السياسة والمال في اليمن ..

الجمعه 08 أغسطس 2025 - الساعة 08:00 مساءً

 

في النظم المستقرة ، تُبنى العلاقة بين المال والسياسة على ضوابط دستورية وأخلاقية ، وفي اليمن ، يبدو أننا أمام تزاوج غير مشروع بين المال والسلطة المنفلتة ، زواج أنجب وحشاً بثلاثة رؤوس رأس ينهب ، رأس يقتل ، ورأس يشرعن . 

 

لسنا أمام دولة تدير إقتصاداً ولا أمام رأسمال وطني يخدم التنمية ، بل نحن أمام بنية مشوهة تتقاطع فيها مصالح التجار والمهربين وأمراء الحرب ومراكز القوى السياسية والعسكرية والدينية ؛ الذين جعلوا من الدولة "مائدة" ومواردها "وليمة" والشعب مجرد جمهور يُطلب منه التصفيق والهتاف دون أن يُدعى إلى المائدة .

 

منذ قيام الجمهورية وحتى اللحظة ، لم تكن الثروة في اليمن معزولة عن السياسة ؛ فالدولة كانت مجرد واجهة ، وكانت قوى النفوذ تُدير الدولة كملكية خاصة ؛ والاقتصاد لم يكن يوماً وطنياً بقدر ماكان تابعاً لشبكات مصالح فوق وطنية ؛ يجنون ثرواتهم من تجارة السلاح والمشتقات النفطية والنفوذ ، ليتضح أن القرار السياسي لايُنتج التنمية بل يُدار لتوزيع الغنائم .

 

ومنذ إندلاع الحرب عام 2015 ، باتت اليمن حقلًا واسعاً لإقتصاد الحرب ؛ ومراكز القوى وجدت في الحرب فرصة ذهبية لبناء شبكات نفوذ مالية وتجارية موازية ؛ فالإنقلابين يتحكمون بميناء الحديدة ويجنون المليارات من الجمارك والسوق السوداء ؛ في المقابل ، مناطق "الشرعية" تحوّلت إلى جزر متناحرة تحكمها مليشيات تتقاسم الإيرادات والجبايات والتهريب بإسم الدين والدولة .

 

أما المال السياسي الخارجي كان ومازال الأداة الأخطر ؛ فتلك الأموال لم تسقط الإنقلاب ولم تستعد الدولة ، بل أنتجت مجلساً رئاسياً هشاً ، ومليشيات متعددة الولاءات ؛ ومشهداً سياسياً مفرغاً من أي مضمون وطني .

 

وفي تعز ، تتجلى أبشع صور هذا التزاوج غير المشروع ؛ بهوامير تتنازع النفوذ في كل شارع ، وتجار سلاح ومشتقات نفطية يتحكمون بمعيشة الناس ، ونافذون يقتسمون الإغاثة والمناقصات . 

 

لاتوجد منظومة حكم ، بل تحالفات ظرفية بين من يملك السلاح ومن يملك المال ؛ حتى المنظمات الدولية أصبحت واجهة لأرباح تجّار السياسة في زمن الإغاثة .

 

والنتيجة .. محافظة تفتقر لأبسط مقومات الحياة ؛ تعز بلا ماء ولاكهرباء ولا أمن ولا أمان ، بلا إقتصاد ، وبلا قرار ؛ ومن يرفض هذا الوضع يُتهم بالخيانة ، ومن يطالب بدولة يُحاصر ، ومن يصمت يبتلع قهره ..

 

إن الخروج من هذا الجحيم يتطلب :

 

▪︎تصحيح الإختلالات في مؤسستي الجيش والأمن على أسس وطنية ومهنية ؛ وحل المليشيات وأي تشكيلات عسكرية أخرى لاتخضع للشرعية .        

 

▪︎تفكيك إقتصاد الحرب وكشف شبكات الفساد المالي والسياسي .

 

▪︎بناء مؤسسات الدولة .

 

دون ذلك ، سنظل ندور في حلقة جهنمية ، تتجدد فيها الحرب بتجدد المصالح ، ويتغير الممول ولايتغير المشهد .!

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس