ثورة 26 سبتمبر.. إسقاط للدولة الرعوية وتخليق لدولة وطنية حديثة
السبت 26 سبتمبر 2020 - الساعة 08:17 مساءً
محمد ناجي أحمد
مقالات للكاتب
الحرب في بنية الوعي حرب ذاكرة في مواجهة المحو والنسيان.
تشكل ثورة 26 سبتمبر 1962م في مسارها، ذاكرة وأحداثاً، الفعل النقيض لكل الماضويين، الذين يرون نموذج الدولة في الماضي، فالماضي هو النموذج الذهبي كخلافة وإمامة في صناعة المستقبل.
ولهذا فـ(الدولة الرعوية) بالنسبة للقوى الرجعية هي نموذج (الدولة الوطنية الحديثة) ويمكن توصيفها بشكل دقيق بـ(الدولة الرعوية الحديثة).
من هنا كان اتخاذ مصطلح (الدولة المدنية الحديثة) كمصطلح مخاتل بديلاً لمفهوم الدولة العلمانية، وما إن بدت سلطة 2011 ترسخ مداميك تفردها بالحكم حتى بدأ الانقلاب على مصطلح (الدولة المدنية الحديثة)، فكانت خطب عبدالمجيد الزنداني المهددة والرافضة لأي دستور ينص على أن (الدولة مدنية) لا دينية، وكانت التصريحات والمقابلات الصحفية مع الشيخ حميد الأحمر التي قال فيها بوضوح بأن الدستور الذي تخلق من حرب 1994م هو أفضل الدساتير وليس هناك داع لتغييره، وبعد 21 سبتمبر 2014 تخلى (الحوثيون) عن تصورهم لبناء وشكل الدولة، الذي قدمه الدكتور أحمد عبد الرحمن شرف الدين، وقدموا بديلاً انقلابياً عنه تمثل ببرنامج (الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة) وهي في منطوقها وفحواها رؤية لبناء الدولة الدينية الرعوية، القائمة على ثنائية الراعي والرعية وسمات وشروط الطبقات الحاكمة وتراتبها وفقاً للأحساب والأنساب والشرف المحتد كشرط في تولي "الإمارة والولاية وشئون الرعية".
جوهر الإشكالية ومنطلق المعالجة لدى الماضويين من أصحاب دولة الخلافة ودولة الإمامة تتحدد بعملية "إصلاح الراعي والرعية" الراعي بالنصح والتمسك بطريق الخلفاء والأئمة الهداة، والرعية بالاتباع والسمع والطاعة.
إن المسألة مرتبطة بما يستدعيه مصطلح "رعوي" من محمولات وهي "السيد، الشيخ، الملك، السلطان".
ولهذا لم يكن من الاعتباط ما قاله النائب البرلماني عبد الله أحمد علي في وصفه لثورة 26 من سبتمبر بأنها و"ثن"، وأن حركة الإخوان المسلمين في اليمن تأسست في النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين لتحطيم هذا الوثن وإعلان دولة الخلافة الإسلامية.
كذلك لم يكن اعتباطاً إعادة إحياء الرسالة المنسوبة للخليفة الرابع (علي بن أبي طالب) والموجهة للأشتر النخعي، فإحياؤها منذ بداية عقد الألفية الثالثة كان في ذات السياق الذي يستهدف ثورة 26 سبتمبر التي أزاحت نموذج (الدولة الرعوية) وأعلنت عن قيام عصر (الدولة الوطنية الحديثة).
فهذه الرسالة المنسوبة للخليفة الرابع علي بن أبي طالب تلخص سمات العقل السياسي الذي تراكم خلال القرون الهجرية الأربعة الأولى، بل هي إلى القرن الرابع الهجري أكثر ارتباطاً عضوياً وتعبيراً عن الظروف السياسية والاجتماعية لذلك القرن.
هي رسالة تجسد فكر (الدولة الرعوية) في رؤيتها للحاكم (ظل الله في الأرض) المنصوص عليه في سلسلة أئمة الاثناعشرية والاسماعيلية أو المشروط عليه بأن يكون من البطنين والخروج على الظلم كما هو لدى الزيدية، فالفلاحون أو العبيد إذا خرجوا على الحاكم لا يملكون شرط الإمامة، بل إن فعلهم يوصف بالتمرد والفتنة والكفر والمروق!
تُبنى الرسالة المنسوبة لعلي بن أبي طالب في رؤيتها للحاكم والوالي والعامل على أنه ينبغي أن يتحلى بـ(العفو) وهذه رؤية (قروسطية) يراد تخليقها في القرن الواحد والعشرين، ليس هناك مواطن وإنما رعوي مذنب يجوز عليه العفو!
وطريقة معالجة "الفقر والعوز" لدى الماضويين بكل تنوعات تكوينات الإسلام السياسي، إذا استثنينا الخوارج والمعتزلة والقرامطة في العراق وحركة علي بن الفضل في اليمن، وحسن الجنابي في البحرين-تكون بالعودة إلى النموذج الذهبي الكامن في الماضي، لدى الصحابة أو الأئمة.
هو نهج يقوم على النظر إلى المجتمع على أساس طبقي فيه "الخاصة" و"العامة، الغوغاء، الدهماء، سواد الناس".
ولأن الماضي هو الذي يملك مفاتيح الحاضر في فكر الإسلام السياسي، فإن الدولة لا يستقيم شأنها في بنائها السياسي إلاَّ على أساس تولية أهل الشرف المحتد، من ذوي الأحساب والأنساب.
وبناء الجيش على أساس البيوتات "وعلى هذه الشاكلة يكون بناء المؤسسة العسكرية وفقا لمعايير المروءة والأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة، ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة فإنهم جماع من الكرم وشعب من العرف" ص5-13- نقد الفكر الأبوي –محمد ناجي أحمد- مركز عبادي- صنعاء -2003.
إزاء هذا النموذج لبناء الدولة جاءت ثورة 26 سبتمبر 1962م لتجعل العلاقة بين الحاكم والمحكوم تقوم على أساس المواطنة لا الأحساب والأنساب، ودعت إلى بناء جيش وطني بعقيدة وبمعايير الولاء للوطن لا الولاء للولاية والخلافة والبيوتات والطبقات، وعلى أساس الكفاءة لا على اساس الانتماء لطبقة السادة والقضاة والمشيخ.
هذه هي ثورة 26 سبتمبر التي هدفت إلى أن يكون الفلاحون والجنود والتجار والحرفيون والقبائل هم أعلى الهرم الاجتماعي.
وانطلقت من تصور للحاضر كونه مفتاح الماضي لا العكس. فأعادت قراءة الماضي بما يعزز من عمق الكينونة اليمنية وجدلية ارتباطها العضوي بالدائرة العربية وأفقها الإنساني، وبنت الحاضر على أساس النهوض بقوى الشعب المنتج، أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير وصناعة الحاضر والمستقبل...
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك