سلامٌ يتجاهل الحقيقة… وحربٌ مستمرة
الاحد 16 نوفمبر 2025 - الساعة 11:13 مساءً
وأنا أتابع بيان مجلس الأمن الأخير، لم يكن الأمر صادمًا للكثير من المثقفين والأكاديميين اليمنيين بقدر ما كان مخيبًا للآمال. المجلس، الذي يطالب اليوم بضرورة الدفع نحو السلام، ويكرر عباراته المعتادة بأن اليمن "لا يمكن أن تُحل عسكريًا" لكنه لا يقول إن الحوثي هو من حسمها عسكريًا ضد المدنيين. لا يقول إن آلاف العائلات شُردت بسبب المليشيا. لا يقول إن السلام الذي يطالب به يحتاج قبل كل شيء طرفًا مستعدًا للسلام أصلًا..
وحين تخرج بيانات دولية تبدو حيادية باردة أمام واقع دامي، يشعر اليمني أن العالم يتعامل مع المجرم والضحية باعتبارهما “طرفين متنازعين”، لا باعتبار أحدهما قاتلًا والآخر شعبًا يبحث عن الحياة. كما أنه ، يتجاهل حقيقة يعرفها كل اليمنيين: الحرب لم تكن خيارهم، ولا قرار الدولة الشرعية، بل فرضتها جماعة الحوثي بالسلاح منذ الانقلاب، ورفضت كل مبادرات السلام منذ اللحظة الأولى، ومع ذلك تم التعامل معها وكأنها طرف بريء في النزاع.
هذه الطريقة في صياغة الخطاب الدولي تعطي انطباعًا مزيفًا بأن الأطراف جميعها تتحمل المسؤولية بالتساوي، وكأن اليمنيين الذين دافعوا عن الدولة والمواطنين هم طرف فاعل في إشعال الحرب، وليس الجماعة المسلحة التي اجتاحت المدن وقتلت وشردت الملايين وفرضت واقعًا جديدًا بالقوة. إن مثل هذا التناول ليس حيادًا، بل منح الحوثي رسالة ضمنية بأنه يمكنه التمادي في العنف دون أي ثمن سياسي حقيقي، فيما تبقى الدولة الشرعية والمجتمع اليمني في موقع الدفاع عن البقايا المتبقية من المؤسسات والحياة الطبيعية.
تجاوز مجلس الأمن لهذه الحقيقة الأساسية يجعل كل دعواته للسلام مجرد بيانات أنيقة، بلا أدوات ضغط، بلا رؤية للتعامل مع جذور الأزمة، وبلا أي قدرة على فرض احترام القانون الدولي. والنتيجة، حرب مستمرة، ومدن تحت القصف، وأطفال يعيشون الجوع والخوف، وأسر فقدت كل شيء. الحوثي، الذي أعلن مرات عديدة دعمه لقضايا خارجية مثل غزة، لا يفعل ذلك من منطلق إنساني، بل لاستثمار سياسي وتوسيع نفوذه، بما في ذلك استهداف السفن التجارية والطرق البحرية، وكل ذلك بينما المجتمع الدولي يكتفي بالتصريحات، ويعيد تدوير ذات السياسات دون مراجعة.
كما أن الجولات والاجتماعات الخارجية، من ورش "إعلاميي السلام" إلى المؤتمرات الدولية، لم تغير شيئًا. المشاركون فيها غالبًا وجوه متكررة، لا تمثل الواقع على الأرض، بينما الشباب الذين خاضوا المعارك الحقيقية، والنساء اللواتي تدافع عن أسرهن، والنازحون الذين فقدوا كل شيء، وأسر الشهداء الذين ضحوا بأبنائهم، كل هؤلاء خارج الصورة تمامًا. وهذا يعني أن السلام الذي يُناقش في الخارج لا يعرف من هم اليمنيون ولا ماذا يريدون، بل يصاغ وفق مصالح الأطراف النافذة والوسطاء الدوليين.
سلام كهذا، بلا محاسبة، بلا مشاركة فعلية للمجتمع، بلا اعتبار لتضحيات المدنيين، وبلا مشروع للدولة، ليس سوى وصفة لاستمرار الصراع. كلما طال تجاهل هذه الحقيقة، ازداد الحوثي قوة، وازدادت المأساة حجمًا، حتى يصبح السلام مجرد شعار فارغ يُتداول في بيانات أممية دون أثر على الأرض.
اليمنيون بحاجة لسلام يبدأ من الاعتراف بالمسؤوليات، ويستمع لمن خاضوا المعارك، ويعيد حقوق الضحايا، ويضع حدًا لانتهاكات الحوثي، لا أن يواصل التعامل مع المليشيا كما لو كانت طرفًا متساويًا في الأزمة. السلام الحقيقي لن يولد من بيانات أنيقة في نيويورك أو جنيف، بل من إرادة واضحة، وضغط دولي حقيقي على من يرفض السلام، ومشاركة حقيقية لكل من عانى من الحرب.
حتى يتحقق ذلك، سيظل اليمنيون يدفعون الثمن، وستستمر الحرب في كل محافظة، وستظل البيانات الدولية مجرد كلمات جميلة لا تغني عن دموع الملايين ولا عن حقهم في وطن آمن ومستقر.














