استعباد العقول... القاسم المشترك بين الحوثي والإصلاح
الاربعاء 17 سبتمبر 2025 - الساعة 11:57 مساءً
الحوثي والإصلاح يختلفان في الشعارات، لكنهما يتحدان في فن استعباد العقول وتحويل النفوس إلى أدوات مطيعة، حيث يُخنق الفكر الحر ويصبح الولاء مجرد سلاسل تحكمها أيادي الأيديولوجيا.
في خضم الصراعات اليمنية المستمرة، يبدو الحوثيون والإصلاح خصمين متعارضين على المستوى السياسي والأيديولوجي، لكن التحليل الدقيق يكشف تشابهاً مذهلاً في نهج التنفيذ لكليهما. بعيدًا عن الشعارات والخطابات، يتقاطع النهج العملي للطرفين عند نقطة واحدة: استخدام التعبئة المنظمة للنفوس، وتحويل الفكر إلى أداة مطيعة تخدم مشروع كل طرف، سواء كان طائفياً أم حزبيًا.
في تعز، ظهرت اتهامات لحزب الإصلاح بتنظيم محاضرات تفقيهية، سعت إلى تشكيل جمهور مؤدلج يخدم أهداف الحركة خلال الفترة الممتدة حول عام 2019. في المقابل، وفي مناطق سيطرة الحوثيين، وخصوصاً في صنعاء، كانت الجماعة تنفذ برامج مشابهة: محاضرات طائفية، دورات تعبئة، وإجبار الطلاب والأكاديميين على الحضور والمشاركة، بهدف ترسيخ مشروعها العقائدي والسياسي.
هذا التزامن في الأداء ليس صدفة. كلا الطرفين، على الرغم من اختلاف الأيديولوجيا والمرجعية، يستثمران الخطاب الديني أو الفكري كأداة للتأثير على الفرد والمجتمع. الأسلوب واحد: صياغة جمهور يمتثل للمشروع، وتحويل الفكر الحر إلى أداة تنفيذية. هنا يظهر التشابه الواضح بين الحوثيين والإصلاح، ليس على مستوى الهدف أو المرجعية، بل على مستوى الآلية التنفيذية نفسها.
لكن من المهم التأكيد أن هذا التشابه ليس قوة أو ذكاءً يُحتذى به؛ بل هو نهج خاطئ ومضلل أخلاقيًا. استغلال الدين أو الفكر لتشكيل جمهور مطيع، وإخضاع الشباب لعقائد سياسية أو طائفية، يحول الإنسان من كائن مفكر مستقل إلى مجرد أداة تنفيذية، ينسخ الولاء ويقمع الإرادة. الحوثيون يعملون من منظور طائفي، والإصلاح من منظور حزبي وإخواني، لكن كلاهما يسلك طريقًا يمحو حرية التفكير ويعيد إنتاج أجيال مطيعة بدل أفراد واعين.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالتشابه في النهج التنفيذي يعكس منطقًا عمليًا واحدًا في استخدام السلطة والفكر. بغض النظر عن الخلفيات، كلا الطرفين يعرف أن السيطرة على العقول تبدأ بالخطاب المنظّم، وأن النفوس البشرية قابلة للتأثير إذا تم توجيهها عبر قنوات محسوبة بعناية. وفي هذا الإطار، يصبح التشابه بين الممارستين أكثر وضوحًا من الاختلافات الأيديولوجية، وهو ما يجعل تحليل الأداء أهم من مجرد مقارنة الشعارات أو المعتقدات.
وفي الوقت نفسه، يكشف هذا التشابه خطورة مزدوجة: أولاً، أن الأدوات التنفيذية الخاطئة يمكن أن تتقاطع بين خصمين متناقضين تمامًا في الأيديولوجيا؛ وثانياً، أن أي خطاب تعبوي، مهما اختلفت أيديولوجيته، يمكن أن يصبح وسيلة تحكم واستغلال إذا لم يقترن بالقيم الأخلاقية والحرية الفكرية. الحوثيون والإصلاح مختلفان في النية والمشروع، لكنهما يشتركان في آليات تحكم قسرية وتوجيه ممنهج للعقول، ما يجعل كل خطاب ديني أو سياسي وسيلة للسيطرة، لا للتنوير.
وهنا تتجلى المفارقة الكبرى: الأيديولوجيات المتناقضة يمكن أن تتلاقى في وسائل السيطرة العملية، وأن التشابه في التنفيذ يكشف عن واقع أخلاقي ومعرفي مقلق. فبينما تختلف المرجعيات والأهداف، يظهران متشابهان في الطريقة التي يسلبون بها القدرة على التفكير المستقل، ويقنعون النفوس بالولاء الأعمى للمشروع. هذا التشابه لا يعني الوحدة في الهدف، بل يشير إلى وحدة في النهج التنفيذي الخاطئ، ويدعو إلى التحليل النقدي لكل ممارسة تعبئة مهما كانت مرجعيتها.
في النهاية، يمكن القول بلا مواربة: الحوثيون والإصلاح ليسا على نهج واحد عقائديًا، لكنهما بلا شك على نهج واحد خاطئ في الأداء التنفيذي. التشابه بينهما يكشف الوجه المظلم للسياسة والأيديولوجيا، حيث تصبح النفوس أدوات تنفيذية، والفكر وسيلة للسيطرة، لا أداة للوعي أو التنوير.