ابعاد نهريب القيادات الحوثية عبر منافذ مناطق الشرعية
الاربعاء 09 يوليو 2025 - الساعة 08:15 مساءً
عشر سنوات من عمر الصراع المفتوح في اليمن، تتحمل مليشيا الحوثي وزره الأكبر. وبينما تدعي الميليشيا امتلاك قبضة أمنية قوية وأسلحة نوعية في حربها المزعومة ضد إسرائيل، تشهد الساحة اليمنية في الآونة الأخيرة أحداثًا مفاجئة تثير تساؤلات كبرى: ما الذي يحدث؟ ولماذا هذا الهروب المتزايد لقيادات حوثية بارزة؟ هذا التطور يأتي على وجه السرعة، ويتزامن مع أحداث داخل إيران، مما يضيف طبقة جديدة من التعقيد للمشهد.
الأنباء المتواترة عن محاولات هروب قيادات حوثية بارزة عبر مناطق تسيطر عليها الحكومة الشرعية، التي تصفها الميليشيا بـ"المرتزقة"، هي أمر غير متوقع. والأدهى هو ثقة هذه القيادات بقدرتها على التسلل، معتمدة على خلايا مزعومة تمتلكها الميليشيات في أوساط الحكومة الشرعية. فبعد ضبط محمد أحمد الزايدي، عضو المكتب السياسي الأعلى للحوثيين، في منفذ صرفيت الحدودي، تم اليوم ضبط وزير الخارجية الأسبق للحوثيين في مطار عدن. وكلا الشخصيتين مدرجتان على قوائم العقوبات الدولية.
هاتان الواقعتان تثيران تساؤلات واسعة: هل يمكن اعتبار هذه الظاهرة مؤشرًا على تصدعات داخلية قد تقود إلى انفراجة محتملة في العاصمة صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيا؟ أم أنها مجرد حوادث فردية لا تعكس تحولًا استراتيجيًا؟
هروب القيادات الحوثية: دوافع متعددة وتداعيات محتملة؟
نعم، هناك عدة احتمالات قوية تنبئ وتشير إلى أن هروب قيادات من الصفوف العليا للميليشيا عبر المنافذ التي تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية، قد يؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي والعسكري في اليمن
1. الخوف من الملاحقة والتصفيات الداخلية والعقوبات الدولية:
من وجهة نظري، فإن أهم الاحتمالات وراء هذا الهروب هو الخوف من الملاحقة أو التصفية. فالكثير من القيادات قد يخشون أن نهاية حكمهم باتت وشيكة، أو أن موقفهم أصبح ضعيفًا وهشًا داخل الجماعة، مما يدفعهم للبحث عن ملاذ آمن خارج مناطق سيطرة الحوثيين. هذا الخوف لا يقتصر على الملاحقة القضائية من قبل الحكومة الشرعية أو العقوبات الدولية، بل يمتد ليشمل التصفيات الداخلية التي قد تحدث ضمن صفوف الميليشيا نفسها، خاصة في ظل خلافات حادة حول النفوذ أو الموارد. العقوبات الدولية المفروضة على قيادات حوثية، وتصنيف الجماعة ككل كمنظمة إرهابية، تزيد من هذا الضغط، وتجعلهم يخشون تجميد أصولهم أو تقييد تحركاتهم، مما يدفعهم للبحث عن الخروج سرًا إلى دولة أخرى تضمن لهم العيش بسلام وطلب اللجوء السياسي، ربما عبر دولة عمان الشقيقة.
2. مؤشر على تصدعات داخلية وضغوط متزايدة:
قد يكون هذا الهروب أيضًا دليلًا على تزايد الضغوط الداخلية على قيادات الحوثيين. هذه الضغوط قد تنبع من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرتهم، أو من تراجع الدعم الشعبي الكبير الذي كانوا يتمتعون به في السابق، أو حتى من خلافات داخلية حول إدارة الصراع أو توزيع النفوذ. هروب شخصيات رفيعة، مثل محمد أحمد الزايدي عضو المكتب السياسي، يشير إلى أن بعض القيادات بدأت تبحث عن مخرج شخصي في ظل شعورهم بعدم استقرار موقفهم.
هنا يبرز سؤال: لماذا ترفض هذه القيادات التنسيق مع الحكومة الشرعية في تأمين خروجها؟ السبب الأول يعود إلى أن هذه القيادات مصنفة إرهابيًا ومطلوبة دوليًا، ولذلك خروجها سرًا إلى دولة أخرى يضمن لها العيش بسلام والتنسيق خارجيًا بعد طلب اللجوء السياسي. السبب الثاني هو أن الميليشيا ترى نفسها في مكانة عليا، ولا تريد الاعتراف بالشرعية، بل تعتبرها "مرتزقة". لكنها تتناسى أنها تمر عبر منافذ الشرعية، ما يجعلها فريسة سهلة لعدوها بدون قتال بعد أن كانت "تنطح كمثل الثور الهايج"
3. محاولة التسلل والهروب لأهداف خفية
قد لا تكون محاولات الهروب بالضرورة مؤشرًا على تصدعات داخلية كبيرة، بل قد تعكس ضعفًا في السيطرة الأمنية لميليشيا الحوثي على قياداتها أو على منافذها الحدودية. أو ربما تكون محاولة للتسلل خارج البلاد لأغراض مختلفة، سواء لإدارة شبكات التهريب، أو للتنسيق الخارجي، أو حتى للبحث عن ملاذ آمن لأنفسهم ولأموالهم بعيدًا عن الأضواء. خروج شخصيتين حوثيتين مهمتين كالزايدي وشرف، اللذين يمتلكان كاريزما وعلاقات خارجية (الزايدي مع عمان وقطر، وشرف عبر العراق ولبنان وإيران وتركيا)، قد يكون بهدف التوسط لتأمين بقية قيادات الميليشيات ورفع الحظر عنهم، وضمان خروجهم من اليمن بشروط عدم ملاحقتهم قضائيًا، والضغط على الحكومة الشرعية بعدم المساس بكل من ينتمون إليهم، وترك الحرية لهم في كل ما يملكونه. فالميليشيا تحاول الخروج من هذا البوتقة لكن بما يضمن لها بقاء كل ما كسبته.
4. تزايد فعالية الضغط العسكري والأمني:
يمكن القول أن تكون هذه الحالات نتيجة لـتزايد الضغط العسكري والأمني الذي تمارسه القوات الحكومية الشرعية والتحالف. فكلما ضاقت الخناق على الحوثيين في مناطق نفوذهم أو على طرق إمدادهم، كلما ازداد سعي بعض قياداتهم للفرار أو البحث عن طرق آمنة للتحرك. الاعتقالات الناجحة لقيادات حوثية، مثل تلك التي حدثت في المهرة، تبعث برسالة واضحة حول قدرة الحكومة الشرعية على بسط نفوذها وتأمين مناطقها، مما يعزز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية ويمنحها نفوذًا أكبر.
هل تعني انفراجة لصنعاء؟
نعم، أجزم أنها انفراجة. فرغم أهمية هذه الحوادث، وأنه من السابق لأوانه الجزم بأنها تشكل نهاية لسيطرة الحوثيين، فالميليشيا ما زالت تتمتع بقوة عسكرية وتنظيمية كبيرة وتسيطر على موارد واسعة. ومع ذلك، فإن تكرار مثل هذه الحوادث قد يؤدي إلى الآتي:
أولًا، زعزعة الثقة داخل صفوف الحوثيين: فعندما نرى قيادات بارزة تحاول الفرار، قد يؤثر ذلك سلبًا على معنويات المقاتلين والكوادر، ويثير شكوكًا عميقة حول مستقبل الجماعة الحوثية وقدرتها على الصمود.
ثانيًا، زيادة الضغط على القيادة العليا: ستضطر القيادة الحوثية إلى تشديد قبضتها الأمنية على عناصرها، مما قد يخلق مزيدًا من التذمر الداخلي والانشقاقات، وهو احتمال لا يمكن إهماله.
ثالثًا، تسليط الضوء على مكاسب الحكومة الشرعية: نجاح القوات الحكومية في اعتقال قيادات حوثية يبرز قدرتها على بسط نفوذها وتأمين مناطقها، مما قد يعزز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية ويمنحها نفوذًا أكبر على الطاولة السياسية.
في الختام، بينما لا يمكن اعتبار هذه الحوادث وحدها مؤشرًا على انهيار وشيك لسلطة الحوثيين في صنعاء، إلا أنها بلا شك تشير إلى أن الميليشيا تواجه تحديات داخلية وخارجية متزايدة تهدد مستقبلها وربما بقاء القيادات العليا، كما حدث في لبنان وإيران في سياقات مختلفة. مراقبة تكرار هذه الظاهرة، وكيفية تعامل الحوثيين معها، سيكون حاسمًا في فهم تطورات المشهد اليمني المستقبلي وما إذا كانت بوادر انفراجة تلوح في الأفق يستفيد منها اليمنيون ويطوون صفحة المعاناة الطويلة.