تعليم الأمن السيبراني في المدارس: ضرورة رقمية لحماية الأجيال واستثمار في المستقبل

الجمعه 24 يناير 2025 - الساعة 09:57 مساءً

 

مليارات الأشخاص يستخدمون الإنترنت بشكل يومي للتصفح والعمل والتواصل والألعاب، ويتزايد عدد الأجهزة الذكية المتصلة بالإنترنت بشكل مضطرد، وأصبح مجرمو الإنترنت (الهاكرز) أكثر تطورا في الاستفادة من هذه الشبكة ونموها الواسع كما أن ظهور وانتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي مكنت الكثيرين من تطوير مهاراتهم في عمليات الاختراق. وحسب تقرير لشركة (IBM) أن معدل التكلفة العالمية لعمليات الاختراق في العام 2024م زادت بنسبة 10% عن العام الماضي، وهو الأمر الذي يستدعي رفع مستوى التأهب لصد هذه المخاطر وفي الوقت نفسه رفع مستوى الوعي لدى الأفراد.

 

أن تزايد الجرائم الإلكترونية يجعل من الضروري تعلم الأمن السيبراني منذ سن مبكرة. فالطلاب يستخدمون الإنترنت في المدرسة والمنزل، مما يعرضهم لمخاطر متعددة، خاصة أنهم يفتقرون إلى الخبرة الكافية لحماية أنفسهم، فمعرفة الطلاب في المدارس بأساسيات الأمن السيبراني ستمكنهم من حماية شبكة المدرسة وشبكة المنزل، كما أنه سيفيدهم في وظائفهم المستقبلية حيث أصبح الأمن السيبراني مسارا دراسيا ووظيفيا ومن أكثر الإختصاصات المطلوبة في العصر الرقمي. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يسهم الأمن السيبراني في حماية الطلاب من التنمر الإلكتروني، ويشجعهم على الإبلاغ عن الجرائم السيبرانية، كما يساعدهم على تجنب الوقوع ضحايا للابتزاز أو التحرش عبر الإنترنت.

 

تشير تقارير حديثة إلى زيادة ملحوظة في الجرائم الإلكترونية التي تستهدف الأطفال. فعلى سبيل المثال، أفادت الشرطة الفيدرالية الأسترالية (AFP) والمركز الأسترالي لمكافحة استغلال الأطفال (ACCCE) بارتفاع بنسبة 45% في حالات استغلال الأطفال عبر الإنترنت خلال العام الماضي، مع تسجيل أكثر من 58,000 بلاغ، أي ما يعادل 160 بلاغًا يوميًا. 

 

استجابةً لهذه التهديدات المتزايدة، قامت دول مثل قطر بإدراج الأمن السيبراني في مناهجها التعليمية. فقد أطلقت مؤسسة قطر مبادرة "راسخ" بالتعاون مع الوكالة الوطنية للأمن السيبراني، بهدف توطين المناهج الدراسية وإثراء المعرفة المحلية بمواد تعليمية قيّمة في مجال الأمن السيبراني. تُظهر هذه الجهود أهمية تعزيز وعي الطلاب بالمخاطر الرقمية وتزويدهم بالمعرفة اللازمة لحماية أنفسهم في العالم الرقمي المتطور.

 

لا يقتصر دور التعليم السيبراني على الحماية الشخصية فقط، بل يمتد إلى بناء جيل واعٍ وقادر على مواجهة التهديدات السيبرانية المتزايدة، والتي لا تستهدف الشركات الكبرى فحسب، بل تشمل أيضًا الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي غالبًا ما تكون غير مستعدة ماليًا للتعامل مع تداعيات هجوم إلكتروني كبير. ومع تزايد عدد الهجمات الإلكترونية ونقص المتخصصين في هذا المجال، يصبح من الضروري دمج مناهج الأمن السيبراني في المراحل التعليمية المبكرة، بحيث يتم تعليم الطلاب كيفية إنشاء كلمات مرور قوية، والتعرف على محاولات التصيد الاحتيالي، وفهم مخاطر مشاركة المعلومات الشخصية عبر الإنترنت. فرفع مستوى الوعي بين الطلاب وتعريفهم بأساسيات الحماية الرقمية لا يسهم فقط في تأمين الأفراد والمؤسسات، بل يساعد أيضًا في سد الفجوة المتزايدة في سوق العمل، مما يتيح لهم فرصًا مهنية واعدة في أحد أكثر المجالات طلبًا في العصر الرقمي.

 

ينبغي أن تلعب المدارس دورًا رئيسيًا في تعزيز الثقافة السيبرانية لدى الطلاب، وذلك من خلال توفير برامج تدريبية تفاعلية تحاكي سيناريوهات الهجمات الإلكترونية، مما يمكنهم من التعامل مع هذه المخاطر بفعالية. ولا يقتصر تأثير هذا التعليم على الطلاب أنفسهم فحسب، بل يمتد ليشمل أسرهم ودوائرهم الشخصية. فعندما يصبح الطلاب على دراية بالأمن السيبراني، يمكنهم مشاركة هذه المعلومات مع أفراد أسرهم وأصدقائهم وجيرانهم، مما يسهم في رفع مستوى الوعي حول ضرورة توخي الحذر على شبكة الإنترنت. وهذا بدوره يساعد في حماية الشبكات المنزلية من الاختراقات، خاصة وأن الأجيال الأكبر سنًا قد تفتقر إلى المعرفة الكافية بالأمن السيبراني، مما يجعل وجود فرد أصغر سنًا في الأسرة ملم بهذه المفاهيم ميزة إضافية. فالفضاء السيبراني الآمن هو جهد مشترك يتطلب مشاركة الجميع في نشر الوعي واتخاذ التدابير الوقائية اللازمة.

 

إن نشر الوعي بالأمن السيبراني بين الطلاب لا يعد مجرد ضرورة فحسب، بل هو استثمار حقيقي في المستقبل. فكلما زاد فهم الأفراد لمخاطر الإنترنت، أصبحوا أكثر قدرة على حماية بياناتهم الشخصية ومؤسساتهم من التهديدات السيبرانية. لذا، يتحمل الجميع - من طلاب وأولياء أمور ومعلمين ووزارة التعليم والحكومة- التعاون لنشر ثقافة الأمن السيبراني، وضمان بيئة رقمية آمنة للجميع.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس