قرارات الخدمة المدنية: بين تطلعات الخريجين وواقع الموازنة

الاحد 16 نوفمبر 2025 - الساعة 10:59 مساءً

 

يا قلب لا تحزن، ولكن كيف لا نتوقف ملياً ونحن نرى التطلعات تُبنى على غير أساس، والأحلام تُستخدم في غير محلها؟

 

كيف واليوم نتلقى رسائل إيداع راتب أغسطس ٢٠٢٥م ..

 

المهم مالنا دخل بذلك، خلونا نقف على التوظيف الجديد!!!

 

أتلقى كغيري من المسؤولين والأكاديميين والمهتمين، العديد من استفسارات الخريجين، خاصة من الأقسام الطبية، حول إعلانات عن درجات وظيفية جديدة، هذا الاهتمام المتزايد من شبابنا يجعلنا نشعر بمسؤولية مضاعفة تجاه مستقبلهم، ويجعلنا نطرح الأسئلة بجدية.

 

ففي الوقت الذي نثمن فيه أي جهد لتوظيف الشباب، نجد أنفسنا أمام مشهد يدعو للتساؤل، حيث ان الإعلان عن آلاف الدرجات الوظيفية وتسويات طال انتظارها هو خبر مفرح نظرياً، ويستحق التقدير، ولكن... عن أي غطاء مالي نتحدث؟

 

وهنا تكمن المفارقة الإدارية والمالية الكبرى؛ يأتي هذا الكرم الوظيفي في وقت تعاني فيه كل الوحدات الحكومية من تأخير صرف مرتبات موظفيها الحاليين، والموظف الذي أفنى عمره في الخدمة يجد صعوبة في تأمين التزاماته الأساسية.

 

إن أبسط قواعد الإدارة المالية الرشيدة، بل والمبادئ القانونية للموازنة العامة، تقضي بأن الأولوية هي للوفاء بالالتزامات القائمة قبل خلق التزامات جديدة، وإن خلق التزام مالي جديد (رواتب الموظفين الجدد) دون وجود موازنة معتمدة ومصادر تمويل واضحة، هو إجراء يخالف منطق التخطيط المالي السليم.

 

ومما يزيد المشهد تعقيداً ويثير قلقاً أكبر، هو ما يتردد في بعض الكواليس من شائعات نتمنى بصدق ألا تكون صحيحة، تذهب إلى أن هذه القرارات المتسرعة قد لا تنطلق من دراسة فنية أو حاجة إدارية ملحة، بقدر ما قد تكون مرتبطة بسياق مناكفات سياسية ربما مع رئاسة الوزراء أو جهات أخرى.

 

وهنا، نحن لا نجزم بصحة هذه الأقاويل، ولكننا نؤكد على أن مجرد تداولها يضر بهيبة المؤسسة ويضع علامات استفهام مقلقة.

 

إن استخدام ملف التوظيف، وآمال آلاف الخريجين، وحقوق الموظفين، كورقة في أي خلاف سياسي أو إداري هو سلوك، إن حدث، فإنه يمثل كارثة أخلاقية تتنافى بشكل صارخ مع أبسط أخلاقيات الوظيفة العامة قبل ان تكون كارثة إدارية، مستقبل الشباب وحياة الموظفين يجب أن تبقى في مكانة أسمى وأرفع من أن تكون أداة لتصفية الحسابات.

 

هذا الوضع يُحول الأمل المشروع للشباب من فرصة حقيقية إلى مصدر قلق إضافي، نحن لا نلوم الشاب الباحث عن عمل، بل نتساءل عن الآلية التي تُدار بها هذه الوعود، إننا نخشى أن يتحول تطلع الشباب إلى الأمان الوظيفي إلى مجرد ورقة تُستخدم في سياقات لا تخدم مستقبلهم.

 

إن ما نفعله بهذه القرارات غير المدروسة مالياً هو إطلاق أمل غير مغطى برصيد، قد يرتد على الجميع، ويزيد من تعقيد المشهد الإداري بدلاً من حله.

 

كفى استغلالاً لحاجة الناس.

 

الموظف القديم يريد راتبه كحق أصيل يكفله القانون، والشاب الجديد يريد وظيفة حقيقية بموازنة معتمدة، لا سراباً يتبدد عند أول استحقاق مالي.

 

إننا ندعو وزارة الخدمة المدنية، ومعالي الوزير، إلى الخروج بإيضاحات شفافة:

 - ما هو السند القانوني والمصدر المالي لهذه التوظيفات؟

 - هل تم اعتماد هذه المبالغ في الموازنة العامة؟

 - ما هي خطة الوزارة لحل مشكلة الرواتب المتأخرة للموظفين الحاليين بالتوازي مع أي توظيف جديد؟

 

وكم نتمنى، كما ذكرنا سابقاً، أن يخرج معالي وزير الخدمة ليوضح للجميع حقيقة الأمر، وأن ما يتردد هو مجرد شائعات، وسنكون أول الشاكرين له على هذا التوضيح المنتظر./

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس