إشكالية موروث ثقافة كربلاء

الاثنين 11 أغسطس 2025 - الساعة 12:43 صباحاً

 

تتشكل ثقافة كربلاء من عنصرين أساسيين ، الخذلان ، والنواح . 

 

الأول يجسد الفعل الذي يصل أصحابه بالكبير أو الملهم المخذول بواسطة جسور من الوهم ، أو المصالح غير القادرة على الصمود في وجه التحديات والمتغيرات التي تقذف بها الحياة في طريقهم .. فما إن تهتز الأرض من تحت أقدام ذلك " الكبير" المنتج للوهم ، أو المصلحة ، حتى يبدأ الموالون بالافتراق عنه بذرائع مختلفة ، ويأخذون طريقهم إلى حيث الأمان هربًا مما ترتبه الأحداث من نهاية مؤلمة لمنظومته .

 

أما الثاني فهو الفعل اللاحق والذي يتشكل في ضوء ما تسفر عنه الحياة من نتائج على الصعيد الشخصي لكل من هؤلاء الموالين . فأما الموالون الذين تبتسم لهم الحياة بسقوط ذلك  "الكبير" ومنظومته ، فإنهم يشطبونه من ذاكرتهم ، ويشطبون معه كل ما يذكرهم به . أما الذين تعبس الحياة في وجوههم فيلجأون إلى النواح لتغطية فعل الخذلان الذي سلكوه ، وهؤلاء هم الذين شكلوا ثقافة كربلاء في حياتنا ، وظلوا يجددونها ويعيدون إنتاجها على أكثر من صعيد كسدنة يتوارثونها كثقافة ، دون اعتبارات بيولوجية أو عرقية أو مذهبية .. تلك الثقافة التي تجذرت في بنية سياسية واجتماعية ودينية أوسع من جغرافية كربلاء التاريخية . 

 

كربلاء موروث ثقافي لئيم ، موروث يلاحقنا كظل ملازم لحركتنا وسكوننا على السواء ..  في محطات مختلفة ، وحالات متنوعة وحاسمة، من حياتنا ، يتقاطع فيه الخذلان والنواح عند نقطة من الفعل الملتبس بغوغائية النفاق الذي يعيد تسييل الخذلان في صخب من الندب والدموع ، وضجيج الولولة .

 

هي جغرافيا المكان الذي ارتبط بذاكرة مكتظة بالخذلان والنواح ، وهي سرديّة تحوّلت مع الزمن من واقعة تاريخية إلى ثقافة متوارثة تتغذى على ألم جُبِل ورثته على الاستحمام بدم الحسين وعائلته ، وقياسًا عليه العديد من جغرافيا الحكم التي قامت على انتاج المصالح لقطاعات من المجتمع على حساب بناء الأوطان .

 

منذ ذلك التاريخ وثقافة كربلاء تسوّد حياتنا بوقائع مختلفة من التدثر ببراقع الألم لإخفاء الخذلان الذي أورث الذلة كل من سار على ذلك النهج اللئيم .

 

لا فرق بين من خذل الحسين وأخذ يستحم في مأساته ليتطهر ، وبين من خذل ولي نعمته ، عبر التاريخ، وراح ينعق في خراب سلطته ، بعد السقوط ، ليتبرأ من الخيانة . 

 

غير أن للمسألة وجه آخر وهو أن القتال من أجل السلطة إنما هو شَرَكٌ لا يجذب إليه سوى المؤهلين للخيانة . وهذا ما كان من أمر الحسين وغيره من الزعامات التي تعرضت للخيانة والخذلان ثم النعيق في الخرابة . 

 

ميراث لئيم سيواصل إنتاج وإعادة إنتاج الكارثة التي غرقنا فيها مرة باسم كربلاء ومرات بأسماء مراكز وبيوتات الحكم التي يصر منتسبوها على التماهي معها بطريقتهم التي تحتاج الى مراجعة هادئة وحاسمة بعد أن توسعت رقعة الخذلان والنواح على الخارطة الجيو سياسية .

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس