اليمن والسنوات العجاف ..

الاربعاء 19 نوفمبر 2025 - الساعة 09:15 مساءً

 

أكثر من إحدى عشر عام من الحرب مرت على اليمن لا يمكن حساب رصيدها بمنطق الموازين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إحدى عشر عام عصفت باليمن وكيانه السياسي وساهمت في تفكيك وحده شعبه الوطنية، وادخلته في دوامة من الصراع الداخلي وفي عجز دائم عن مواجهة تحديات التنمية والتطور، من دون أن تفتح طريقاً للخلاص من الجحيم الذي سببتها سياسات الهيمنة _لدول التحالف العربي والمشروع الإيراني _  ،  إحدى عشر عام كفعل الزلزال أدخلت اليمن في دوامة من الصراع الإقليمي المتعدد الأوجه أيضاً، وأدوات إلى إغراق كيانه الوطني في حزمة من المشاكل في شتى الميادين، وإلى خلق واقع شديد التعقيد يصعب إدراك عمق الهاوية، كل ذلك كان ولا يزال يعوم على بحر من الدماء والدمار وغياب الإرادة وغموض الحاضر والمستقبل. 

 

إحدى عشر عام لا يمكن حساب تفاصيلها وتعداد دلالاتها بالأرقام وغيرها، فقد تحولت اليمن في ظل غياب القرار السياسي والحكومات الوطنية، إلى رقم مجهول الهوية والمعالم، وأضحت واحدة من اقدم الدول العربية تتموضع في حالة دولة فاشلة ، والمتقدمة في ترتيب الدول الأكثر فساداً في العالم، وتسجل أرقام مفجعة للعنف والانتهاكات في حقوق الإنسان ،  إلى جانب غياب وتدهور الخدمات الأساسية للمواطنيين وفي المقدمة منها خدمات الصحة والتعليم والكهرباء.... الخ. 

 

ولأجل التمكن في إحكام السيطرة والهيمنة على اليمن فقد أقدمت دول التحالف العربي على تدمير الشرعية الدستورية واستبدالها بمجلس القيادة الرئاسية بلا عقيدة وطنية، وتم تقاسم اعضاء المجلس بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة متساوية، وفرضت على الشعب عملية سياسية مشوهة المعالم، ونظام هجيناً كتب من خارج اليمن، نظام سياسي مثقلاً  بالكلمات البراقة ولكنه ملغم بعناصر لتفجير كل مقومات النسيج الوطني، و ليؤسس لتناقضات وتعقيدات داخل بنية الدولة والمجتمع اليمني وليساهم في تشويه وطمس الهوية اليمنية، نظام سياسي شرع وفق منطق المحاصصة المناطقية والحزبية ليظل عملية سياسية عرجاء مزعومة لم ولن تستقيم أمورها، بل ليساهم في تكريس التجاذبات السياسية في شكل الهيئات السيادية للدولة وعلى مستوى مشاريع الهيمنة على موارد اليمن الحيوية. 

 

ولا يبدو من السهولة بمكان عند المعاينة الوضع الراهن في اليمن و اكتشاف حجم الكارثة التي خلفتها الحرب وتداعياتها على الفرد والمجتمع، وعلى الكيان الوطني عموماً وبوجه خاص مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية، فالسنوات الماضية كانت حرثاً سلبيا في كل مرافق الحياة، ولا يمكن أن تجتمع بتوصيف إلا بوصفها كارثة قومية كبرى افضت إلى أبعاد اليمن أولا من محيطه القومي وباتجاه تنفيذ مشروع استعماري قديم بتقسيم اليمن إلى كيانات ضعيفة ستصبح لا حقا تابعة للقوى الإقليمية ودولية، والتمكن من إدخال الفوضى لكي يتحول البلد بأسره إلى مجتمع متخلف مستهلك غير منتج، ومستورد لكل حاجاته الأساسية، بعد تدمير مرافقه الصناعية وتفكيك بنية الدولة الخدمية وتعجيزها عن اداء دورها في خدمة المواطن والمجتمع. 

 

استمر تنفيذ هذا المخطط منذ أول يوم من سقوط الدولة والانقلاب على الشرعية في 21/9/2014 ودخول اليمن في حرب وزراعة جرثومة الفساد في بنية الدولة ورعايتها، وتلاشت الوعود في استعادة الشرعية وبناء يمن ديمقراطي كما كان يريد ذلك في بداية عاصفة الحزم، تحقق الهدف الأساسي فقط - الهيمنة على ثروات اليمن - وانشاء حكومات فاسدة واستخدامها كأداة، والتحكم بسواحل اليمن العريضة، بعد أن كانت اليمن من الدول المصدرة للنفط والغاز يومياً أصبح اليوم عاجز على توفير الطاقة الكهربائية المواطنين، وبلد يحصد موارد نقدية هائلة ولكنه يتموضع في خانه أكثر الدول في العالم من حيث التخلف في تقديم الخدمات الأساسية لشعبها. 

 

وحين يقف المرء اليوم لينظر خلفة إلى السنوات الماضية، فليس في ذاكرته الا تفاصيل حصاد مر في كل المرافق، وحجم التدمير الذي تتفاعل آلياته سواء بالاستبداد أو بالفساد أو سوء الإدارة، وإلى حجم المعاناة اليومية للمواطن اليمني الذي يسعي لتوفير حاجاته الأساسية اليومية وفي مقدمتها الأمن الذي غاب بعيداً وأضحى حلماً صعب المنال في ظل الحكومات الفاسدة التي ساهمت في تكريس الفساد وتمكنت في الهيمنة على مرافق الدولة عبر منظماتها ومليشياتها الخاصة. 

 

وبعد إحدى عشر عام لم يبقى مايمكن أن يتوارى أو يتم إخفاؤه على المجتمع الدولي من فضائع و جرائم ارتكبها الفئات المتصارعة في اليمن فقصص التعذيب والاخفاء القسري في سجون جماعة الحوثي أصبحت تسجل بالسجلات السوداء في تاريخ اليمن، فالسجل الاسوء لقضايا حقوق الإنسان خلال السنوات الماضية أصبح جزء من الإرث السيئ للسلوك القمعي الذي خلفته الحرب في اليمن. 

 

إحدى عشر عام من الحرب كانت بالنسبة إلى اليمنيين سنوات لا يمكن عد أيامه السوداء ولا حجم الدماء التي سألت فيه ولا العذاب التي عصفت بالمجتمع بكل فئاته ، سنوات تكشف فيها يوماً بعد آخر دوافع تلك الحرب والقوى التي تقف وراءها، والأهداف أصبحت واضحة وهي تدمير اليمن وإدخاله في دوامة من الصراع. 

 

إحدى عشر عام والمواطن اليمني يعيش بين كماشتين فلا صنعاء استقرت ولا عدن عاشت، فمن يحكم صنعاء هي عصابة إجرامية وأدوات للمشروع الإيراني، ومن يحكم عدن هي عصابة فساد متناحرة على تحقيق المصالح وأدوات رخيصة لدول إقليمية. 

 

إحدى عشر عام من عمر اليمن قد تعني الكثير والكثير لابناء هذا الجيل، نظراً إلى حجم الأهوال التي عاشوها ومازالوا يعيشونها كل يوم، ولكن تلك السنوات في عمر الشعوب ربما لا تعني شيئاً، إلا بقدر ما تحمله من عبر ودروس لهذا الجيل والأجيال المقبلة. 

 

اليمن في حجم تأريخه العريق ومسيرة حضاراته العظيمة المتوالية من حضارة سبأ واوسان ومعين والاحقاف، وما قدمتها إلى البشرية من عطاء فكري وإنجاز فلسفي وإبداع علمي، جدير بأن ينهض مجدداً ليعيد مجده وليواصل نهوضه وتقدمه.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس