قراءه نقدية : ثورة11/ فبراير أين الخلل؟ - 6
الثلاثاء 13 يونيو 2017 - الساعة 04:54 صباحاً
فهمي محمد عبدالرحمن
مقالات للكاتب
الحضور السياسي للأحزاب السياسية
وأثره السلبي على الفعل الثوري في مواجهة النظام الحاكم
تحدثت سابقاً عن الحضور السياسي السلبي للأحزاب السياسية ( أحزاب اللقاء المشترك ) داخل الفعل الثوري والذي بدوره وضع علامة استفهام على مصداقية الثورة وعلى مشروعها الثوري " لا سيما عندما تصدرت تلك الأحزاب قيادات المشهد الثوري بعقلية الصراع الحزبي"
داخل معسكر الثورة ،
وسوف نواصل هنا تحليل دور تلك الأحزاب بحضورها السياسي وليس الجماهيري ,وأثره السلبي على الفعل الثوري في مواجهة النظام الحاكم .
بمعنى آخر كان الحديث في الفقرة السابقة عن
مشكل الصراع داخل حركة الفعل الثوري نفسه والذي خلق حالة توجس وقلق داخل الإناء الثوري ليس من الآخر ، بل من دور تلك القوى السياسية الحزبية المتصارعة داخل معسكر الثورة ، أما هنا فسوف نتحدث عن الحضور السياسي السلبي لتلك الأحزاب والذي أثر في حركة الفعل الثوري في مواجهة الآخر " النظام الحاكم " والذي بحسب وجهة نظر هذه القراءة ، أستفاد هذا النظام من ذلك الحضور السياسي الحزبي الذي يفتقد للقدر الكافي من الذكاء السياسي القادر على تقدير حجم الحضور الكارثي المترتب على إهدار فرص التغيير المتعاقبة ، في بلد أصبح التغيير فيه ليس مطلب سياسي يعبر عن أزمة سياسية فحسب ، بل اصبح مطلب التغيير قضية شعب تتقلص أمامه فرص الحياة ، وتتعثر خٌطاه في رحلة العمر نحو المستقبل .
فالبلدان حين تكون في عنق الزجاجة وتفشل نخبها في استغلال فرصة التغيير السانحة في صناعة التحول التاريخي القادر على تحويل تلك البلدان إلى أوطان ، تحتضن شعوبها بكل مكوناتهم المختلفة في حياة كريمة ، فإن تلك النخب بهذا الفشل تصنع الكارثة وتوزع الموت والجوع والخوف ، لشعوبها بدلاً عن الحياة ، ليس في ذلك فلسفة كلامية بقدر ما هو واقع نعيش مآسيه اليوم في واقعنا اليومي كيمنيين يٌهدى إلينا الموت صباح كل يوم .
صحيح إن هذا الواقع الكارثي –بلا شك - مرتبط بالحدث الثوري المتفجر بتلك التظاهرات السلمية في يوم 11/ فبراير ، ولكنه ليس نتيجة لخروج هؤلاء الشباب في ثورتهم كما يحلو للبعض تصوير أسباب ذلك , بطريقة السفسطائين المحترفين في قلب الحقائق ، بل نجد هذا الواقع الكارثي نتيجة طبيعية تعبر عن حقيقة فشل تلك النخب في استغلال فرصة التغيير الثورية التي وفرتها ثورة هؤلاء الشباب الذين خرجوا ثائرين بصدورهم العارية سلمياً من أجل أن تتحول بلدهم ( اليمن) إلى وطن .
والحضور السياسي الحزبي الذي نقصده هنا هو الفعل السياسي الذي مارسته تلك النخب القيادية في احزاب اللقاء المشترك حين تحولت إلى قيادات سياسية لثورة 11/ فبراير في مواجهة النظام الحاكم ولكن بعقلية حزبية وادوات تقليدية تلبي رغبة تلك الاحزاب ومراكز القوى الفاسدة فيها ، وليس بعقلية ثورية تعبر عن تطلعات تلك الجماهير الثائرة ، ومشروعها الثوري الذي خرجت من أجله .
لا أقصد من ذلك وبسوء نية شيطنة تلك الأحزاب التي ناضلت كثيراً وقدمت كثيراً ، بقدر ما اقصد وبحسن نية الحديث عن اخفاقات تلك الأحزاب في قيادات ثورة كبرى , اندلعت في وقت لم تكن تلك الاحزاب مؤهلة لممارسة تلك القيادة الثورية .
فتلك الأحزاب أولاً وعبر سنين طويلة استطاع النظام أن ينخر في أخلاقها ويٌصدر كثيراً من قيمه وممارساته الفاسدة إلى داخل مؤسساتها الحزبية ، بل وتكونْ داخل بعض تلك الأحزاب مراكز قوي فاسدة ، مارست الفساد طويلاً داخل مؤسسات السلطة وتعاظم دور تلك القوى عن طريق تداول الفساد وحمايته والإتجار به مع رموز النظام الحاكم الذي تعمد توسيع دائرة الفساد وإنشاء شبكة المصالح الفاسدة بينه وبين تلك القوى داخل أحزاب المعارضة عملاً بقاعدة " فتح أبواب الفساد على مصرعيه ليغرق الكل في الفساد وفي ممارساته ، ليكون الكل مدان تحت الطلب " وتلك القوى الفاعلة في أحزاب المعارضة والغارقة في الفساد بلا شك ليس من مصلحتها انتصار الثورة بمشروعها الثوري ، بل أرادت استغلال الفعل الثوري في تصفية الحساب الختامي في شراكة الفساد مع النظام الحاكم بعد الاختلاف معه على مقادير صفقة الفساد والإتجار به وحجم الحصص والفوائد ، وليس على محاربة الفساد .
وإذا كان ذلك ينطبق على بعض تلك الأحزاب فإن ما ينطبق عليها عموماً هو طريقة بناء تلك الاحزاب عمودياً والذي تصنعها تلك اللوبيات بتكتلاتها الشِللِية والانتهازية ,وحتى المناطقية وليس الممارسات الديمقراطية داخل مؤسسات تلك الأحزاب التي لم تعد منزهة عن ممارسة الفساد داخل أطرها التنظيمية ،
بمعنى آخر لا يوجد فرق كبير ، بين بنية تلك الاحزاب وبنية النظام الحاكم ، إلا بكمية الفساد وحجم ممارساته وتداوله فقط ، أو ان تلك الأحزاب صوره مصغرة لهذا النظام تحمل كل تقاسيم وجهه القبيح ولكن بمقاسات ونماذج مصغرة .
ولهذا كان النظام الحاكم سعيداً بقيادات تلك الأحزاب لزمام ثورة الشباب , كون تلك الأحزاب تفتقر للمبرر السياسي والأخلاقي الذي يجعل منها قيادات مؤهله لمسيرة ثــــورة الجماهير ،
كما أن تلك الاحــــزاب(ثــــانــــيــــاً) وبحضورها السياسي الحزبي المشترك في صفقة المحاصصة مع النظام الحاكم في حكومة الشراكة قد ساهمت من حيث لا تدري في خطأ كبير وقاتل ، ساعد في خلق حالة الثورة المضادة التي اعاقت تحقيق المشروع الثوري ، فالشباب الثائرون حين خرجوا بثورتهم كان هدفهم إسقاط النظام الحاكم بكل قيمة وادواته ، وممارساته الفاسدة ، وتأسيس دولة مدنية ، وعندما تولت تلك الاحزاب قيادات الثورة سياسياً, وقبلت بالشراكة مع النظام الحاكم الذي كان هدف الثورة الأول إسقاطه ورحيله حققت لهذا النظام الحاكم
ما يريده !!
بهذا الصفقة ، حقق النظام كثيراً من نقاط التفوق لصالحه على حساب الثورة ومشروعها الثوري ، لاسيما أن هذا النظام كان ينتظر من تلك الاحزاب وباسم الثوري تقديم فرصة يستطيع من خلالها تجميع ليس انفاسه التي يقطعها الفعل الثوري فقط ، بل تجميع أوراقه بأريحيه ، فتحت هذهِ الخطوة ( مناصفة السلطة مع النظام ) يمكن قراءة الكثير من الإخفاقات التي أعاقت المشروع الثوري ، منها أن الفعل الثوري اٌختزل في رحيل صالح كشخص وليس كنظام يمثل منظومة الفساد الممنهج والمستشري داخل كل اجهزت السلطة هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن قبول تلك الاحزاب بحضورها السياسي لمبدأ الشراكة مع النظام الحاكم ، نقل الثورة من حالة الفعل الثوري إلى حالة الرخاوة والشراكة والمحاصصة الحزبية مع النظام وكان ذلك بمثابة اعتراف سياسي وقانوني من الثورة بشرعية بقاء هذا النظام ، لاسيما أن تلك الاحزاب تمتلك الحضور الجماهيري الكبير داخل الفعل الثوري في ساحات وميادين الثورة .
كما أن الحضور السياسي (ثــــالــــثــــاً) لتلك الاحزاب واشتراكها في نصف الحكومة وباسم الثورة جعل من تلك الاحزاب مشتركة في ممارسة الفساد وباسم الثورة ،خصوصاً أن تلك الاحزاب انشغلت بحجم حصصها في السلطة دون صياغة مشروع سياسي يحارب الفساد في تلك الوزارات التي تولت إدارتها ، او تمارس في أدنى الاحوال خطاباً كاشفاً وفاضح لهذا الفساد وبشكل يبعث رسائل اطمئنان لجمهور المواطنين مفادها أن تلك الاحزاب تمتلك المبرر السياسي والاخلاقي الذي يجعل منها البديل المناسب لهذا النظام .
ولكن ما حدث هو العكس من ذلك ، فقد زاد حجم الفساد في ظل حكومة الشراكة وذلك بشهادة قيادات بارزة في تلك الاحزاب ،
وهذا يعني أن تلك الاحزاب شاركت في الفساد ولم تحاربه ،كما أنه في ظل حكومة الشراكة سقطت أصول كانت ثابته في وعي الناس اهمها الجانب الأمني الذي تحول إلى انفلات غير مسبوق وارتفاع الاسعار بشكل كبير ، كل ذلك خلق في وعي المجتمع حالة قنوط وتذمر يٌحمل الثورة نتيجة ذلك ، في الوقت الذي لم تكن الثورة بمشروعها الثوري حاضرة في السلطة ، بل كانت الاحزاب هي الحاضرة وتحكم باسم الثورة .
صحيح أن تلك الاحزاب قبلت المبادرة الخليجية والمشاركة في السلطة تحت مبرر أن النظام مازال يمتلك القوة العسكرية الضاربة والتي بها يستطيع اشعال حرب طاحنه لاسيما أن الثوري لم تستطيع إسقاط النظام عن طريق الفعل الثوري ، ولهذا ربما فكرت تلك الاحزاب في تأجيل الحديث عن محاربة الفساد إلى بعد مخرجات الحوار الوطني وتشكيل الدولة الاتحادية او المدنية ، ولكنها بهذا التنازل الكبير الذي تم تقديمه لهذا النظام على حساب الثورة ومشروعها الثوري ، لم تؤفق في تفادي الحرب بل اعطت الفرصة لصالح ومعه قوى الثورة المضادة في ترتيب اوراقهم ، وعقد تحالفات مع قوى من داخل الثورة بهدف اعلان الحرب والانقلاب على مشروع الثورة في الوقت المناسب ، وذلك ما حدث ويحدث اليوم .
كما أن تلك الاحزاب ( رابــــــعــــــا) بحضورها السياسي الحزبي لم تكن منسجمة مع المشروع الثوري ، أو بمعنى آخر فإن حضور تلك الاحزاب بصفتها قوى سياسية حزبية جعل منها قوى غير موحدة في قيادات الثورة كمشروع ،
فالحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري مثلاً كانت قضية بناء دولة مدنية حديثة مطلب جوهري وهام لهما يجب أن يتحقق ، ليس لانهما اكثر وطنية من شريكهما التجمع اليمني للإصلاح وإن كانوا اكثر مدنية منه ، بل لأن في بناء تلك الدولة إعادة حق سلب منهما ، كون تلك الاحزاب كانت مقصية ومحاصره ومصادر كل ممتلكاتها وأموالها ، كما أن تلك الاحزاب كانت متحرره من وجود مراكز قوى فاعله داخل السلطة محسوبة عليها ، عكس موقف الاصلاح الذي كان في بناء دولة مدنية حديثة يعنى تقديم تنازل منه ، وحرمانه من قوى كانت محسوبة علية أهمها فض حالة الاشتباك بينه وبين نفوذه داخل مؤسسات السلطة الفاسدة والجيش مثل " الفرقة وعلى محسن " على سبيل المثال .
بمعنى آخر وفق نظر هذه القراءة فإن النقطة التي كان يتوجب أن تتوقف عند حدودها حركة الفعل الثوري كانت محل خلاف بين تلك الاحزاب السياسية .
كما أن اختلاف تلك الاحزاب داخل مؤتمر الحوار الوطني كان يعبر عن وجهة نظر حزبية
وليس وجهة نظر ثورية ، تعبر عن المشروع الثوري ، وهذا يعني أن تلك الاحزاب تخلت عن قيادات الثورة قبل أن يتحقق في الواقع شروط نجاحها في تغيير الواقع .
ها كذا كان الحضور السياسي الحزبي لأحزاب اللقاء المشترك في قيادات الثورة ، يخدم بقاء النظام الحاكم ويعيق مسار الثورة .
يتبع……