ما دلالات الطلب الأمريكي لإنهاء مهمة "أونمها في الحديدة

الخميس 10 يوليو 2025 - الساعة 08:42 مساءً

 

لطالما كانت محافظة الحديدة، بوابتها البحرية وموانئها الحيوية، شريان حياة اليمن. لكنها اليوم، باتت مرتعًا لمعاناة لا تنتهي، ومصدر تهديد يتجاوز حدود اليمن ليطال الملاحة الدولية. ففي الوقت الذي كان فيه الأمل معلقًا على بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها - UNMHA)، التي تأسست في ديسمبر 2018 لدعم اتفاق ستوكهولم، جاء الواقع ليؤكد خيبة الأمل.

 

حيث كان الهدف الأسمى لـ"أونمها" يتمثل في مراقبة وقف إطلاق النار وإعادة انتشار القوات، وضمان أمن الموانئ  وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. لكن ما جرى على الأرض كان مختلفًا تمامًا. فبدلًا من أن تكون البعثة قوة فاعلة في تطبيق الاتفاق، تحولت إلى مجرد "راصد مبتدئ" يكتفي بنقل الروايات دون القدرة على إحداث تغيير حقيقي، بل أُثيرت شكوك عديدة حول فعاليتها وتخاذلها تجاه المدنيين والضحايا.

 

تهامة تنزف

 

في تهامة، حيث بسطت ميليشيا الحوثي سيطرتها، تتجلى أبشع صور المعاناة. فالألغام التي زرعتها الميليشيات أضحت كابوسًا يوميًا يلاحق أبناء المنطقة في كل زاوية من حياتهم. الطرقات والمزارع التي كانت مصدر رزقهم، وأماكن رعي الأغنام التي يعتمدون عليها، وحتى أماكن الملاهي التي يقصدها الأطفال، كلها باتت حقول ألغام جاهزة للانفجار في أي لحظة.

 

الضحايا بالمئات، نساء ورجال وأطفال، يتساقطون يوميًا بفعل هذه المتفجرات الخفية. لم تسلم حتى الحيوانات ولا الحياة البحرية من هذا الخطر، فالأراضي الزراعية باتت مصيدة للموت، والبحر الذي كان مصدر خير بات مخبأ للألغام البحرية.

 

 هذه الكارثة الإنسانية لم تكن من نسج خيالي ككاتب صحفي ، بل تحدثت عنها تقارير بوجود ملايين الألغام، تكشف عن قصور ذريع في قدرة "أونمها" على حماية المدنيين أو تسليط الضوء بشكل كافٍ على حجم المأساة. إن عدم قدرة البعثة على معالجة هذه المشكلة بفعالية يمثل دليلًا دامغًا على محدودية صلاحياتها وفشلها في الضغط على الأطراف لإزالة هذه الألغام.

 

شكوك في الحيادية ودوافع الطلب الأمريكي

 

إن الانتقادات الموجهة لـ"أونمها" لم تقتصر على ضعف الأداء، بل امتدت لتشمل الشكوك حول نزاهة بعض موظفيها. فالاعتقاد السائد بأن بعضهم تربطهم علاقات بالحوثيين أو ينتمون للميليشيات، أثر بشكل مباشر على دورها الأساسي، وجعلها تؤدي دورًا "منتقمًا" لأن من يدير البعثة يستمع لإملاءات الحوثيين، مما يعيق أداءها المستقل والحيادي.

وقد تجلت هذه المعوقات في الاتي 

 

القيود على حرية الحركة: أعاقت بشدة قدرة البعثة على التحقق المستقل من المعلومات وتقييم الوضع على الأرض بدقة.

 

 غياب آلية إنفاذ قوية: لم تمتلك البعثة صلاحيات كافية للتدخل أو فرض الامتثال، واقتصر دورها على المراقبة وتقديم التقارير.

لم تتحدث البعثة بشفافية عن المعيق الاساسي الذي بات واضحا للعيان ولكل المراقبين الدوليين المتمثل في المليشيات الحوثية بل باتت تتماهى وتغطي على جرائم الجماعة الحوثية

 

تعقيد الوضع على الأرض: الحديدة منطقة صراع معقدة للغاية، مما جعل مهمة البعثة أكثر صعوبة في بيئة متقلبة وغير مستقرة.

 

عدم شفافية المعلومات: صعوبة الحصول على معلومات شفافة وموثوقة من جميع الأطراف زادت من تعقيدات عمل البعثة وهذا  يؤكد تسليم البعثة نفسها في احضان المتصارعين وبالاخص المليشيات 

 

دلالات الطلب الأمريكي: إنهاء الفشل وبدء مرحلة جديدة

 

في جلسة مجلس الأمن يوم أمس الاربعاء ، طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بإنهاء مهام بعثة "أونمها" في الحديدة. هذا المطلب، وإن كان ظاهره "مشوبًا باللؤم"، إلا أنه في حقيقته واقعي، لأن هذه البعثة لم تنجز شيئًا يذكر سوى تحقيق بعض الرفاهية لأعضائها نظرًا لميزانيتها الباهظة. تُعد "أونمها" بذلك واحدة من معالم الفشل الأممي في إدارة الملف الإنساني في اليمن، وتحديدًا في الساحل التهامي النازف، ودليلًا عمليًا على فشل اتفاق ستوكهولم بكل جوانبه وملفاته.

 

الطلب الأمريكي بإنهاء مهمة "أونمها" يحمل دلالات متعددة ومعقدة، ويعكس تحولًا في المقاربة الأمريكية تجاه الملف اليمني، خاصة في ظل التطورات الأخيرة في المنطقة:

 

 إعلان وفاة اتفاق ستوكهولم عمليًا وسياسيًا: 

 

هنا واشنطن تعتبر أن المطالبة بإنهاء مهمة "أونمها" يعني أن اتفاق ستوكهولم قد فشل في تحقيق أهدافه المرجوة، وأن المجتمع الدولي، وتحديدًا واشنطن، لم يعد مستعدًا للاستمرار في تغطية هذا الفشل سياسيًا. 

 

فالبعثة، في نظر الكثيرين من المراقبين، لم تنجح في دفع الحوثيين للالتزام ببنود الاتفاق، لا سيما سحب قواتهم من مدينة الحديدة وموانئها. بل يرى بعض المراقبين أن "أونمها" تحولت إلى مظلة أممية تتيح للحوثيين تعزيز سيطرتهم على الحديدة، وأن الاتفاق تحول إلى غطاء سياسي يشرعن التمدد الحوثي بدلًا من ردعه.

 

 التشكيك في حيادية البعثة ودورها: الاتهامات بأن البعثة متواطئة مع مليشيا الحوثي، وأن دورها اقتصر على إلزام الحكومة الشرعية بتنفيذ كل بنود اتفاق ستوكهولم، بينما تركت الحوثيين يمارسون أعمالهم العسكرية والعدائية بشكل متواصل، وأن كل التنازلات جاءت من طرف الحكومة، دفعت الولايات المتحدة لإعادة تقييم جدوى البعثة. كما أن هناك شكوكًا حول ولاء بعض الموظفين للطرف الآخر، مما أثر على حيادية البعثة.

 

 العلاقة بتصعيد الحوثيين في البحر الأحمر: هذا هو العامل الأكثر أهمية في هذا التوقيت. إن التصعيد البحري الحوثي، المتمثل في الهجمات المتكررة على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، دفع الولايات المتحدة وحلفاءها لإعادة التفكير في الاستراتيجية المتبعة في اليمن. ففشل "أونمها" في منع الحوثيين من استخدام موانئ الحديدة لأغراض عسكرية (مثل إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة والزوارق المفخخة والألغام البحرية) تحت مرأى ومسمع المراقبين الدوليين، قد أسهم بشكل غير مباشر في تمكين الحوثيين من تنفيذ هجماتهم البحرية.

  

 الرغبة في فك القيود العسكرية: غياب "المراقبة الأممية" سيعني عمليًا فك القيود عن أي تحرك عسكري – سواء من قبل القوات اليمنية المشتركة أو بدعم خارجي – لاستعادة الموانئ أو ضرب البنية التحتية التي يستخدمها الحوثيون في تنفيذ هجماتهم البحرية. هذا يعطي الولايات المتحدة وحلفائها مرونة أكبر في التعامل مع التهديد الحوثي للملاحة الدولية.

 

نهاية مرحلة "المجاملات" الأممية: يعكس الطلب الأمريكي نهاية صبر واشنطن على ما تراه "تقاعسًا" من جانب البعثة في مواجهة تصعيد الحوثيين.

 

 الموقف البريطاني المتشدد ضد هجمات الحوثيين، وتأكيده على ضرورة فرض حظر السلاح، يشي بتقارب مواقف لندن وواشنطن، وربما وجود تحرك غربي منسق يهدف إلى تقليم أظافر الحوثيين بحرًا، عبر فرض عقوبات أشد أو عبر عمليات عسكرية نوعية تبعد الحوثيين عن سواحل الحديدة.

 

 الفشل في إدارة الملف الإنساني: على الرغم من أن "أونمها" لم تكن معنية بشكل مباشر بإدارة المساعدات، إلا أن دورها كان يجب أن يسهل وصولها. يُتهم الفشل الأممي في اليمن بأنه "أسوأ استجابة دولية لأزمة إنسانية"، حيث لم تتمكن المنظمات الدولية من ضمان وصول المساعدات للمحتاجين، وأن جزءًا كبيرًا من السكان تحت سيطرة الحوثيين الذين يستولون على المساعدات قبل وصولها.

 

 استعادة الحديدة مفتاح الأمن الإقليمي والدولي.. هنا الخص بعض النقاط حول الطلب الامريكي في انهاء عمل أونمها 

 

إن الطلب الأمريكي بإنهاء مهمة "أونمها" هو إقرار بفشل البعثة في تحقيق أهدافها، خاصة في ظل تحول الحديدة إلى بؤرة تهديد للملاحة الدولية في البحر الأحمر. 

 

وهو يمهد الطريق لمقاربة جديدة قد تكون أكثر حزمًا في التعامل مع التهديد الحوثي. لإنهاء الخطر الحوثي المتفاقم، سواء على المدنيين في تهامة أو على الأمن الإقليمي والدولي، لا بد من إعادة الحديدة إلى حضن الشرعية اليمنية.

 

 فبقاء الحديدة وصنعاء تحت سيطرة هذه الجماعة الإرهابية سيزيد من المعاناة والتعقيدات حول مستقبل اليمن. هذه الميليشيا التي تستهدف المدنيين وتهدد الأمن والاستقرار والملاحة الدولية، بل وحتى استقطبت الجماعات الإرهابية لتنفيذ هجمات عدائية في البحر الأحمر، تشكل خطرًا كبيرًا على المنطقة ودول العالم.

 

عودة الحديدة إلى الحكومة الشرعية سينهي كل هذه التهديدات ويفتح الطريق أمام حلول جذرية تضمن أمن اليمن والمنطقة والعالم، وتنهي كابوس الألغام ومعاناة أبناء تهامة. فالحل لا يكمن في بعثات مراقبة ضعيفة، بل في استعادة سيادة الدولة وبسط الأمن والاستقرار.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس