سلالتي الجمهورية.. وشجرتي سبتمبر وأكتوبر
الاثنين 27 أكتوبر 2025 - الساعة 11:42 مساءً
حين أنظر في مرآة الوطن، أرى أن السلالة الوحيدة التي أفتخر بالانتماء إليها هي سلالة الجمهورية، تلك التي وُلدت من رحم السادس والعشرين من سبتمبر وتروّت بدماء الرابع عشر من أكتوبر. سلالة لا تقوم على الدم أو النسب أو العِرق، بل على المبدأ والإرادة والكرامة الإنسانية. ومن تلك الشجرة المباركة، سبتمبر وأكتوبر، استمدّ اليمنيون جذورهم الحرة، وهويتهم الوطنية الجامعة التي لا تفرّق بين شمالي وجنوبي، ولا بين قبيلي ومدني، بل تجمع الجميع تحت راية المواطنة المتساوية والدولة العادلة.
إن الدستور ليس نصًا جامدًا، بل عقدٌ اجتماعي حيّ بين الدولة والمواطن، بين الماضي والمستقبل. هو الذي يمنح الجميع حقهم في المشاركة والمساواة، ويكسر قيود التمييز التي زرعتها السلالية والعنصرية والمناطقية. فالدستور الاتحادي، كما نصّت عليه مخرجات الحوار الوطني، لم يُكتب لترفٍ سياسي، بل ليكون طريق اليمنيين نحو دولة مدنية عادلة تحفظ كرامتهم وتوزّع السلطة بعدل ومسؤولية.
إن الدعوة إلى اللامركزية الإدارية الموسعة ليست تقويضًا لوحدة الدولة، بل ضمانًا لاستمرارها. فالوحدة الحقيقية لا تُفرض بالقوة، بل تُبنى على العدالة، والعدالة لا تتحقق إلا عندما يشعر كل مواطن أن صوته مسموع وحقوقه مصانة. ومن هنا، تصبح اللامركزية وسيلة لترسيخ الهوية الوطنية الجامعة، لا لتفكيكها.
الهدف ليس الفيدرالية بحد ذاتها، بل الوصول إلى الدولة القومية الوطنية؛ الدولة التي تتجاوز الهويات الصغرى لتصهر الجميع في هوية يمنية واحدة، هوية لا تقوم على الانتماء الجغرافي أو القبلي، بل على الانتماء إلى الدستور وإلى الوطن.
لقد آن الأوان أن ندرك أن الصراع الحقيقي في اليمن ليس بين الشمال والجنوب، ولا بين القبيلة والمدينة، بل بين مشروع الدولة ومشروع السلالة. ولن ننتصر إلا إذا توحدنا خلف مشروع الدولة القومية المدنية الحديثة، تلك التي يحكمها القانون لا العصبية، ويقودها العقل لا الامتياز.
إن الهوية الوطنية الجامعة ليست شعارًا، بل وعي جماعي يتجذر في التعليم والإعلام والقانون. ولهذا، فإن معركتنا اليوم ليست فقط سياسية، بل ثقافية وقيمية أيضًا — معركة وعي ضد الانقسام وضد الطائفية وضد العنصرية.
أنا من سلالة الجمهورية، وشجرتي سبتمبر وأكتوبر، ودستوري هو طريقي إلى أخذ حقوقي وكسر العنصرية، لأن الدولة لا تُبنى على الدم، بل على الحق والمواطنة والمساواة. فلنوحّد صفوفنا في بوتقة الدولة القومية الوطنية، ولنعلن أن الهوية اليمنية الجامعة هي وحدها الباقية، وأن كل من يقف ضدها إنما يقف ضد روح الجمهورية نفسها.
من الدستور نبدأ، ومن الجمهورية ننهض.













