعون إلى إعادة السلطة للقوى التقدمية لتسير على النهج الذي اختطه الضباط الأحرار وأعاده للواجه الرئيس الحمدي.

 

ومنذ ذلك الحين مكنهم علي صالح من التحكم بالخطاب الديني في البلاد وهو ماشكل إنتكاسة فكرية وثقافية على مستوى المحافظات الشمالية بالكامل بعدما كان اليمن يعيش فترة غليان ثقافي وتقدمي قاد إلى تحقيق ثورة 26 سبتمبر ، وافتتح لهم المعاهد العلمية والتي كانت بؤر لتخريج المتطرفين وتعميق الجهل والتخلف والأفكار الجهادية المتطرفة.

 

في العام 90م عام تحقيق الوحدة أمر علي عبدالله صالح الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لتشكيل حزب الإصلاح للتملص من إلتزامات الوحدة كما ذكر الشيخ عبدالله في مذكراته، حيث كان الإصلاح قبل ذلك عبارة عن تنظيم سري بإسم الأخوان المسلمين يعملون كقتلة مأجورين مع الحاكم. 

 

وفي العام 94م استخدمهم علي عبدالله صالح للتحشيد ضد الوحدة وغزو الجنوب بإسم الحفاظ على الدين وبدعوى أن الجنوبيين كفار وماركسيين، وعين عبدالمجيد الزنداني رئيس لجنة التحشيد الشعبي وجاب قادة الإصلاحيين المساجد داعيين لتحشيد الناس للجهاد مباركين خطوات علي عبدالله صالح بسفك دماء قادة الحزب الإشتراكي واعضاءه وكل أبناء الجنوب بدعوى الكفر وإدخالهم للدين الإسلامي، بناء على إتفاق على الشراكة في الحكم بعد الإنتصار على الجنوب، وهو ما تم بعد هزيمة الجنوب تشارك المؤتمر والإصلاح في السلطة في مجلس الرئاسة أصبح الزنداني عضوا وتشاركوا الحقائب الوزارية مناصفة حتى العام 97م عندما تأكد صالح من قمع الحزب الإشتراكي وتكفير كل من يعلن انتماءه للحزب، حين تأكد من ذلك فض شراكته مع الإصلاح ورمى بهم إلى الشارع.

 

وجد الإصلاح نفسه وحيدا في الشارع يحمل عار تلونه وتناقضه السياسي، إذا وقف ضد القوى التقدمية واليسارية وقدم لعلي صالح رقابهم وكل ما يحلم به ثم تخلى عنهم(أي الأصلاحيين) بلمحة عين، ولكون أحزاب اليسار قوى وطنية أحتضنت الإصلاح وشكلوا مايسمى باللقاء المشترك وهو ماوجده الإصلاح كملجأ وحيد بعد تخلي علي صالح عنهم، بالرغم من معارضة بعض مايسمون بالعلماء كيف نتحالف مع من قتلناهم وقتالناهم لكن الحفاظ على البقاء كان كل مايشغل تفكيرهم انذاك.

 

وانتقاما من علي صالح وقف الإصلاح مع الحوثيين في حروبهم ضد الدولة وباركوا نضالهم في بيان أصدروه انذاك ونددوا بإستخدام نظام علي صالح للقوة ضد جماعة لديها مطالب ومظالم، ثم في العام 2011م أجتمع الإًصلاح مع الحوثيين في الساحات بل أنهم اقتسموا الساحات ومهام تأمينها واعتبروهم شركاء في التغيير السياسي، بل أن خططوا معا لإغتيال علي عبدالله صالح ومعاونية في حادثة جامع النهدين الشهيرة، ثم أنقلب على الحوثيين في العام 2014م بعدما أدرك أن الحوثييون قادمون بقوة ويستولون على المناطق الجفرافية والعسكرية التي كان يسيطر عليها في عمران والجوف وصنعاء.

 

بعد تدخل عاصفة الحزم: تناقضات جديدة

 

ومع دخول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات إلى اليمن، تغيّر موقف الإصلاح مجددًا. في البداية، رفع شعارات مثل "شكراً سلمان" و"إمارات الخير"، مؤيدًا بقوة التدخل العسكري للتحالف. لكن مع مرور الوقت وتقلص نفوذ الحزب في السلطة ودخول لاعبين جدد كالإنتقالي وحصوله على حصص وحقائب وزارية على حساب حصة الإًصلاح، بدأت تتصاعد أصوات داخل حزب الإصلاح ضد هذه الدول، متهمة إياها بالسعي إلى تحقيق مصالحها الخاصة على حساب اليمن، وهو بهذا يثبت أن ولاءه لمكاسبة فقط.

 

اليوم: أين الإصلاح من صنعاء؟

 

وفي حين أن العاصمة صنعاء تعاني تحت حكم الحوثيين، يلتزم أعضاء وقيادات حزب الإصلاح المتواجدون في صنعاء الصمت. الحزب الذي أخرج مليون متظاهر في 2011 يدعو إلى الثورة، يقف الآن بلا حراك، تاركًا صنعاء تغرق في الظلام والدمار. هذا الصمت يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة "الثورة" التي يدّعي الإصلاح تبنيها، وهل كانت فعلًا ثورة من أجل الشعب والوطن، أم أنها كانت مجرد وسيلة لتحقيق مصالح ضيقة؟

 

الإصلاح في مأرب وتعز

 

إنحسرت فاعلية حزب الإصلاح بعد إتفاق الرياض بشكل كبير، حيث كان يتحكم بالحكومة الشرعية كلها تقريبا منذ العام 2015م إلا نزرا يسيرا من الأشخاص المحسوبين على أحزاب أخرى لكنهم في الأخير لايصلون للمناصب إلا بموافقة الإصلاح عليهم، ولم يتبقى لدى الإصلاح إلا مدريتين في مأرب وعدد من المديريات في تعز بما فيها جزء من مدينة تعز. وبالرغم من ذلك إلا انه يحكم هذه المديريات بالحديد والنار حيث يقمع كل صوت معارض ويرزح فيه سجونه الألاف وهناك عدد من المخفيين قسريا، وسجون سرية، وعصابات تابعة له تقتل وتهتك الأعراض بدون حسيب أو رقيب ولايمكن ضبطهم.

 

حزب المؤتمر والإصلاح: شركاء في إسقاط الوطن

 

وفي هذا السياق، لا يمكن الحديث عن حزب الإصلاح دون الإشارة إلى دوره في التحالف مع حزب المؤتمر بقيادة علي عبدالله صالح. الحزب الذي كان ينتقد المؤتمر لعقود، وجد نفسه حليفًا له في أوقات عديدة، مما أدى إلى تفاقم الوضع السياسي والاقتصادي في اليمن وأدى إلى إنهيار حلم الدولة المدنية المأمولة. ومثلما أساء المؤتمر استخدام السلطة، كان الإصلاح شريكًا في إسقاط الوطن عبر تحالفاته المتناقضة وتلوّنه السياسي المستمر الذي يسعى فيه إلى كسب المصالح الآنية على حساب المواطن والقيم الجمهورية.

 

إن تاريخ حزب الإصلاح يعكس بوضوح كيف أن المصالح الشخصية والسياسية تفوقت على المبادئ الوطنية والدينية. من تحالفاته المتقلبة مع عفاش، إلى استغلاله الدين في حرب 1994، إلى تحالفه مع الحوثيين ثم انقلابه ضدهم، يظهر الإصلاح كحزب سياسي يتلون مع الظروف لتحقيق مصالحه. لكن السؤال الذي يبقى مطروحًا: هل سيستمر الإصلاح في هذا النهج، أم أن اللحظة القادمة ستشهد أفول هذا الكيان المسخ الذي دمر كل حلم وأمل يرفعه الشعب

 

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس