رشاد العليمي: من دهاليز صالح إلى مملكة العائلة

الخميس 11 سبتمبر 2025 - الساعة 07:59 مساءً

 

 

 

لم يأتِ رشاد محمد العليمي إلى السلطة من بوابة الشعب، بل من ممرات الرياض. لم يُنتخب، لم يُختبر في صناديق الاقتراع، بل جُلب ليرأس مجلس قيادة رئاسي طُبخ على عجل، بوصاية إقليمية، وبلا رؤية وطنية. لكنه لم يكن وجهاً مجهولاً في الحياة السياسية اليمنية. فعقودٌ من العمل الأمني والسياسي، خصوصًا في موقعه كوزير للداخلية ثم كنائب لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، كانت كافية ليصنع خلالها شبكته الخاصة، وليحجز لنفسه موقعًا ليس فقط في هرم السلطة، بل في قلب الصفقات الغامضة التي غيّرت معالم الدولة.

 

في واحدة من أكثر المراحل حساسية، تولى العليمي مسؤوليات أمنية في خضم الحرب على الإرهاب. وخلف التصريحات الرسمية والتقارير البروتوكولية، كانت هناك وقائع لا تزال حتى اليوم في خانة المسكوت عنه. تقاطعت مسؤولياته مع ملفات عناصر من تنظيم القاعدة، وبرزت حينها اتهامات تتحدث عن تهريبات مقابل مبالغ مالية، وصفقات غير معلنة أُفرج بموجبها عن عناصر خطرة، في توقيت كانت فيه الحرب على الإرهاب شعارًا يُسوَّق خارجيًا، بينما في الداخل كانت الأجهزة تغض الطرف. لم تكن تلك مجرد اتهامات في الهواء، بل أُرفقت بتحركات مالية مفاجئة، وظهور كيانات تجارية وتعليمية تحت سيطرة العائلة. فقد بدأ أبناء العليمي، منذ تلك الحقبة، في بناء موطئ قدمهم المالي، بين شركات ناشئة وجامعة خاصة في صنعاء، ومكاتب تجارية توسّعت لاحقًا إلى الخارج.

 

ما كان نشاطًا متخفيًا في زمن الوزارة، تحوّل بعد توليه رئاسة المجلس الرئاسي إلى مشروع صريح. إمبراطورية عائلية تدار من أعلى الهرم، فيها عبدالحافظ رشاد يتولى إدارة المصالح النفطية، وخالد رشاد يدير الشبكة التجارية، وفاطمة رشاد تقود جمعية "إنسان" لتلقي المساعدات الخارجية باسم الشعب اليمني، دون شفافية ولا تقارير منشورة، في وقت يعيش فيه الشعب أفظع أزمة إنسانية في العالم.

 

في المشهد السياسي الحالي، لا يبدو أن العليمي يكتفي بتوظيف المنصب لصالح العائلة، بل وجد في حزب الإصلاح – الذي له تاريخ معروف من التقاطع مع تنظيم القاعدة – الحليف المثالي. هذا التحالف منح الطرفين غطاءً متبادلًا: الإصلاح يشرعن سلطة العليمي ويمنع أي تغييرات تهدد نفوذه، والعليمي يفتح الطريق أمام رجالات الحزب للتوغل في مفاصل الدولة، خاصة في التعيينات الوزارية والسلك الدبلوماسي. هذا التواطؤ أدّى إلى شلل فعلي في الحكومة، التي باتت عاجزة عن التجديد أو الحركة. حتى حين قدم أحمد بن مبارك استقالته من رئاسة الوزراء في مايو 2025، بعد اعتراض العليمي على تغيير عدد من الوزراء، لجأ الأخير إلى خطوة لا تقل فجاجة: سحب وزير المالية سالم بن بريك وتعيينه رئيسًا للوزراء، بينما بقي منصب وزير المالية شاغرًا، في لحظة اقتصادية شديدة الحساسية، وكأن الدولة مجرد مقاعد قابلة لإعادة التدوير داخل الغرفة المغلقة للعائلة والحزب.

 

في ظل هذا التحالف، لا تمر التعيينات الدبلوماسية إلا عبر نوافذ مغلقة؛ أبناء العليمي يوافقون، وفاطمة تعترض أو تدفع، والإصلاح يزكّي، ليخرج السفراء والوزراء من قوالب جاهزة، لا من مؤسسات الدولة. ما تبقى من المجلس الرئاسي مجرد ديكور سياسي، يُستخدم لتبرير استمرار التسلط، بينما القرارات الفعلية تُصنع بين جدران عائلية وحزبية لا يعرف لها المواطن وجهًا ولا صوتًا.

 

ما يجري اليوم ليس خلافًا بين مكونات، ولا صراع نفوذ عادي، بل هو تمكين ممنهج لعائلة تحالفت مع حزب مأزوم، وورثت كل أمراض الدولة العميقة: من الفساد، إلى التوريث، إلى تقويض فرص الإصلاح الفعلي. رشاد العليمي ليس رجل دولة في زمن الانهيار، بل ربّ عائلة يقود سلطة موازية، تُنهك الدولة وتُفرّغ مؤسساتها، وتمنع أي أمل بقيام نظام وطني شفاف.

 

وما لم يُكسر هذا التحالف القائم بين المال العائلي والغطاء الحزبي، ستظل كل دعوات التغيير مجرد شعارات فارغة. اليمن لا يحتاج إلى مجلس عائلي ولا إلى صفقات مع حزب ارتبط اسمه بتمويل الإرهاب. اليمن بحاجة إلى قيادة تأتي من الشعب، وتحكم باسم الدولة، لا باسم العائلة.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس