الإخوان يستغلون كورونا للتذكير بوصايتهم على الدين
الخميس 19 مارس 2020 - الساعة 05:30 مساءً
المصدر : متابعات
لا تكشف الأزمات الإنسانية العالمية فقط عن محدودية فكر الإسلاميين وضيق أفقه، بل تثبت أيضا محاولاتهم توظيفها لصالحهم. وهو أمر يمكن معاينته من تعامل قيادات الإخوان وغيرها من الإسلاميين مع ما ترتب عن انتشار فايروس كورونا. حيث اعتبرت قيادات إسلامية قرارات تعليق صلاة الجماعة مؤامرة على الإسلام، وروّجت أن الفايروس عقوبة إلهية.
لا يترك رموز الإسلام السياسي مأساة أو ملهاة إلا وحاولوا استثمارها لخدمة مشروعهم، مستفيدين في ذلك من سذاجة الساذجين ومكابرة المكابرين والمهووسين بالدين، ولو كانوا على ضلالة. وعندما بدأ فايروس كورونا المستجد الانتشار في البلدان واستهداف الإنسان، حاولوا أن يستغلوا القرارات العاقلة من قبل الحكومات بوقف صلاة الجماعة بما فيها صلاة الجمعة، للتوقي من نقل العدوى، في تلبيس الديني بالسياسي، والصحي بالفقهي بهدف التحريض المباشر وغير المباشر على الأنظمة والحكومات ومن بِيدهم أمر الناس، معتبرين الاحترازات الحكومية مؤامرة على الدين وأهله.
فقد اعتبر مفتي إخوان ليبيا، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الصادق الغرياني، أنه لا ينبغي على كل من يخاف على نفسه من الإصابة بفايروس كورونا، التخلف عن صلاة الجماعة، حيث أنه “مَن أراد الأخذ بالعزيمة، والذهاب إلى المسجد للجماعة، فله ذلك، وبذلك تبقى شعائر الإسلام وفرائضه مقامة داخل البلد، ولا تعطل بالكلية، بغلق المساجد ومنع الناس منها، فإن ذلك لا يجوزُ”.
وأضاف الغرياني من مقر إقامته في اسطنبول حيث يقدم برامجه الدورية على قناة “التناصح” المدعومة من قطر والمصنفة ضمن الكيانات الإرهابية أنه “لم يثبت في تاريخ المسلمين، أن عُطلت المساجد في البلد كلها بصفة عامة، ومنع الناس من الصلاة فيها؛ لا في أوقات الأوبئة ولا الحروب، التي عم فيها الخوف الناس جميعًا”.
وفي الجزائر، انتقد رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية الإخواني عبدالله جاب الله، ما أسماه “تعطيل الجماعات والجمعات”، مؤكدا أن غلق المساجد وتعطيل الصلوات بسبب انتشار فايروس كورونا يحتاج إلى التريث، وقال مدوّنا على صفحته الخاصة بموقع فيسبوك “إننا نعيش في زمن عطل الناس فيه العمل بشرع الله تعالى وناصبه معظمهم العداء، وشنوا عليه أنواعا من الحروب لإبعاده عن حياتهم”، زاعما أن ظهور الأمراض الجديدة جاء بسبب تفشي الفاحشة بين الناس وحول ما وصفها بـ”محاولات الهروب من كورونا” من خلال تطبيق “الحجر الصحي”.
وقال جاب الله “لجأوا إلى محاولات الهرب منه بتطبيق الحجر، محاولة منهم لحماية مواطنيهم وحذا النظام في الجزائر حذوهم فلجأت السلطات إلى سلسلة من إجراءات وقائية رغم محدودية الانتشار لهذا الفايروس إلى حد اليوم”، و”ساند هذه الإجراءات العديد من الجهات العلمية وبالغ بعضها، فدعت إلى غلق المساجد وتعطيل الصلوات بها دون النظر إلى قدسية الجماعات والجمعة وبلا توَرّ ولا تثبت”. لافتا إلى أن “أمر المساجد والصلوات ليس كغيره ولا يقاسُ بغيره، فالصلاة هي أحب الأعمال إلى الله تعالى وهي الفريضة التي لا تسقط على المسلم أبدا من ساعة تكليفه إلى الوفاة، وتؤدّى في جميع الأحوال والظروف بالطريقة المقدورة، وهي عنوان التحرر من كل عبودية إلّا العبودية لله تعالى”.
وتابع جاب الله “كان السلف الصالح يولون المساجد والصلاة فيها عناية خاصة، وكانوا يحرصون على اللجوء إلى الله تعالى وخاصة في مناسبات الفزع للتضرع إلى الله تعالى بصفة جماعية وسؤاله المغفرة والرحمة والفرج وقضاء الحاجات، لأنهم يؤمنون أن البلاء لا ينـزل إلا بمعصية ولا يرفع إلا بتوبة”. مشددا على أنه “كان الأولى في مثل هذا الظرف العصيب أن يلجأوا إلى المساجد يتضرعون إلى الله تعالى بصفة جماعية وفردية ليرفع عنهم هذا البلاء، وكان الأولى أن يتعامل مع الصلاة والمساجد بكثير من الحذر والتحفظ”.
وفي المغرب، شن الداعية عبدالحميد أبوالنعيم حملة شعواء على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية لعلماء المغرب والعلماء غير الرسميين، بسبب الإجراءات الاحترازية المتعلقة بغلق المساجد ووقف صلوات الجمعة والجماعة للوقاية من كورونا. وبعد أن كفّر القائمين على شؤون البلاد، قال “نحذر الوزارة من أن تقرر منع الصلوات المفروضة في المسجد”. متابعا “إن البلد الذي تُغلقُ فيه المساجد ولا تصلى فيه الصلوات الخمس ارتدّ عن دينه وأصبح دار حرب وكفر وخروج من الملة”.
وفي تونس حاول رئيس جامعة الزيتونة هشام قريسة المعروف بقربه من حركة النهضة توريط حكومة بلاده عندما دوّن قائلا “لم يكن ممّا اتفقنا عليه، مع وزارة الشؤون الدينية، ووزارة الصحة، ودار الإفتاء، منع صلاة الجمعة والجماعة بالمساجد، أو تعليق أدائها، وإنما اتفقنا على أن المرضى بأمراض مزمنة، والذين يحملون أعراض الزكام، وكبار السنّ هم الذين يُلزمون بالبقاء في بيوتهم، وغير هؤلاء يأخذون الاحتياطات اللازمة التي وقع التنصيص عليها كما جاء في لائحة وزارة الشؤون الدينية، مع عدم ترك الصلاة في المسجد، فإن تطور المرض فلكلّ حادث حديث”.
المثير للاهتمام أن راعية الإخوان وناشرة خطابهم والمتبنية لمواقفهم دولة قطر، اضطرت بعد تردد، إلى اتخاذ ذات القرار الذي أثار غضب حلفائها من الحكومات الأخرى، حيث وجهت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، الإثنين، بإغلاق المساجد وإيقاف صلوات الجماعة بفروضها الخمسة وصلاة الجمعة، اعتباراً من صلاة ظهر الثلاثاء إلى حين توفر شرط الأمان والطمأنينة للمصلين، وذلك في إطار تعزيز الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية التي تتخذها الدولة للحد من انتشار فايروس كورونا.
وقالت الوزارة في بيان نقلته وكالة الأنباء القطرية “قنا”، إن “هذا القرار يأتي عملاً بمقاصد الشريعة العليا وعلى رأسها حفظ النفس وحماية للمصلين والمجتمع من أذى الوباء، ومساهمة في تمكين وزارة الصحة العامة وهي الجهة المختصة بمحاربة انتشار الفايروس ميدانياً، وتأسيساً على فتوى اللجنة الشرعية بالوزارة والتي جاء فيها ‘في حال ما إذا أقرت الجهات الصحية أن الوباء عام وأن احتمالية انتشاره في الأماكن العامة مؤكد، وأن خطره محقق غير موهوم، يمكن منع التجمعات”.
وفي ذات السياق، حاولت جماعة الإخوان المصرية المحظورة في بيان لها الثلاثاء، أن تستغل مأساة انتشار فايروس كورونا من خلال خطاب ديني موجه، قالت فيه “اليوم وقد ظن أهل الأرض أنهم قادرون عليها، فاغتروا بقوتهم، وفقدوا إيمانهم بالخالق، فتمادى الطغاة منهم في غيّهم، وازدادوا علوّا وظلما وفسادا، وأعمى الكثير منهم غرور القوة، كما حدث في أمم سابقة، فجاءت هذه الرسالة تحذيرا وتذكيرا للجميع بهذا الوباء الذي يجتاح العالم، والناتج عن فايروس كورونا، علّهم يسارعون في العودة إلى الله، والتضرع إليه سبحانه، أن يرفع عنهم هذا البلاء”.
وبعد أن أوحت بأن المرض المنتشر هو عقاب إلهي أو رسالة غيبية للدول والحكومات والأنظمة، عادت لتقول “إنها إذن فرصة للبشرية جمعاء لمراجعة مسارها الذي انحرف عن جادّة الصواب، بما أدى إلى انتشار المظالم والجرائم الفردية والجماعية، كما أدى إلى تفشّي الأمراض وكدر العيش، ولذا نقولها مجردة للأفراد والدول والمنظمات: نعم إن الأخذ بسلاح العلم وبكل وسائل العلاج وأحدثها، وتنفيذ كل سبل الوقاية العلمية واحتياطات السلامة واجب حتميّ وضرورة شرعية، ولكن في الوقت نفسه لا بد من أخذ العبر والدروس والمسارعة بالرجوع إلى الله، وتجديد عُرى الإيمان وتوثيقها، ومراجعة أعمالنا، والكف عن الظلم المُستشري، وذلك من أوجب الواجبات، عسى الله سبحانه وتعالى أن يرفع هذا البلاء عن البشرية”.
ومن خلال بيانها حاولت الجماعة أن تجيّر انتشار فايروس كورونا لخدمة شعاراتها الدينية، فالأمر بالنسبة لها ليس سوى غضب رباني على التجمع الإنساني، بسبب ما تراه خروجا عن الدين الذي تختص بتمثيله في العالمين، وهو خطاب اعتادت على توجيهه لأنصارها برد كل ما يدور على الأرض لأحكام السماء، ولم تَرُقْ الاحترازات الحكومية للقيادي الإخواني محيي العيسى حيث قال إنه في الوقت الذي يفتعل البعض قضية إغلاق المساجد أنها قضية شرعية لا يجوز الاقتراب منها رغم حدوثها مرات على مر التاريخ ورغم ما قلنا أن حفظ النفس مقدم، إلا أنني إلى الآن أصلي الصلوات الخمس فى المسجد لكن لا أخفي قلقي الشديد وقت الصلاة، حيث أنا الوحيد بالمسجد الذي يلبس الكمامة والقفازات ومعها سجادة للصلاة وحولك الجميع فى حالة استخفاف ومنهم من يعطس أو يسعل دون أدنى اهتمام”.
وكانت دار الإفتاء المصرية تصدت لدعوة وصفتها بـ”البغيضة” أطلقتها عناصر في جماعة الإخوان وتنظيم داعش الإرهابيين لنشر فايروس كورونا على نطاق واسع، وعدتها دليل ضعف، حيث كشف “المؤشر العالمي للفتوى”، التابع لدار الإفتاء، أن الإخوان وداعش يستغلان وسائل التواصل الاجتماعي في تحريض الناس على نشر فايروس كورونا المستجد بين صفوف الجيش والشرطة المصريين والمؤسسات الحكومية.
وأورد المؤشر العالمي للفتوى فيديو متداولا عبر صفحة التواصل الاجتماعي للإخواني الهارب بهجت صابر، يدعو فيه كل من يُصاب بالإنفلونزا أو ارتفاع في درجة الحرارة (كاشتباه في كورونا) لنشر الوباء الذي يكافحه العالم لكبح جماحه.
*صحيفة "العرب" اللندنية