الإرهاب عقربٌ يلدغ راعيه: كيف زرع نظام الأسد الإرهاب في العراق فحصد نتائجه بسوريا .
الثلاثاء 11 مارس 2025 - الساعة 12:29 صباحاً
في السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لعب نظام بشار الأسد دورًا مزدوجًا في إدارة ملف الإرهاب، حيث فتح حدوده أمام تدفق المقاتلين إلى العراق تحت شعارات المقاومة والجهاد ضد الاحتلال الأمريكي. كان من بين هؤلاء المتسللين أبو محمد الجولاني، الذي أرسله النظام السوري ضمن مجموعة من الجهاديين ليقاتلوا في العراق تحت راية القاعدة. لكن كما يقول المثل، الإرهاب مثل العقرب، من يحتفظ به في جيبه لا بد أن يتلقى لدغته يومًا ما.
بذور الإرهاب التي زرعها النظام السوري:
منذ اللحظة الأولى للاجتياح الأمريكي للعراق، تبنى نظام الأسد سياسة غير معلنة لدعم الجماعات الجهادية هناك، سواء من خلال تسهيل عبور المقاتلين أو عبر الدعم اللوجستي والاستخباراتي. كان الهدف الواضح من هذه السياسة هو استنزاف القوات الأمريكية ومنع تشكل عراق مستقر قد يشكل تهديدًا للنظام السوري مستقبلًا.
لم يكن النظام السوري غافلًا عن خطر هذه الجماعات، لكنه كان يعتقد أنه قادر على استخدامها كأداة لتحقيق أهدافه السياسية والأمنية. أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو إرسال الجولاني وأمثاله من السجناء الجهاديين السابقين إلى العراق تحت إشراف الاستخبارات السورية، حيث انضموا إلى تنظيم القاعدة وشاركوا في تنفيذ عمليات ضد القوات الأمريكية والحكومة العراقية.
انقلاب السحر على الساحر: من العراق إلى سوريا:
مع تراجع النفوذ الأمريكي في العراق وصعود نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران، بدأ هؤلاء المقاتلون بالعودة إلى سوريا، ولكن هذه المرة ليس كأدوات بيد النظام، بل كقادة لتنظيمات جهادية مستقلة. الجولاني نفسه، الذي كان مجرد مقاتل في القاعدة بالعراق، عاد ليؤسس جبهة النصرة في سوريا، ثم انفصل لاحقًا عن القاعدة ليشكل هيئة تحرير الشام.
عندما اندلعت الثورة السورية عام 2011، وجد النظام نفسه في مواجهة جماعات جهادية كان هو من مهد لها الطريق وأطلق يدها في العراق. هذه الجماعات لم ترحم النظام، بل حولت المناطق التي سيطرت عليها إلى ساحات معارك مفتوحة، وصارت تنافس حتى المعارضة المعتدلة على النفوذ.
الدرس الذي لم يتعلمه الطغاة:
قصة الجولاني ليست استثناءً، بل مثال متكرر في تاريخ الأنظمة التي تحاول توظيف الإرهاب لأغراضها السياسية. من أفغانستان إلى العراق وسوريا، نجد أن دعم الجماعات المسلحة بدافع استراتيجي سرعان ما ينقلب على داعميه.
النظام السوري، الذي تصور أن بإمكانه التحكم بالإرهاب، انتهى به الأمر يواجه تنظيمات أكثر تطرفًا وشراسة من المعارضة السورية التقليدية. ثم انتهى به الأمر ليسقط بيد هذه الجماعات الإرهابية
من يتلاعب بالإرهاب، كمن يحمل عقربًا في جيبه، لا بد أن يلدغه يومًا ما. تجربة بشار الأسد في العراق ثم في سوريا تقدم درسًا واضحًا لكل من يحاول استخدام الإرهاب كأداة سياسية: هذا الوحش لا يعترف بأسياده، وسرعان ما ينقلب عليهم بمجرد أن تتغير الظروف.