قراءة نقدية : ثورة 11 فبراير أين الخلل ؟ ( 3 )

الجمعه 19 مايو 2017 - الساعة 06:01 صباحاً

 

 

2-إنظمام قوى غير مؤمنة بالمشروع الثوري  أعاق مسار الثورة وخدم النظام الحاكم

 

أي نظام غير عادل عبر التاريخ ، مهما أمتلك بيده عناصر القوة التي تمكنه من البقاء طويلاً فإنه بلا أدنى شك يتصدع من الداخل ويكون هذا التصدع سبباً رئيسياً من أسباب سقوطه ولو بعد حين  .

 

صالح حكم اليمن منذ 33سنة ، حاول خلال حكمه إحتكار كل مصادر القوة والنفوذ ،  في أجهزة السلطة في قبضته وقبضة أبنائه وأبناء إخوته ، الذين سٌلمت اليهم قيادات الجيش الضارب في جهاز السلطة الحاكمه والذي تم تسليحهٌ تسليحاً حديثاً ( الحرس الخاص ، الحرس الجمهوري ، الأمن المركزي على سبيل المثال )

وفي ظل إحتكاره هذا ، لعناصرالقوة كان يعمل على  إقصىاء قوى كانت فاعلة ومؤثرة داخل السلطة ، وكانت لها دور هام في حمايته وبقائه في رأس السلطة طوال هذه الفترة ، وهي قوى شاركته ممارسة الفساد والنفوذ طوال فترة حكمة ، أهم تلك القوى تتمثل في" علي محسن الأحمر " قائد قوات الفرقة الأولى مدرع ،  والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ، شيخ مشائخ حاشد ، تلك القبيلة التي كانت توصف " بصانعة الروئسا في اليمن ، أو على حد وصف أحد الباحثين ، بالقبيلة السياسية في اليمن ، إضافة إلى قيادات دينية وقبلية اٌخرى كانت شريكة في القرار السياسي منذثمانينيات القرن الماضي .

 

هذه القوى التى كانت قادرة أن تدعي نوع من الفضل والمنة في وجه صالح ، بحكم الأدوار التي قامت بها في الماضي في خدمة بقائه في السلطة طول هذه الفترة ،تم إزاحتها وإضعافها تدرجياً ، ثم استبدالها ببطانة غير مؤثرة في القرار ، لأ كنها بدون طموح سياسي ، نحو كرسي الرئاسة وهي اكثر عبودية وإخلاص لصالح ونظامه طول فترة حكمه التي أمتدت لأكثر من ثلاثة عقود .

 

بهذا الإقصىاء الذي اضعف دور تلك القوى المؤثرة في صناعة القرار السياسي في اليمن ، والذي كان دوافعه تكمن في إزالة المخاطر وتأمين الطريق ، أمام مسيرة احمد نجل صالح الموعود بكرسي الرئاسة وميراث السلطة في المستقبل ، تحولت تلك القوى من قوى شريكة في السلطة والثروة ، إلى قوى تمارس الخصومة ضد صالح ، في صراع يتم فيه عض أنامل البعض دون صراخ داخل دهاليز السلطة والنفوذ ، لاسيما وإن تلك القوى تعتقد أحقيتها في حكم اليمن بمعايرها القبلية والعصبية ، التي لا تتوفر في صالح وأسرته حسب توصيفها .

 

فإذا كانت تلك القوى في الماضي ولضروف إستثنائية من وجهة نظرها قبلت بصالح في منصب رئيس الدولة فإنها لا يمكن أن تقبل نجله رئيساً بعده مهما يكن الثمن ، خصوصاً إذا زاد في معادلة الصراع عنصر أخر يتمثل برحيل الجيل الأول الذي عركته تجارب الصراع ، وورث مقاليد الصراع من بعدهم  أبنائهم الشباب ، بكل عنفوان طموحهم ، فإن الصراع داخل السلطة بلاشك سينفجر بحجم هذا الطموح ، الذي لا تقيده أخلاق ولا تحكمه قوانين دولة ،حرص جميع الأطراف في معادلة الصراع على عدم وجودها .

 

وعندما خرجت الجماهير في ثورة 11/ فبراير تبحث عن تلك الدولة المفقودة ، بدأ لتلك القوى التي كانت تخسر مواقعها في معترك الصراع على السلطة والثروة أمام زحف نفوذ صالح وعائلته  ، أن ثورة الشباب في اليمن توفر لها الفرصة المناسبة لمواجهة صالح،وذلك للحصول على حقها المفقود وفق حساباتها ، إن هي اعلنت انظمامها لتلك الثورة ، التي مثل حادث إندلاعها متنفس كبير ، أخرجها من عنق الزجاجة التي وضعت فيها من قبل نظام صالح وأسرته .

 

وبتلك الدوافع والحسابات البرجماتية أنظمت تلك القوى الغير مؤمنة بمشروع الثورة إلى صفوف الثورة الثالثة في اليمن  ،" ليس حباً في علي ولكن كرهاً في معاوية " كما يقال في المثل الذي يعبر عن النكاية في معادلة الصراع، وهو أيضاً يعبر عن دورها سابقاً حين ، انظمت قبل ذلك إلى صفوف ثورة 26/ سبتمبر 1962/ م ، وتصدرت مشهدها الثوري ، فحكمة سلطة الثورة وأعاقت تحقيق مشروعها ، من داخل الثورة .

 

انظمت تلك القوى وهي تحمل معها احلاماً غير مشروعه ،وترغب في تحقيقها عن طريق بوابة  ثورة 11/ فبراير ، بعد أن تم إخراجها من نافذت النظام ، والذي عمل بإستمرار على نتف ريشها وقص اجنحتها داخل اركان السلطة .

 

لو أن تلك القوى أرادت من إنظمامها إلى صفوف الثورة الإغتسال من ذنوبها في نهر الثورة العذب ، وإعلنت الإيمان النقي برسالة الثورة ، لكان ذلك مقبولاً وفي مصلحة الثورة ،

ولكنها أرادت هنا ، أن تسفيد من عناصر القوة والمواجهة في ثورة الشباب بهدف إعادة إنتاج ذاتها في حكم السلطة التي تعتقد احقيتها في إمتلاكها تاريخياً ذلك كان هدفها من جهة ، ومن جهة أخرى كان إنظمامها بهدف تصفية الحساب مع خصمها صالح الذي تمرد عليها ، وتنكر لدورها واحتكر مفاصل السلطة في أسرته وحزبه .

 

قد يكون صالح ونظامه خسر شي من إنظمام تلك القوى إلى صف الثورة في بداية إنطلاق الفعل الثوري لإنها عملت على إرباكة في الايام الاولى لثورة ، ولكن المهم أن الثورة كمشروع للمستقبل لم تستفيد من انظمام تلك القوى بل خسرت اكثر مما خسره النظام ،وذلك ما توكده المألآت التي وصلت اليه مصير الثورة في واقع اليمن اليوم ، بقدر ما خسر النظام  من إنظمام تلك القوى في بداية الصراع مع الثورة بقدر ما استفاد كثيراً من انظمامها بعد ترتيب أوراقه .

 

معادلة الصراع تقول أن أي نظام يواجه ثورة يكون حريص أن تقدم الثورة أسواء ما عندها في صدارت مشهدها الثوري ، وذلك هو المشكل في ثورة فبراير ، بعد إنظمام تلك القوى ، كما هو مشكل المقاومة اليوم ، في حربها مع قوى الإنقلاب .

 

قد يسأل شخص هل من المعقول والمقبول أن الثورة يومها كان عليها أن تغلق أبوابها في وجه تلك القوى وإن كانت لا تؤمن بمشروع الثورة ؟؟

قد أوفر على هذاالسائل واتفق معه في الإجابة التي تتفق مع تفكيره ، والتي تقول ليس معقول ولا مقبول أن تغلق الثورة ابوابها ، وقد لا اتطرف بماهو مشروع وأشترط لقبول تلك القوى إعلان توبتها من ذنوب الماضي وإيمانها النقي والصادق بمشروع الثورة قولاً وفعلا ، بل دعوني أخرج عن القواعد التي أومن بها واقول لاتوجد مشكل في انظمام تلك القوى إلى الثورة على أي شكل كان وليكن ذلك مقبولاً ،

ولكن يظل ماهو غير مقبول هو فعل تلك القوى وطموحها بعد انظمامها والذي كان يعني سعي تلك القوى إلى  قيادات الثورة وتحركها بهدف تصدر المشهد الثوري ، زاد من خطورت ذلك ماتم ذكره سابقاً والمتمثل بعجز الثورة عن إنتاج قيادة ثورية من داخل الساحات ، تتولى قيادات الثورة نحو اهدافها ، وهذا ماخدم النظام الحاكم الذي احسن استثمار ذلك بحذق شديد لصالح بقائه قوياً في مواجهة ثورة ، تصارع من أجل إسقاطة ، ولكنها تفرز اسوء ما عندها في معادلة الصراع معه .

 

ما يعني هنا ، أن انظمام تلك القوى إلى صف الثورة اضر في الثورة ضرراً بالغاً بالقدر الذي خدم النظام الحاكم ،

فالذي ترتب على ذلك هو إقصىاء الثورة كمشروع من الحضور في معادلة الصراع الذي فجرها الفعل الثوري ، وذلك بسبب تربع تلك القوى على المشهد الثوري ، وعدم وجود القيادات الثورية التي تعبر عن ذاتية المشروع الثوري في هذا الصراع في ذهن المجتمع الذي ظل كثيراً من مكوناته قوى صامته حائرة ، لأن بروز تلك القوى في صدارت المشهد الثوري ، عمل على إختزال المسار الثوري ، وكانه صراع مراكز قوى تقليدية وحزبية مع النظام الحاكم ، اكد صحة هذا الاعتقاد ، النتيجة التي افرزها هذا الخلط الغير مدروس في ادوات الصراع بين الثورة والنظام وتلك النتيجة تعني " عدم قيام معادلة الصراع الثوري في ذهن تلك القوى الصامته ، على أساس الفرز الحقيقي بين قوى مدنية حداثية حقيقة تؤمن أن مصلحتها تكمن بوجود دولة مدنية ، وبين قوى غير مدنية تقليدية تؤمن أن مصلحتها تكمن بعدم وجود دولة ، بمعنى اخر أن الثورة لم تكن موفقة  في إفراز ادواتها المعبرة عن مشروعها الثوري في معادلة الصراع مع النظام الحاكم وبشكل يجعل كل قوى المجتمع الواقعة خارج النظام تضع ثقتها بجدية الثورة.

 

هذا اللون الرمادي في جسم الثورة ، أدى إلى إحجام كثيراً من القوى الاجتماعية وحتى المدنية عن مناصرت الثورة ( الحراك الجنوبي على سبيل المثال فقط ) لإنها كانت ترى في قيادة الثورة " على محسن الاحمر ، ومن دار في فلكه ، وأولاد الشيخ عبدالله الاحمر شيوخ حاشد ، وحتى قيادات أحزاب سياسية ، كانوا جميعاً وما يزالون حتى اليوم يشكلون سبباً جوهرياً يعيق بناء دولة القانون ناهيك عن بناء الدولة المدنية !!!

 

يتبع…….

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس