اللجنة الوطنية للتحقيق.. ذراع سياسية لتبييض الانتهاكات في تعز ومأرب
الاربعاء 29 أكتوبر 2025 - الساعة 10:13 مساءً
في الوقت الذي أُنشئت فيه اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان بقرار جمهوري صادر عن الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، كان الهدف المعلن هو توثيق ورصد الانتهاكات التي تُرتكب من قبل مليشيات الحوثي، وكذلك من قبل المؤسسات العسكرية والأمنية التابعة للشرعية أو الجماعات الدينية المسلحة التابعة لها.
غير أن الواقع داخل اللجنة، وخاصة في فرعها بمحافظة تعز، كشف عن ازدواجية خطيرة تمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ الحياد والاستقلال الذي يفترض أن تقوم عليه أي لجنة تحقيق في مجال حقوق الإنسان.
عقيد في الجيش وراصد في اللجنة له الكلمة العُليا
يُعد حمود سعيد الذيب نموذجاً صارخاً لهذه الازدواجية؛ فهو عقيد في الجيش اليمني ومسؤول قانوني في محور تعز العسكري، وفي الوقت نفسه يعمل راصداً في اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان.
كيف يمكن للجنة أن تحقق في الانتهاكات التي ترتكبها الألوية العسكرية والأجهزة الأمنية في تعز، بينما بعض أعضائها ينتمون إلى هذه الجهات نفسها؟
بل كيف يمكن لراصد في اللجنة أن يتعامل بموضوعية في قضايا يكون فيها زملاؤه في الجيش طرفاً في الانتهاك؟
الأدهى أن محور محافظة تعز العسكري، الذي يشغل فيه الذيب منصب المسؤول القانوني، يُعد من أكثر المؤسسات الأمنية والعسكرية تورطاً في الانتهاكات داخل المحافظة، فضلاً عن أن كثيراً من القتلة والمطلوبين أمنياً يعملون تحت قيادته. وهكذا تتحول اللجنة، بدلاً من أن تكون أداة للعدالة، إلى وسيلة لتبييض الجرائم وتسهيل الإفلات من العقاب.
اللجنة تحت هيمنة حزب الإصلاح
يتحمل مجلس القيادة الرئاسي المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة الإدارية والأخلاقية، لأن اللجنة تتبعه مباشرة.
كما ان أعضاء في اللجنة واغلب العاملين فيها ينتمون إلى حزب الإصلاح، وهو الحزب الذي تُوجَّه إليه اتهامات واسعة بارتكاب انتهاكات ممنهجة في تعز ومأرب.
من بين هؤلاء الأعضاء والعاملين في مجال التحقيق والرصد، إشراق المقطري، عضوة اللجنة، التي تولت إنشاء فرعها في تعز بطلب من قيادة حزب الإصلاح. اشراق التي تدعي زورا وبهتاناً انها اشتراكية تعمل بكل ما آتاها الله من قوة في خدمة الإصلاح.
ماهر العبسي، راصد في اللجنة، وتم اختراع منصب حكومي خاص له باسم “مدير عام الحصار” إلى جانب عمله في اللجنة! مدير عام الحصار! اي استخفاف بعقولنا واي استهتار هذا الذي يحدث.
نور الدين المنصوري، وعادل الصهيبي، وكلاهما ينتميان إلى الحزب ذاته.
أما حمود الذيب، والذي يُعتبر المتحكم الفعلي بفرع اللجنة في تعز، إذ تُرفع إليه تقارير الرصد والتحقيق قبل أن تُحال إلى مقر اللجنة الرئيسي في عدن. بمعنى آخر هو من يوافق على اي القضايا تستحق الرفع واي القضايا لا.
وبهذا، يتحول فرع اللجنة في تعز إلى غطاء سياسي لتنظيف سجل حزب الإصلاح من الانتهاكات، لا إلى جهة تحقيق مستقلة، خاصة أن عمل اللجنة في الأصل لا يتطلب فروعاً في المحافظات، إذ يعتمد على الراصدين الميدانيين فقط.
حين صمتت اللجنة تكلمت الانتهاكات
كان يُفترض باللجنة الوطنية للتحقيق أن تكون صوت الضحايا لا صدى للسلطة، وأن تتحول إلى نموذج وطني يُحتذى به في رصد الانتهاكات ومناصرة حقوق الإنسان.
لكن أين هي تقاريرها الدورية التي تُوضح للرأي العام حجم الجرائم والانتهاكات، وتُحمّل الأطراف المتورطة مسؤولياتها؟
أين معارضها التوثيقية التي تُعرض فيها صور الضحايا وقصصهم لتذكّر المجتمع والعالم بأن العدالة لا تموت بالتقادم؟
أين مؤتمراتها وندواتها التي يفترض أن تنتصر للضحايا لا أن تُبرّر للجناة؟
لقد انحصر عمل اللجنة في توثيقٍ يُدفن ولا يُنشر، وتوصياتٍ تُكتب لتُنسى، بينما يزداد عدد الضحايا يوماً بعد آخر، ويترسخ الإفلات من العقاب.
وهكذا، تحولت اللجنة التي وُلدت باسم العدالة إلى جهاز توثيقٍ صامت يعمل وفق أجندة سياسية، يُخدّر الضحايا بدلاً من أن يرفع أصواتهم، ويُجمّل صورة الجناة بدلاً من أن يُدينهم
شهادة من الداخل
في عام 2017، حين كنتُ أشغل منصب المسؤول الإعلامي للجنة في عدن، رافقتُ عضو اللجنة إشراق المقطري وفريق المحققين في نزول ميداني إلى مدينة مأرب، للتحقيق في الانتهاكات التي يتعرض لها أطفال حوثيون تم أسرهم من الجبهات.
ما حدث هناك كان صادماً لي: تم جمع الأطفال المعتقلين داخل زنزانة واحدة، ودخل معنا عدد من السجانين ملثمين أثناء التحقيق. لم تطلب إشراق المقطري ولا أي من أعضاء الفريق خروجهم من الغرفة، وتم التحقيق بوجودهم!
أي حياد يمكن الحديث عنه في ظل هذا الوضع؟
وقبل وصولنا مأرب، طالبتُ بأن نسكن في فندق بعيداً عن المجمع الحكومي التابع لمحافظ مأرب سلطان العرادة، حفاظاً على استقلال اللجنة، لكن طلبي هذا قوبل بالرفض بحجة عدم توفر غرف في الفنادق.
وفي اليوم التالي، لبّت اللجنة دعوة المحافظ العرادة إلى منزله حيث أقام لنا وليمة فاخرة، جلس بعدها يتحدث بفخر عن تفاهماته ومصالحه المشتركة مع الحوثيين، بما فيها تبادل المشتقات النفطية ومنافع أخرى سوف اتحدث عنها لا حقاً.
ما شهدته بنفسي يكفي للتأكيد أن اللجنة الوطنية، التي وُلدت لتكون أداة للعدالة، تحولت في الميدان إلى أداة سياسية بيد حزب الإصلاح، تعمل على غسل الانتهاكات بدلاً من كشفها، وتحمي الجناة بدلاً من محاسبتهم.
وهكذا، لم تعد اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان سوى واجهة رسمية لتبرير جرائم الأطراف المتصارعة، خصوصاً تلك التابعة للشرعية وحزب الإصلاح.













