قراءة نقدية: ثورة11/ فبـرايـر أين الخلل؟ (2)
السبت 13 مايو 2017 - الساعة 04:55 صباحاً
فهمي محمد عبدالرحمن
مقالات للكاتب
1-شــباب الثــورة يفـجرون الــفــعــل الثوري ويــتخلــون عــن قــيــادة الــثورة
اول إخفاق في معادلة الصراع خسرته ثورة 11/ فبراير ، وصبت نتيجته ، في مصلحة النظام السياسي الحاكم ، هو أن الثورة عجزت عن إفراز قيادة ثورية شابة من داخل أوساط الجماهير الثائرة تقود الثورة بعيداً عن مراعاة الانتماء الحزبي والأيديولوجي ، وتوجيهاتها التي تحركها دوافع سياسية وليس دوافع ثورية ،
من أول يوم في الثورة كان النظام حريص أن يوصف الفعل الثوري في 11/ فبراير بأوصاف بعيدة عن مفهوم ثورة الجماهير وثورة شعب وهو يعي نتائج قصدة بحذق شديد ،
كان النظام يريد أن يوصف الحالة الثورية بأنها عبارة عن تحركات لشباب احزاب المعارضة وإن ما يجري عبارة عن أزمة بين النظام وبين أحزاب سياسية معارضة لنظام الحكم ، وليس ثورة شعب ، قرر في لحظة تاريخية أن يبحث عن مستقبله الذي تصادره سلطة الاستبداد بشكل مستمر في مسلسل الفرص المهدرة ،
النظام الحاكم كان يــعــي أكثر من الثورة نفسها ومن نخبها السياسية ، ماذا يعني أن تتحول احداث المشهد اليمني بعد فجر 11/ فبراير بما يعني قيام حالة ثورية تمثل شعب في وجه نظام الفساد والاستبداد الجاثم علي صدره أكثر من ثلاثة عقود ويحكمه بقيم وثقافة القرون الغابرة ،
ولذلك كان بحذق شديد يصور مشاهد ما يجري خارج سياق اهداف الجماهير الثائرة ويحاول اختزال الثورة بما يسميه أزمة سياسية ، بين نظام ومعارضة ، ومع أن النظام الحاكم يومها لم يقم بتلك السياسات سرا ،ً بل مارسها علناً وعبر عنها في كل خطابة ، إلا أن الثورة لم تفهم مرامي النظام في ذلك ، واذا كانت الجماهير الثائرة معذورة في عدم الادراك فإن النخب السياسية والثقافية المحسوبة على معسكر الثورة غير معذورة بالنسبة للأدوار التي كان يجب أن تقوم بها في خدمة الثورة ، وفي تصويب مسارها الثوري في الاتجاه الصحيح ، نحو تحقيق مشروع الثورة .
وحده الدكتور " ياسين سعيد نعمان" اطلق بين الحين والآخر تحذيرات من وصول الثورة إلى مأزق ، فالثورة حين تصل إلى مازق في مسار الفعل الثوري ، تضطر ولو مكرة أن تعقد تسويات مع الماضي ولو باسم التجاوز ! .
أتذكر أني قرأتٌ لهذا السياسي والمفكر ما يعني تحذيره " من محاولة الوصايا على الثورة ودعا إلى ترك شباب الثورة يحددون خيارات مستقبلهم دون وصايا عليهم باعتبارهم هم المعنين بالمستقبل ، بل أتذكر أني قرأتٌ له يومها تحذيره من ترسيم الثورة في الساحات والميادين ، كما كان هذا السياسي ذكياً في سؤاله المبكر اثناء انعقاد مؤتمر الحوار الوطني ، وتلك إيماءات ذكية منه عن عدم وجود الجهة التي سوف تٌسلم اليها مخرجات الحوار الوطني وتكون قادرة على تنفيذه ، وقد تحقق في الواقع تخوفاته .
صحيح أن الثورة يومها فوتت الكثير مما كان يرمي الية النظام والتي كان في مقدمتها محاولاته جر الثورة إلى مربع العنف والعنف المضاد مبكراً ، مثل ما فعل النظام في سوريا ، وذلك بالقمع والقتل الشديد ، إلا أن شباب الثورة يومها واجهوا كل قساوة النظام وبطشه بنضال ثوري وصمود أسطوري بأدوات سلمية ، ولكنهم فشلوا فيما هو مهم وضروري في أي ثورة ، وذلك في عدم قدرتهم على إفراز قيادة سياسية من داخل الثورة ، تضع الجماهير الثائرة فيها ، ثقتها بقيادات مسار الثورة وبشكل يؤدي إلى توجيه الفعل الثوري نحو تحقيق اهداف الثورة ، دون هــوادة ، ودون الوقوف أمام انصاف الحلول التي سارة عليه قيادات الاحزاب السياسية ،
مــع هذا الــعــجز في خلق قيادات ثورية ، ظلت الثورة جسم عملاق يتحرك في ميادين وساحات الحرية بحشود جــمــاهــرية مهيبة في كل جمعة وتحت عناوين عديدة، ولكنها كانت تثور ، بحركة حلزونية لا تراوح مكانها في الساحات وميادين الاعتصامات ، ولا تحقق تقدماً في مواجهة النظام الذي بدأ أن طول زمن الصراع دون حسم ثوري ، يخدمه في ترتـيب أوراقه في مواجهة ثورة عجزت من داخلــهــا عن إنــتــاج رأس سياسي يعبر عن حقيقة فكرتها الثورية ومشروعها الثوري ،
وأمام هذا العجز الذي أصاب الثورة في انتاج قيادات سياسية وجماهيرية من داخل ثورة الشباب ، كان خيارها الوحيد ، أن تسلم زمام القيادة ، لقادات احزاب اللقاء المشترك ، التكتل الذي يجمع أحزابها الخصومة مع النظام الحاكم ، ويفرقها في الواقع كل شيء ، وفي نظري لم تكن قيادات تلك الأحزاب ، مؤهلة لقيادات ثورة من هذا الطراز الجديد ، بل لا تمتلك بحكم سنها روح ثورية قادرة على التعاطي مع احداث ثورة الشباب .
كان استلام قيادات اللقاء المشترك لثورة الشباب خطوة خاطئة غير مدروسة خدمة النظام الحاكم الذي ضل حريصاً من اول يوم في الصراع مع الثورة ، على تصوير ما يجري في الواقع ليس ثورة الجماهير ، وانما حركة احتجاجات تقوم بها احزاب المعارضة .
حقق النظام الحاكم ما كان يبحث عنه في معادلة الصراع مع الثورة ، وذلك في حصر الصراع بين سلطة حاكمة ومعارضة سياسية تبحث عن السلطة ، وقد جسدت ذلك المبادرة الخليجية التي عملت على اقتسام السلطة بين النظام الحاكم واحزاب المعارضة ، كما سنوضح ذلك أثناء الحديث عن المبادرة الخليجية ، وأثرها على ثورة الشباب .
فحين تسلمه احزاب اللقاء المشترك قيادات الثورة ، اختزل المشهد الثوري لصالح النظام ، لاسيما وأن هذا الاخير حرص أن تكون القاءات بينهما ممهورة بتوقيعات بين قيادات احزاب اللقاء المشترك وبين قيادات الحزب الحاكم ، وليس بين قيادات ثورة شعب وقيادات النظام الحاكم ، في دولة تم اختزال مفهومها لصالح السلطة ، بيت القصيد هنا أن عجز الثورة في إنتاج قيادات من داخلها مثل أول نقاط ضعفها الذي ترتب عليه سهولة إقصاء الثورة من معادلة الصراع فيما بعد .
يتبع….