القيمه التاريخية والوطنية لثورة ال26 من سبتمبر

الاحد 25 سبتمبر 2022 - الساعة 07:42 مساءً

 

صحيح أن ثورة ال26 من سبتمبر 1962م لم تعف مستقبل الأجيال القادمة من مشقة التفكير في الثورة مجدداً، لكنها وضعت اليمنيين ولأول مرة في تاريخهم السياسي والاجتماعي أمام فكرة الثورة والجمهورية والدولة والديمقراطية.

 

فالوعي المجتمعي تجاه المسألة السياسية والاجتماعية في اليمن وإن كان حتى اليوم لم يخض معركة الانتصار لسلطة أهل الفكر بالمعنى الذي يجعل من هذه الأخيرة قادرة على خوض معركة الخلاص الأخيرة، إلا أن هذا الوعي المجتمعي وجد نفسه مع ثورة سبتمبر أمام فكرة التغيير على أساس مشروع سياسي وطني، الأمر الذي يعني من جهة أولى أن أهداف ثورة سبتمبر قد شكلت يومها المشروع السياسي والاجتماعي للثورة ومحتوى النظام الجمهوري في نفس الوقت، ومن جهة ثانية شكلت الأهداف وفق جدلية المستقبل والماضي، هوية سياسية وطنية حداثية تجاوزت هوية السلطة الحاكمة تاريخياً في اليمن ={ الهويات الجزئية }

 

من واقع حال هذه المعطيات السياسية والاجتماعية تبرز نجاعة القيمة التاريخية والوطنية لثورة ال26 من سبتمبر 1962م في شمال اليمن، وهي القيمة التي تحرص القوى التقليدية بمختلف أشكالها وتوجهاتها الماضوية على عزلها ثقافياً ووجدانياً عن ملامسة وعي الأجيال القادمة في اليمن، كما هو حال الحركة الحوثية التي أسقطت من قاموسها السياسي والاحتفالي الرمزية الوطنية لثورة الـ26 من سبتمبر {ثورة الجمهورية} منذ ثماني سنوات في مناطق سيطرتها العسكرية بهدف إسقاط رمزيتها التاريخية والوطنية من ثقافة الأجيال القادمة ذلك على سبيل المثال وليس الحصر

 

إذا كان ما يتم اليوم على يد الحركة الحوثية هو استبدال الرمزية التاريخية والوطنية لثورة الـ26 من سبتمبر 1926م داخل صنعاء (عاصمة الجمهورية التي رفع من داخلها عبدالرقيب عبد الوهاب ورفاقه شعار الجمهورية أو الموت) برمزية الانقلاب الذي حدث في الـ21 من سبتمبر 2014م، ضد محتوى الجمهورية التي وقفت أمامه ثورة الشباب {مخرجات الحوار الوطني الشامل والشرعية الوطنية التوافقية}. فإن ذلك يعني تحويل كارثة الانقلاب السياسي والايديولوجي "السلالي" على مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية في ظل الجمهورية اليمنية إلى ثورة شعبية يتم تسويقها وجدانياً في وعي هذا الجيل وربما الأجيال القادمة في حال أن ظلت خاضعة لسيطرة الحركة الحوثية.

 

صحيح كما قلنا في بداية المقالة إن ثورة الـ26 من سبتمبر 1962 وإن كانت لم تتمكن من إعفاء الأجيال القادمة من مشقة التفكير في الثورة، إلا أن ما أصبح منذ ستة عقود في حكم الثابت السياسي والتاريخي الذي لا يقبل التحول أو التفريط في قيمته الوطنية، هو أن كل حدث ثوري في اليمن كان يقدم نفسه سياسياً واجتماعياً بكونه امتدادا لثورة ال26 من سبتمبر 1962م، أو اعترف أن هذه الأخيرة هي صاحبة الفضل الأول في قيامه، كما قالها المناضل علي عنتر في احتفالية ثورة 14 أكتوبر 1963 في جنوب اليمن: إن الفضل في أكتوبر يعود إلى أولئك الأبطال الذين فجروا ثورة ال26 من سبتمبر في شمال اليمن.

 

وإذا كان ما قيل في حق ثورة أكتوبر على سبيل المثال، فعلى سبيل الحصر، نجد ثورة التصحيح 1974م التي قادها الرئيس ابراهيم الحمدي وحدث الوحدة اليمنية 1990م وثورة 11 فبراير 2011م كل هذه الأحداث الثورية والسياسية الكبرى تحركت في ظل ثابت الانتماء السياسي والتاريخي لثورة ال26 من سبتمبر 1962م، أو أنها من جهة أخرى لم تتجرأ على إسقاط الرمزية التاريخية والوطنية لثورة ال26، الأمر الذي يجعل منها أحداثا ثورية تستهدف في المقام الأول تصحيح إشكالية محتوى الجمهورية. بمعنى آخر يستهدف مشروعها الثوري بناء الدولة الوطنية الديمقراطية في ظل النظام السياسي الجمهوري الذي صنعته ثورة ال26 من سبتمبر 1962م. وهذا صلب ما قصدناه سابقاً بأن ثورة سبتمبر وإن لم تعف الأجيال القادمة من مشقة التفكير في الثورة، إلا أنها ظلت على الدوام هي الحدث التاريخي والوطني الذي وضع اليمنيين أمام فكرة الثورة والجمهورية والدولة الوطنية الديمقراطية.

 

وإذا كان الحال كذلك مع مسار الأحداث الثورية في اليمن سواء في ظل التشطير السياسي بين شمال اليمن وجنوبه، أو في ظل الوحدة اليمنية بين عدن وصنعاء، إلا أن انقلاب الـ21 من سبتمبر 2014 الذي يقدم نفسه اليوم على شاكلة ثورة شعبية، هو الحدث الوحيد الذي تجرأ على إسقاط ثابت الانتماء إلى ثورة ال26 من سبتمبر قولا وفعلا، كما هو واقع حال وإعلام الحركة الحوثية الذي يحتفل اليوم في عاصمة الجمهورية ب21 على حساب 26 من سبتمبر، ما يعني في النتيجة النهائية أن انقلاب الحركة الحوثية لم يعد انقلابا على مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية الذي يشكل محتوى النظام الجمهوري الاتحادي في اليمن، بل أكثر من ذلك انقلاب تاريخي ماضوي على فكرة الجمهورية التي تشكل « بحد ذاتها » القيمة التاريخية والوطنية لثورة ال26 من سبتمبر 1962.

 

وعلى هذا الأساس، تتجلى حجم الكارثة الكبرى على مستقبل الأجيال في حال أن انتصر مشروع الحركة الحوثية في اليمن.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس