لماذا طبع الحوثيون عملة جديدة؟ ولماذا تنهار العملة في مناطق الشرعية؟
السبت 26 يوليو 2025 - الساعة 12:03 صباحاً
في محاولة لفهم الأسباب الكامنة وراء طباعة الحوثيين لعملة جديدة، والتي أرهقت كاهل المواطنين، أجريتُ بحثًا واستقصاءً مباشرًا مع مواطنين ومضاربين في مناطق سيطرة الحوثيين، ممن فضلوا عدم ذكر أسمائهم. كما تتبعتُ مقاطع فيديو تُظهر فرحة المواطنين، وهم يتحدثون لإعلام الميليشيات، عند استبدال عملاتهم الممزقة بعملة جديدة غير مؤمّنة. هذه المتابعة كشفت لي بعض النقاط التي تصف أسباب طباعة الحوثيين للعملة الجديدة.
1. ندرة العملة المحلية القديمة
البداية كانت من انتهاء العملة المحلية القديمة. يروي أحد المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين: "كنت أملك أكثر من مليون ريال من فئات الألف، الخمسمائة، والمائتين وخمسين ريالًا، لكنها كانت مقطعة ومهترئة. لما سمعت بخروج عملة جديدة استبدلتها وشعرت بالندم، ولكن فات الأوان. إذا حاولتُ أن أعود، سأتعرض للتحقيق والسجن من قبل الحوثيين. أنصح من يملك عملة قديمة بعدم استبدالها بالعملة المحلية الجديدة."
بالفعل، واجهت جماعة الحوثي نقصًا حادًا في العملة المحلية القديمة (القعيطي). أصبحت الفئات الصغيرة (أقل من 1000 ريال) شبه معدومة، بينما الفئة المتوفرة من الـ 1000 ريال كانت بالية وممزقة. هذا النقص الشديد عطل المعاملات اليومية وصرف الرواتب، خاصة وأن البنوك والصرافات في مناطقهم أصبحت تحت سيطرتهم.
2. السيطرة على العملات الأجنبية ومنع وصولها للمواطنين
يمتلك الحوثيون كميات كبيرة من العملات الأجنبية، كالدولار والريال السعودي، التي تَرِدُهم من حوالات المغتربين والمنظمات الأجنبية. تهدف طباعة العملة الجديدة إلى:
سحب العملة الأجنبية من السوق: ترفض الصرافات في مناطق سيطرة الحوثيين تسليم الحوالات بالعملة الأجنبية للمواطنين، بهدف الحفاظ عليها ومنع المضاربة بها.
إجبار المواطنين على التعامل بالعملة المحلية الجديدة: بدلًا من تسليم المواطنين حوالاتهم بالعملة الصعبة، يتم استبدالها بالعملة المحلية المطبوعة حديثًا. هذا يضمن بقاء العملة الصعبة تحت سيطرة الحوثيين. يكشف أحد المواطنين تواصلت معه عبر التواصل الاجتماعي، أن ابنه المغترب في الولايات المتحدة أرسل له 2000 دولار، لكن الصرافين رفضوا تسليمها له دفعة واحدة بالعملة الصعبة. قالوا له: "نسلمك بالعملة المحلية"، وسلموا له عملة مهترئة من فئة 1000 ريال مقطعة، وعملة جديدة "إفلاس" من فئة 200 ريال.
المضاربة بالعملة الأجنبية في مناطق الحكومة الشرعية: يقوم الحوثيون بتمكين شخصيات تابعة لهم من شراء العملة المحلية (القعيطي) بالعملات الأجنبية في مناطق الحكومة الشرعية. وهذا يؤدي إلى زيادة الطلب على العملة الصعبة في تلك المناطق وتكديسها في مناطق سيطرة الحوثيين.
أسرّ لي أحد الصرافين في مناطق الحكومة الشرعية أن "الكثير من محلات الصرافة تتعامل مع صرافين في مناطق سيطرة الحوثيين ويضاربون بالعملة الأجنبية ويسحبونها بشكل منظم، خصوصًا في المزادات التي يضخها البنك المركزي في عدن." وأضاف أنهم "يعملون في عدن ومأرب وتعز بشكل مكثف كون هذه المحافظات فيها سيولة كبيرة وإيرادات وكثافة سكان، وفيها رؤوس أموال ورجال أعمال كبار."
التهرب من الالتزامات المالية تجاه المواطنين
تمثل طباعة العملة الجديدة محاولة من الحوثيين لتجنب إعطاء المواطنين حوالاتهم بالعملة الصعبة أو توفير عملة محلية كافية. هذه الخطوة تسمح لهم بتكديس العملة الأجنبية في البنك المركزي بصنعاء والصرافات، واستخدامها للمضاربة في مناطق الحكومة الشرعية.
استغلال المواطن والتأثير على حياته
هنا يتبين أن المواطن في مناطق الحوثي هو الخاسر الأكبر، حيث تُستبدل عملته القديمة (المضمونة) بعملة جديدة غير مؤمّنة، مما يجعله تحت رحمة الحوثيين الذين يتحكمون بالعملة الصعبة. هذا يضر بشكل خاص بالموظفين الذين يعتمدون على حوالات أقاربهم المغتربين لتوفير قوت يومهم بعد توقف الرواتب.
بشكل أوضح، إن قيام الحوثيين بطباعة عملة جديدة هو خطوة تكتيكية لتعزيز سيطرتهم المالية والاقتصادية وضمان تدفق العملة الأجنبية إلى خزائنهم، على حساب معاناة المواطنين في مناطق سيطرتهم. الحوثي ليس مجرمًا وقاتلًا وإرهابيًا فقط، بل إنه يأخذ لقمة العيش من أفواه الجياع، وما يفعله إجرام بكل الشرائع وحرام.