سياسة بلا معنى..

الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 - الساعة 11:35 مساءً

 

غياب التمايز السياسي وعجز المكونات السياسية عن إنتاج بدائل وطنية

تعيش الساحة السياسية حالة من الترهل، حيث يتلاشى التمايز الحقيقي بين مكوّنات القوى السياسية على اختلاف مرجعياتها وتوجهاتها. فالإسلامي، والسلالي، والليبرالي، واليساري، والقومي، باتوا اليوم أقرب إلى بعضهم في أنماط الأداء ومظاهر الخلل، أكثر مما هم مختلفون في البرامج والرؤى والمشاريع الوطنية. الجميع، دون استثناء، يرزح تحت الإشكالية ذاتها: تغوّل الشللية داخل الأحزاب، وانكماش العمل المؤسسي، وتهميش القيادات والكوادر القادرة على إنتاج قراءات متعددة، وصياغة قرارات رشيدة تعكس تنوع المجتمع وتعقيد واقعه.

 

هذه البنية المغلقة والمأزومة لا تُفرغ الحياة الحزبية من مضمونها فحسب، بل تجعل أي تقارب جاد بين تلك القوى أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً. فمن يعجز عن بناء انسجام داخلي صحي، وعن إدارة الخلاف داخل مكوّنه السياسي بروح مؤسسية، لن يكون قادراً على بناء شراكة وطنية حقيقية مع الآخرين. وهكذا تتحول المبادرات والبيانات الصادرة عن هذه القوى إلى مجرد نصوص إنشائية، أشبه بحبر على ورق، تفتقر إلى البعد الوطني بوصفه معنى وممارسة، ولا تحمل مضموناً يعكس إرادة صادقة في الشراكة، أو رغبة حقيقية في إنتاج حلول واقعية لأزمات الوطن.

 

إن غياب التنوع الفعلي داخل الهياكل القيادية حرم الساحة السياسية من أدوات تعبير قادرة على تمثيل المجتمع بثرائه واختلافه، كما أدى إلى غياب أي مساعٍ جادة للحوار أو التقارب بين الأطراف المختلفة. وما يبدو للشارع من حدة في الخطاب وتصلّب في المواقف، ليس سوى انعكاس مباشر لعجز هذه القوى عن بلورة مسار سياسي سليم، رغم وجود هياكل رسمية يُفترض بها أن تُفعّل الحياة السياسية وتدير شؤون الدولة بمسؤولية وحكمة.

 

لقد أُديرت المرحلة السياسية الماضية بخفة مفرطة، وسذاجة في التقدير، وانتهازية رخيصة في الممارسة. فكانت النتيجة منطقية ومتوقعة: فراغ سياسي واسع، وضعف في الفاعلية، وتآكل مستمر في ثقة الناس. ولذلك فإن أي مراقب واعٍ لم يكن ليتوقع مخرجات مختلفة من منظومة لم تستثمر يوماً في بناء عمل مؤسسي راسخ، ولم تمنح الوطن ما يستحقه من رؤية عميقة، ومسؤولية وطنية، والتزام أخلاقي تجاه مستقبل الدولة والمجتمع.

*

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس