الشرعية بين رخاوة الموقف واستقواء الحوثيين بدعم خارجي
الاربعاء 29 يناير 2025 - الساعة 07:21 مساءً
د . نادين الماوري
مقالات للكاتب
في 22 يناير 2025، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، في خطوة كان من المفترض أن تُحدث تغييرًا في تعامل الشرعية والمجتمع الدولي مع الجماعة. لكن بدلًا من استثمار القرار لتعزيز الموقف اليمني، بدت الشرعية مرتبكة ومترددة، فيما استمر الحوثيون في التحرك بثقة، مستندين إلى شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية، على رأسها الدعم العماني المستمر لهم، رغم تصنيفهم كإرهابيين.
1. تصريحات مصطفى النعمان: تبرير غير مبرر
في توقيت حساس، خرج مصطفى النعمان، نائب وزير الخارجية، لينفي ارتباط الحوثيين بإيران، في تصريح أثار استغراب الكثيرين، خاصة مع وجود أدلة دامغة على الدعم العسكري واللوجستي الإيراني للحوثيين. هذا الخطاب لم يكن مجرد زلة دبلوماسية، بل يعكس حالة التراخي والازدواجية التي تعاني منها الشرعية، حيث يقدم بعض مسؤوليها مواقف ضبابية تُضعف المعركة السياسية ضد الحوثيين بدلًا من تعزيزها.
2. تصريحات شايع الزنداني: غياب الرؤية الحاسمة
على نفس الخط، جاءت تصريحات الدكتور شايع الزنداني، التي عكست غياب رؤية واضحة لمواجهة الحوثيين سياسيًا، إذ لم تكن هناك دعوة صريحة لاستثمار القرار الأمريكي بفرض مزيد من العزلة على الجماعة. هذا الخطاب المتردد يعكس مدى التباين داخل الشرعية، حيث يتحدث بعض مسؤوليها وكأنهم وسطاء محايدون وليسوا طرفًا في معركة استعادة الدولة.
3. لقاء المبعوث الأممي بمحمد عبدالسلام: شرعنة الميليشيا رغم التصنيف
في الوقت الذي يفترض أن يؤدي القرار الأمريكي إلى تضييق الخناق على الحوثيين، جاء لقاء المبعوث الأممي مع المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبدالسلام، ليبعث برسالة معاكسة تمامًا. هذا اللقاء يعكس التناقض في مواقف المجتمع الدولي، الذي يصنف الحوثيين كإرهابيين من جهة، لكنه يستمر في التعامل معهم كطرف سياسي شرعي من جهة أخرى.
4. الدور العماني: دعم مستمر رغم التصنيف
ورغم القرار الأمريكي، لا تزال سلطنة عمان تلعب دور الداعم الإقليمي الرئيسي للحوثيين، سواء من خلال توفير ملاذ آمن لقياداتهم، أو عبر تسهيل تحركاتهم الدبلوماسية، كما هو الحال مع اللقاءات المستمرة بين المسؤولين الحوثيين والمبعوثين الدوليين على الأراضي العمانية. هذا الدعم يثير تساؤلات حول مدى جدية الجهود الدولية في محاصرة الحوثيين، إذا كانت دولة إقليمية مثل عمان لا تزال توفر لهم الغطاء السياسي والدبلوماسي
ويتضح أن عُمان تلعب دورًا مزدوجًا، فمن جهة تقدم نفسها كوسيط سلام، ومن جهة أخرى تستمر في تقديم الدعم السياسي واللوجستي للحوثيين، مما يساعدهم على تجاوز العقوبات الدولية وإعادة ترتيب صفوفهم لمواصلة التصعيد العسكري، خاصة في مأرب، التي تمثل هدفًا استراتيجيًا لهم
5. غياب القرار الصارم: لماذا تفشل الشرعية في استغلال الفرص؟
بعد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، كان المتوقع أن تتحرك الشرعية بشكل أكثر حزمًا عبر:
• مطالبة المجتمع الدولي بوقف أي تعامل مباشر مع الحوثيين.
• الضغط على الأمم المتحدة لوقف اللقاءات معهم، خاصة بعد تصنيفهم كجماعة إرهابية.
• تنسيق الموقف السياسي والإعلامي بحيث يكون خطاب الشرعية موحدًا وقويًا.
لكن ما حدث هو العكس، إذ ظهر بعض مسؤولي الشرعية بتصريحات متناقضة، بينما استمر الحوثيون في استغلال الضعف السياسي لتحقيق مكاسب إضافية.
شرعية بلا قرار، وعدو بلا قيود
اليوم، تقف الشرعية أمام اختبار مصيري: إما أن تثبت أنها قادرة على استعادة زمام المبادرة، أو أن تستمر في حالة التردد التي جعلت الحوثيين أكثر قوة. فالتاريخ لا يرحم الضعفاء، ومن لا يستطيع اتخاذ قرارات حاسمة في لحظات الفرص، لن يكون قادرًا على صنع النصر لاحقًا
يجد اليمنيون أنفسهم اليوم أمام مشهد متناقض: الحوثيون يصنفون كإرهابيين، لكنهم لا يزالون يحصلون على الشرعية من خلال لقاءات دولية ودعم إقليمي. في المقابل، تبدو الشرعية مترددة، غير قادرة على استثمار القرارات الدولية لصالحها، وكأنها تنتظر أن يتحرك الآخرون نيابة عنها.
إذا استمر هذا التراخي، فلن يكون مستغربًا أن نرى الحوثيين يزدادون قوة، بينما تظل الشرعية غارقة في التناقضات والتردد، في وقت تحتاج فيه إلى الحسم والمواجهة الحقيقية.
▪︎ اكاديمية ودبلوماسية سابقآ