التوجيه المعنوي لمحور تعز.. منهج فكري في سبيل تفخيخ العقول (الحلقة الثانية)
الجمعه 24 يناير 2020 - الساعة 06:21 مساءً
المصدر : متابعات
يستعرض الكتاب الصَّادر عن شعبة التوجيه المعنوي بمحور تعز والمعنون بـ”الإعداد الفكري للمقاتلين للعام التدريبي 2018” ما يقول إنها ”القيادة والجندية مواصفات وواجبات”.. وعلى الرغم من أنَّ الكتاب تم إعداده للتوجيه المعنوي لجيش نظامي في القرن الواحد والعشرين وفي زمن الأكاديميات العسكرية المتخصِّصة، إلا أنَّ الكتاب تم إعداده بعقلية راديكالية وتقليدية متحجِّرة، فيحصر الكتاب -كما ورد في صفحة 24- مواصفات القائد في ”العدالة ولين الجانب، والقدوة الحسنة، والكفاءة في الرأي، والكفاءة والخبرة في أمور الحرب، والمعرفة، وهدوء الأعصاب”، حيث اكتفى الكتاب بسرد آية قرآنية بعد كل بند من هذه البنود لشرحها وتفسيرها.
كما يتحدث الكتاب في صفحتي 25 و26 عن مهام القائد مستخدماً مصطلح ”الجُند” بدلاً من ”الجنود أو الأفراد”، ومن ضمن واجبات القائد التي حدَّدها الكتاب ”تأمين حاجات الجند، والعمل بالشورى، وتعاهد الجيش بالموعظة والتذكير”.. وفي البند الذي تحدث عن تأمين حاجات الجند، ذكر الكتاب ما نصه أنَّ ”مصادر التمويل لجيش المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وزمن بعده: مصادر ذاتية من قيادات وأفراد الجيش، مصادر من التبرعات التي يجود بها أغنياء المسلمين، مصادر الغنائم، ومصادر الزكاة”.
والمتتبع لنص ما أورده الكتاب حول تأمين حاجات الجند، يدرك بثقة أنَّ الكتاب يتعامل مع أفراد ميليشيات مسلحة لا جيشاً نظامياً يتبع دولة تقوم بتوفير احتياجات الجيش عبر موازنة محدَّدة تتكفل برواتب الأفراد والتسليح والتغذية وكافة الاحتياجات الأخرى، والغريب أنَّ الكتاب يتحدث عن تبرعات من أغنياء المسلمين، وهو ما يفسِّر فتح باب الارتزاق والعمالة لدى محور تعز اليوم، والذي تتلقى قياداته دعماً خارجياً من قطر وتركيا وشخصيات تابعة لتنظيمات دولية مقابل تنفيذ أجندة محددة مقابل هذا الدعم.
كما أنَّ الحديث عن زكاة المسلمين باعتبارها مورداً من موارد توفير الاحتياجات، قد جعل أفراد الجيش وقياداته يمارسون سلوك الميليشيا في أخذ إتاوات من المحلات والأفراد خارج إطار القانون، وينصبون أنفسهم مكان سلطة الدولة، وهو ما جعل حزب الإصلاح المسيطر على الجيش في تعز يقدم نفسه كسلطة أمر واقع متمردة على الدولة، والجيش التابع لسلطته يتلقى تعليماته من قيادة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.
كما أنّ الحديث عن الغنائم باعتبارها مصدراً من مصادر توفير حاجات الجند، يفسر حالات النهب اللا محدود التي تعرضت لها الأسلحة من جبهات تعز، وتلك التي قدمها التحالف العربي في معارك التحرير وقام حزب الإصلاح بنهبها وتخزينها في مخازن خاصة واستخدامها في معاركه الجانبية، كما يفسر ذلك حالات الثراء التي تعيشها قيادات الجيش في تعز، والتي باعت الأسلحة لمصالحها الشخصية، بينما المتعارف عليها أنَّ أي جيش يغنم أسلحة يقوم بتسليمها للدولة باعتبارها صاحبة السلطة العليا وصاحبة الاختصاص الوحيد بحق التصرف بهذه الغنائم.
ويستخدم الكتاب في سياق الحديث عن مهام القائد مصطلح “أمير” الذي يستخدمه داعش والقاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى، فقد تحدث الكتاب في صفحة 26 أنّ من مهام القائد ”تعاهد الجيش بالموعظة والتذكير”، واستدل على ذلك بحديث من صحيح مسلم أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: ”ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل الجنة معهم”، كما ذكر حديثاً آخر في صفحة 27 للاستدلال على ضرورة تعيين أمير، حيث ذكر الكتاب حديثاً نصه: ”قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم”.
كما يؤسس الكتاب لمفاهيم الولاء والبراء والسمع والطاعة، وهي مفاهيم رئيسية في منهج جماعة الإخوان المسلمين، ففي صفحتي 26 و27 يتحدث الكتاب عن ”واجبات الجندي تجاه قيادته” والتي حددها في ”الطاعة وإقامة شريعة الله، والثقة بالقيادة وتفويض الأمر إليها، وعدم الإقدام على أمر إلا بعد إذن القيادة، والتزام الأدب مع القائد” مستدلاً على ذلك بآيات وأحاديث نبوية لا تزال تمجد ”الأمير”، مثل حديث من صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ”من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقد عصاني”.
كذلك فالكتاب حدد في صفحة 20 أنه مِن ضِمن ”الخطوط العامة لأسس إعداد المقاتل في الإسلام” ما قال إنه ”تربيته على الطاعة والانضباط والتنفيذ ضمن حدود الحق” وحدد هذه الطاعة بأنها ”الطاعة في السر والعلن” مستدلاً بحديث نصه ”بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمكره والمنشط..“، ومن خلال نصوص ومصطلحات الكتاب يظهر جلياً أنه يهدف إلى بناء مقاتل إسلامي.
فالتربية على الطاعة العمياء صفة مشتركة بين الجماعات المتطرفة منذ نشأتها وفي مختلف مراحل التاريخ، فلا معنى لدى هذه الجماعات لحرية الرأي ولا وجود للعقل المستقل الذي يفكر، حيث إنّ من المناقشة يعد كفراً ورِدةً، ومبدأ ”الطاعة العمياء” في كل الظروف، ظهر جلياً في فكر جماعة الإخوان المسلمين وتحديداً في رسائل وكتب مؤسس الجماعة حسن البنا، وكتب مصطفى مشهور الذي يعد من القيادات التاريخية البارزة للجماعة، كما أن السير على منهج ودرب القيادة هو من الأساسيات الفكرية المشتركة بين الجماعات الإرهابية والتكفيرية والمتطرفة.
والملاحظ أنَّ الكتاب في الوقت الذي يفترض أنه يعتمد على ”التربية العسكرية” فإنه يعتمد على منهج ”التربية التنظيمية” التي تلتزم بها التنظيمات والجماعات الدينية، والتي تلتزم بمنهج السمع والطاعة كواجب ديني، فالكتاب يتكلم عن ”أمير” للجماعة، ولا يتحدث عن ”قائد للجيش”، ولا يتحدث عن قوانين وعقوبات عسكرية، لأنَّ العقاب بلا شك هو عقاب في الآخرة، ولذا فإنّ الجيش الذي تم بناؤه في تعز بات اليوم يأتمر بأوامر ”الأمير” وهو المعين من قبل الجماعة، حيث باتت ألوية تعز تنقاد لتوجيهات الأمير وهو الحاكم العسكري لتعز عبده فرحان المعروف بـ”سالم”.
يمضي الكتاب لسرد تعاليمه ومنهجه في إعداد الجند، فيناقش ”أسباب النصر والهزيمة” من منطلق ديني بحت، مبتعداً عن المفاهيم المدنية المتوافقة مع العقل البشري، وهو إذ يخاطب أفراد جيش نظامي فإنه ينهج منهجاً متطرفاً من خلال مناقشة المفاهيم من منظور ديني، فهو بذلك لا يدعو إلى استعادة الدولة وبناء الدولة المدنية الحديثة التي توافق عليها اليمنيون، بل يدعو ضمناً إلى ”بناء الدولة الإسلامية” ويبلغ ذروة تطرفه إلى الحديث عن مفهوم النصر والهزيمة من منظور ”إسلامي”، ليكون هناك نصرٌ إسلاميٌ وهزيمة إسلامية.
في الحديث عن ”مفهوم النصر” يسرد الكتاب في صفحة 28 النص الآتي ”لقد التبس على المسلمين والمتحمسين منهم مفهوم النصر فأدى إلى اختلافهم في الأحكام والمواقف، فالبعض يظن أن النصر هو تحقيق الأهداف الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية، وهذا قاصر لتقيده في الحسابات المادية البحتة”. ويضيف الكتاب ”ومنهم من توهم أن النصر هبة إلهية يمنُّ الله بها على من يشاء بلا استحقاق أو استعداد، وهذا خاطئ لأنه لم يراع سنن الله” ويعقب الكتاب ”ولكن في إطار الصراع بين المؤمنين وأعدائهم قد يستفحل الجور وينتصر الظلم ويظهر البغي، وهنا يكون السؤال: أين نصر الله”.
ويقسم الكتاب مفهوم النصر إما ”مبدئي أو واقعي” ويفسر ذلك بأن ”النصر المبدئي حين يكون المسلم قائماً بأمر الله، لا من القاعدين”، وأما ”النصر الواقعي فيكون حين يحقق في الواقع مكسباً سعى إليه في سبيل الله أو نال هدفاً من أجله”.
ويواصل الكتاب حديثه عن النصر، حيث يحصر ”شروط النصر” كما ورد في صفحة 29 بشرطين هما: ”الإيمان، والإعداد”، مؤكداً أن ”الإيمان يحمل صاحبه على طاعة الله والعمل الصالح”. ويضيف الكتاب في حديثه عن الإعداد فيقول بالنص ”وليس معنى الإعداد أن تكافئ العدو، ولكن تعد المتاح وهو وحده ينجز وعده”.
وبلاشك فهذا المنطق هو منطق القدريين الذين قاموا بتعطيل العقل، وهذا المنطق هو نفس المنطق الذي تحدث به الأفغان العرب حين سردوا ما ابتدعوه من الحكايات والخزعبلات والهلوسات التي لا توافق عقلاً ولا منطقاً، فكانوا يقولون إنّ ”المجاهد في أفغانستان كان يأخذ من الأرض حفنة من التراب فيرميها على الدبابة السوفييتية فتنفجر بمن فيها”.
نعيش اليوم في القرن الواحد والعشرين وفي زمن الصواريخ العابرة للقارات ويتم توعية الجندي اليمني أنَّ أسباب النصر هو الإيمان والإعداد، وبعد ذلك لنا نحن الذين لا علاقة بهذا الجيش أن نتساءل: ما الحاجة وقد توافرت أسباب النصر بهذه السهولة أن نتحدث عن تسليح الجيوش وبناء الكليات الحربية وفتح معسكرات التدريب وغيره، ولنا أن نتساءل، أيضاً، طالما هذه هي أسباب النصر -وبلا شك فإنَّ جيشنا لا يفتقد الإيمان- فلماذا، إذاً، تطالب قيادتنا العسكرية بين الفينة والأخرى بمليارات الريالات لاستكمال تحرير مدينة صغيرة مثل تعز عجز جيشنا المؤمن جداً عن تحريرها منذ ما يقرب خمس سنوات.