قراءة نقدية تحليلية لبيان التجمع اليمني للإصلاح بتعز
الاثنين 14 يوليو 2025 - الساعة 06:39 مساءً
صدر بيان التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة تعز في لحظة سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد، تزامنت مع أزمة خانقة في مياه الشرب، واستمرار الإضراب التعليمي، والانهيار المتسارع للعملة الوطنية، وسط صمت أو عجز ملحوظ من السلطات المحلية والمركزية التي يُعد "الإصلاح" شريكًا أساسيًا فيها، بل الحاكم الفعلي لتفاصيل الشأن العام في تعز.
أولاً: ازدواجية الخطاب والمسؤولية المغيبة
يظهر البيان وكأن الحزب يقف موقف "الراصد والناقد"، متبرئًا ضمنيًا من الواقع القائم، بينما هو شريك مركزي في إنتاج هذا الواقع، بل في كثير من الأحيان الفاعل الأساسي فيه.
فالدعوة لمجلس القيادة والحكومة والسلطة المحلية لتحمّل المسؤولية، دون الإشارة إلى دور الحزب نفسه في إدارة المؤسسات المحلية، تكشف عن تناقض بنيوي في الخطاب، ومحاولة للقفز من قارب المساءلة إلى منصة التوجيه والتنظير.
ثانيًا: تسييس أزمة المياه والانفصال عن الشارع
تناول البيان أزمة المياه في تعز بصيغة فضفاضة، دون الاعتراف بتقصير السلطة المحلية التي يديرها "الإصلاح"، أو طرح خطة عملية قابلة للقياس.
البيان يتحدث عن "غرفة عمليات مستمرة" وكأنها اقتراح جديد، بينما يعاني سكان المدينة من هذه الأزمة لسنوات دون تدخل فعال. هذه اللغة الإنشائية تشير إلى انفصال عن واقع الناس، وتفتقر إلى صدق الاعتراف والفعل السياسي الجاد.
ثالثًا: القفز على أزمة المعلمين والتعليم
تجاهل البيان تمامًا إضراب المعلمين، رغم أنه أكبر تعبير عن انهيار العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن. كما أن وزير التربية في عدن محسوب على الإصلاح، مما يُحمّل الحزب مسؤولية مباشرة.
الصمت هنا ليس فقط تغاضٍ سياسي، بل نكوص عن واجب أخلاقي تجاه شريحة حيوية من المجتمع، ويعكس حالة من الإهمال أو الانتقائية في توصيف الأزمات بحسب ما يخدم صورة الحزب.
رابعًا: تضخيم خطاب المقاومة مقابل الانهيار الاقتصادي
يتمسك البيان بلغة "التحرير" و"المقاومة" و"إسقاط الانقلاب"، في وقتٍ يتآكل فيه الواقع المعيشي للناس بسبب انهيار العملة وتدهور الاقتصاد.
لا يقدم الإصلاح أي رؤية اقتصادية للخروج من الأزمة، ولا يتحدث عن محاسبة الفساد المحلي أو فشل التحصيل والجباية، رغم أنه يتحكم في مفاصلها بتعز. مما يعزز نقد أن الحزب يستثمر في خطاب المقاومة لإخفاء فشله في إدارة الواقع.
خامسًا: التحذير من "ثقافة الأقليات" والمصفوفة الثقافية: خطاب إقصائي مقلق
يعبر البيان عن رفض قاطع لأي حديث عن "ثقافة الأقليات" علما بأن من وقع اتفاقية الأقليات في كردستان العراق هو نائب رئيس الجامعة وهو عضو في التجمع اليمني للإصلاح أمام "مصفوفة ثقافية"، فهي لا"تمس الهوية الإسلامية"، وانما الهدف منها تعزيز الهوية الوطنية اليمنية الجامعة وبراز المورث الحضاري والثقافي والاجتماعي للمجتمع اليمني.
لكن وبالتالي فإن بيان التجمع هو خطاب إقصائي ورافض للتنوع الثقافي للمجتمع اليمني ، ويتنافى مع مبادئ التعدد والتنوع الثقافي في أي نظام ديمقراطي.
هذا الموقف يوحي بأن الحزب لا يزال أسيرًا لخطاب شمولي يساوي بين "الوحدة الثقافية" و"الوحدة الدينية"، ويخشى التعدد بوصفه تهديدًا سياسيًا، لا إثراءً وطنياً.
سادسًا: لغة التوجيه والوصاية على الإعلام والمجتمع
رغم إشادته بحرية التعبير، ينزلق البيان إلى نبرة "الوصاية"، حين يدعو الإعلاميين والخطباء إلى "ترشيد" الكلمة و"صناعة الوعي" و"رفع الروح التضامنية".
هذه اللغة تُخفي نزعة تدجين للخطاب العام، وتُفرغ حرية التعبير من بعدها النقدي، لتعيد إنتاج الخطاب ضمن معايير الحزب ورؤيته وحده.
سابعًا: التناقض بين صورة الحزب المقاوم والحاكم
لا يمكن الجمع بين موقع "الضحية" و"الفاعل". الإصلاح هو من يتحكم في مؤسسات تعز، ويملك الكتلة البرلمانية الأكبر، ويسيطر على القرار الإداري والخدمي.
لذا فإن تبرئة الذات وتحميل المسؤولية للسلطة المركزية فقط محاولة لإعادة إنتاج الذات النضالية، لكن دون دفع كلفة الفشل الإداري أو المشاركة الجادة في الحل.
ختامًا بيان "الإصلاح – تعز" يعكس أزمة هوية سياسية مزدوجة؛ بين الرغبة في الاحتفاظ بصورة "المناضل الوطني" ضد الانقلاب الحوثي، وبين فشله في تلبية أبسط مطالب الناس في المياه والتعليم والرواتب.
إن البيان لا يتعامل مع الواقع بجرأة أو شفافية، بل يروّج لخطاب إنشائي دفاعي يتماهى مع منطق "نحن لسنا من يحكم، بل نحاول أن نساعد"، رغم كونه أحد أبرز الفاعلين السياسيين على الأرض.
وفي ظل الانهيار الاقتصادي وتدهور الأوضاع المعيشية، فإن مثل هذه البيانات إن لم تتحول إلى اعتراف سياسي بالمسؤولية وإعلان جاد للإصلاح الداخلي والمكاشفة، فإنها لا تعدو أن تكون محاولة بائسة لترميم صورة تتآكل تحت وطأة الحقيقة اليومية.