حرب اليمن ... الأطفال يدفعون ثمناً باهظاً
الخميس 06 ابريل 2017 - الساعة 05:42 صباحاً
المصدر : الحياة
صنعاء-- عادل عبدالله
كان الطفل أحمد حسن (خمس سنوات) المصاب بسرطان الدم يخضع مطلع العام 2015 للعلاج في مركز الأمل الخيري لعلاج الأورام بمحافظة تعز، لكن الحرب الدائرة في اليمن والتي دخلت عامها الثالث حرمته من هذا الحق بعد أربعة أشهر من بدء العلاج.
أحمد كغيره من مرضى السرطان كان يحصل مجاناً على العلاج الذي يوفره المركز الوطني لعلاج الأورام للمرضى في المركز الرئيس بالعاصمة صنعاء وفروعه في ست محافظات يمنية بينها تعز، غير أن قدرة المركز على توفير الأدوية تضاءلت خلال عامي 2015 و2016 لعجز السلطات في اليمن عن رصد المخصصات المالية اللازمة لشرائها، ما أجبر أسرة أحمد وآلاف المرضى على التوقف عن العلاج وانتظار الموت المحقق، لعدم قدرة هؤلاء المرضى على تحمل النفقات على حسابهم.
يقول والد أحمد «الأوضاع التي نعيشها في اليمن بسبب الحرب، جعلتني أقف عاجزاً عن شراء العلاج لابني، والذي يكلف شهرياً نحو 115 ألف ريال يمني (350 دولاراً)، منذ شهر أيار (مايو) 2015 حتى شهر شباط (فبراير) 2016، عندما حصلنا على مساعدة للعلاج.
غير أن الأطباء وفقاً لوالد أحمد الذي تحث إلى «الحياة» أكدوا تعرضه لانتكاسة طبية خطيرة، وأن هذا التوقف أدى إلى نشاط الخلايا السرطانية وانتشارها في أجزاء متفرقة من جسمه، وهو الآن يخضع لعلاج مكثف، لكن وضعه الصحي غير مستقر.
هذه المأساة لا تقتصر على الآلاف من مرضى السرطان، وأكثر من 1700 مريض بالفشل الكلوي، وأمراض القلب والسكري وغيرها من الأمراض، التي كانت الحكومة تتكفل بتوفير علاجها للمرضى مجاناً، لارتفاع أسعارها وعجز المرضى عن توفير ثمنها بصورة مستمرة، بل امتدت لتشمل المصابين بالأمراض السارية، لتراجع نشاط القطاع الصحي إلى مستويات متدنية، وعدم القدرة على توفير تكاليف العلاج مهما كانت بسيطة.
فالأوضاع الإنسانية والمعيشية في اليمن تفاقمت خلال عامي الحرب بسبب اتساع دائرة البطالة وتوقف صرف مرتبات موظفي الدولة، حيث «بات 1.25 مليون موظف حكومي، ومن يعولونهم (قرابة 6.9 مليون شخص) من دون أي دخل يُذكر بسبب توقف صرف الرواتب، إلى جانب تعليق المعونات النقدية الحكومية للفقراء والتي كان يستفيد منها 8 ملايين شخص»، وفق تقرير حديث أصدرته منظمة «يونيسيف».
لم تعد المشكلة حصراً على موظفي الدولة الذين انقطعت مرتباتهم، ولكنها شملت أيضاً وفق التقرير «العاملين في الأنشطة الزراعية والسمكية وتربية الماشية والتي نالت نصيبها من الدمار في الحرب، بعد أن كانت تستوعب أكثر من نصف القوى العاملة وتعد بمثابة المصدر الرئيسي لمعيشة ثلثي السكان»، إضافة إلى مئات الآلاف من العمال الذين فقدوا أعمالهم، حيث تشير التقديرات الدولية إلى أن نحو 70 في المئة من العمالة لدى شركات القطاع الخاص سرحت من أعمالها.
وتؤكد منظمة «يونيسيف» أن 18.8 مليون يمني أصبحوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم 10.3 مليون بحاجة ماسة الى مساعدات عاجلة، وهو ما يعني أن العلاج أو التطبيب لم يعد ضمن أولويات هذا العدد الكبير من السكان.
ويعد النظام الصحي في اليمن أحد القطاعات التي لحقها ضرر كبير، حيث تؤكد المنظمات الدولية أن أكثر من 50 في المئة من المرافق الطبية باتت خارج الخدمة جراء الحرب وعجز الحكومة عن توفير النفقات التشغيلية وأجور العاملين، وقال الدكتور نيفيو زاغاريا، القائم بأعمال ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن «أن أكثر من 14.8 مليون شخص فقدوا فرص الوصول للخدمات الصحية»، ووفق موقع المنظمة قال الدكتور زاغاريا إن «غياب التمويل اللازم سيؤدي إلى مزيد من التدهور في الوضع الصحي».
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن 45 في المئة فقط من المرافق الصحية لا تزال تعمل بكامل طاقتها، و38 في المئة من المرافق الصحية تعمل جزئياً، فيما توقف العمل تماماً في 17 في المئة من هذه المرافق، مشيرة إلى أن المرافق الصحية في اليمن لم تتلق أي دعم مالي لتغطية التكاليف التشغيلية ورواتب الموظفين لأكثر من 6 أشهر، وقالت المنظمة عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، إن حوالى 14.5 مليون شخص يفتقرون للمياه النظيفة وخدمات الإصحاح البيئي والنظافة الصحية، ما أدى إلى زيادة أخطار الأمراض المعدية كالإسهال المائي الحاد والملاريا والجرب.
وبالطبع الأطفال يدفعون الثمن الأكبر لهذه الحرب من دمائهم، حيث تؤكد مصادر طبية يمنية أن الأطفال الذين يخضعون للعلاج يواجهون أخطاراً كبيرة بسبب النقص الشديد في الأدوية، وتقول المصادر إن علاج الالتهابات العادية جداً أضحى توفيره أو الحصول عليه أمراً صعباً، نظراً الى تدهور أوضاع المستشفيات وانعدام أبسط الإمكانات، وتوقف صرف مرتبات العاملين في القطاع الصحي، الذين يجدون صعوبة بالغة في توفير أجور الانتقال لمقار أعمالهم. كما تسببت الحرب في إلحاق دمار واسع النطاق في البنية التحتية لقطاع المياه والإصحاح البيئي، ما شكل أخطاراً صحية جدية على حياة السكان، خصوصاً صغار السن من الأطفال، ممن تزداد احتمالات تعرضهم لسوء التغذية بسبب أمراض الإسهالات، الناجمة عن نقص المياه النقية وخدمات الإصحاح البيئي الملائمة، وتؤكد تقارير» يونيسيف» أن 14.5 مليون شخص، من ضمنهم أطفال، لا يستطيعون الوصول إلى مياه شرب آمنة وخدمات إصحاح بيئي ملائمة، منهم 8.2 مليون شخص في حاجة ملحة لتلك الخدمات.
مع تشتت الاهتمام العالمي بين الأزمات، باتت اليمن أزمة منسية في نظر الناطق باسم منظمة «يونيسيف» محمد الأسعدي الذي يرى أن «الحرب المتصاعدة في اليمن ألحقت تأثيرات كارثية على الأُسر والأطفال، ومن دون تقديم مساعدة عاجلة ومباشرة من جانب المجتمع الإنساني تبقى حياة 9.6 مليون طفل يمني مهددة (أي قرابة 80 في المئة من مجموع السكان دون سن 18 سنة).
وأكد الأسعدي في حديث إلى «الحياة» أن «2.2 مليون طفل يمني مصاب بسوء التغذية العام، منهم 462000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم»، وقال محذراً: «الأعداد تتزايد بوتيرة سريعة، فهناك طفل واحد على الأقل يموت كل عشر دقائق بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، مثل سوء التغذية والاسهالات، وأمراض الجهاز التنفسي، وأن طفل من كل طفلين يعاني من التقزم».
وأضاف: «الأطفال المصابون بسوء التغذية الحاد الوخيم، أكثر عرضة للوفاة، وبمقدار عشر مرات قياساً بغيرهم من الأطفال الأصحاء، ما لم يتم تقديم التدخلات العلاجية اللازمة لهم في الوقت المناسب»، مشيراً إلى أن «سوء التغذية الحاد يضعف جهاز المناعة ويجعل الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، ويعاني الأطفال المصابون بسوء التغذية الحاد من التقزم مدى الحياة، وضعف في القدرات الذهنية والإدراكية».
وعن دور «يونيسيف» في مواجهة هذه الأخطار يقول الأسعدي «تمكنا العام الماضي من دعم علاج ما يزيد على 220 ألف طفل تحت سن الخامسة من سوء التغذية الحاد الوخيم، إلى جانب تقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية لما يزيد على مليون طفل و558000 امرأة حامل ومرضع، كما تم تطعيم أكثر من 4.8 مليون طفل ضد شلل الأطفال، وحصل 650430 طفلاً على جرعة اللقاح ضد الحصبة، وحصل زهاء 4.1 مليون طفل دون الخامسة على مكملات المغذيات الدقيقة».