قراءة نقدية : ثورة11/ فبراير أين الخلل؟ - 8
الاربعاء 28 يونيو 2017 - الساعة 11:29 مساءً
فهمي محمد عبدالرحمن
مقالات للكاتب
أزمة أحزاب اليسار التي انعكست على دورها في اليمن جعلت ثورة11/فبراير بدون حاملاً ثوري
--
الثورات عبر تاريخ البشرية تخلقت من رحم الفكر اليساري دون سواه ، فالفكر اليساري كمنظومة من القيم والمبادئ والأفكار الانسانية سبق في وجوده الثورة كفعل ثوري يتوخى تطبيق تلك القيم والافكار ، فالثورة بفعلها الثوري تعني ردت فعل غاضب ورافض لما يجري في الواقع من انحراف ، يشخصه الفكر اليساري بما يحمله من أفكار إنسانية وذلك هو الجوهر في مبرر وجود القوى اليسارية عبر التاريخ البشري . بل أن الثورة عبر تاريخ الانسانية كانت عبارة عن وسائل وأدوات لقوى الفكر اليساري في تغيير واقع المجتمعات الغارقة في ركام القهر والظلم والفساد والعبودية وسياسة الإفقار بكل مظاهرها وادواتها المتوحشة .
هذا يعني أن القوى اليسارية عبر التاريخ الانساني ، تمثل دائماً الحامل الثوري في نجاح أي ثورة ، ليس لأن القوى الغير يسارية لم تصنع ثورات ناجحة في التاريخ " فالثورة الامريكية والبريطانية دليل نجاح تلك القوى في العمل الثوري " بل ما اقصده هنا أن الثورة كفكرة ، تمثل فلسفة الذات اليسارية ومبرر وجوده في سبيل تغيير واقع المجتمع ، أو بمعنى آخر " إن اليسار في حد ذاته مخلوق ثوري ، والثورة في حد ذاتها مخلوق من صنع اليسار !! في تاريخنا العربي والاسلامي ، رغم عدالة الاسلام ونقاء مبادئه العظيمة ، كان الفكر اليساري حاضراً يصنع الثورات بهدف تصحيح انحراف المسار الذي تؤسسه قوى اليمين داخل المجتمع الاسلامي ، وغالباً باسم الدين ، بل إن تلك الثورات اليسارية في معانيها قبل ظهور مصطلح اليسار ، كانت تعبيراً صادقاً عن نقاوة الاسلام الفكري والانساني في حده الأعلى الرافض لممارسة الفساد والقهر في هذه الارض . منذو انطلاق الفعل الثوري حول" فلسفة المال" والذي تولى ممارسته سيدنا الصحابي " أبي ذر الغفاري " الرافض للانحراف داخل دولة الاسلام ، ومروراً بثورة الحسين ، والاشج ، والناقص ، وكذلك ثورة الزنج بقيادات " على بن محمد " الذي أسس اول دولة مشاعه في الملكية العامة للأرض في تاريخ الاسلام ، استمرت عشرون سنة في وجه الدولة العباسية ، وحتى ثورة " المطرفية الفكرية " في وجه الامام الزيدي المتعصب " عبدالله بن حمزة " في اليمن ، كل تلك الحقب التاريخية وما بعدها و اليسار كفكر دون مسمى يتمخض ثورات غير منقطعة النظير من أجل عدالة قضايا الإنسان ،وتلك الثورات في تاريخنا القديم على سبيل المثال وليس الحصر . في تاريخنا اليمني الحديث ، تولت قوى اليسار تفجير ثورة 26/ سبتمبر ، وقاتلت بإخلاص دفاعاً عنها ، ولم تتمكن قوى اليمين التقليدي من ابتلاع الثورة ومشروعها الثوري إلى بعد ضرب قوى اليسار وتصفيتها من داخل أجهزة سلطة الثورة العسكرية والمدنية بعد معركة حصار السبعين يوم ، وذلك كان شرط الجارة مقابل الاعتراف بالنظام الجمهوري ، وعندما حاولت قوى يسارية أخرى رد الاعتبار لمشروع ثورة 26/ سبتمبر ، بقيادات الشهيد إبراهيم الحمدي ، تم القضاء عليها لصالح القوى اليمينية التقليدية والقبلية في شمال الوطن .
في جنوب اليمن فجرت قوى اليسار بقيادة " الجبهة القومية " ثورة14/ اكتوبر ، وحافظة على مسار التجربة الثورية ومنجزاتها لمدة 36سنة ، ولم تتمكن قوى اليمين التقليدي من ابتلاع منجزات ثورة 14/ اكتوبر ، إلى بعد ضرب قوى اليسار في حرب 94/ م ، وإقصاء " الحزب الاشتراكي اليمني " من معادلة السلطة والقرار السياسي في اليمن لصالح قوى اليمين التقليدي والقوى القبلية ، وبهذا الإقصاء الذي تعاظم دورة بعد حرب صيف 94/ لصالح قوى اليمين التقليدي ، أصبحت بحق " ثورة 14/ اكتوبر ذلك الحدث التاريخي الذي أبتلعه شمال اليمن ( وتلك قصه سوف نتحدث عنها قريباً تحت هذا العنوان ) .
كان من أهم نتائج حرب صيف 94/ م ، تغيب دور اكبر أحزاب اليسار في اليمن والذي ترتب عليه إضعاف دور أحزاب اليسار عموماً في اليمن ، وإضافة إلى نتائج المتغيرات في معادلة الصراع في السياسة الدولية والذي صب في خدمة قوى اليمين والرسمالية ، ودور هذه الأخيرة في ممارسات السياسة الدولية ، القائمة على تصفية جيوب الأنظمة اليسارية في العالم .
كل ذلك أدخل أحزاب اليسار في أزمة ليس على مستوى اليمن فحسب ولكن على مستوى المعمورة بشكل عام ، وقد نتج عن أزمة قوي اليسار ايديولوجياً وتنظيمياً ، أزمة كبيرة وضعف في أدوات التغيير داخل المجتمعات الانسانية ، أهم تلك الأدوات التغييرية التي تأثرت وضعف دورها في تغيير الواقع ، نتيجة أزمة اليسار هما ، أزمة الفكرة الثورية كأداة في تغيير واقع المجتمع ، وكذلك أزمة المثقف ذلك الكائن القادر على صناعة سلطة اهل الفكر في وعي المجتمع ( رأي عام فعال ) .
فالثورة بأزمة احزاب اليسار فقدت حاملها الثوري الحي ، القادر على دفع الفعل الثوري إلى مستوى تحقيق المشروع الثوري في واقع المجتمع ، والمثقف بأزمة احزاب اليسار اختفى دوره ، كون أحزاب اليسار هي الجهاز المفاهيمي الذي تولى إنتاج المثقف العضوي باستمرار داخل المجتمعات في العصر الحديث.
في اليمن ومن حيث العموم تكمن أسباب أزمة احزاب اليسار في ثلاثة عوامل ، أولهما الانتصارات العسكرية المتتالية للقوى اليمينية والتقليدية على قوى اليسار ، وتنظيف اجهزت السلطة من وجود عناصر اليسار وبشكل دورات متكررة، والتي ترتب عليها " أي تلك الانتصارات " احتكار القوى اليمينية التقليدية ، لكل المجال السياسي ، الذي اصبح محتكراً عليها وعلى دورها المؤثر في صناعة القرار السياسي في اليمن ، بل واصبحت مخرجات المجال السياسي في اليمن ، تعبيراً عن قيم وأنساق تلك القوى التقليدية ، سياسياً واجتماعياً ، لأنها بتلك الانتصارات أصبحت تمتلك السلطة ، والمال ، والقوة ، وتلك وسائل التأثير في المجتمعات التقليدية ، وثانيهما المتغيرات الدولية التي ترتبت على سقوط المعسكر الشرقي ، والذي أجبر تلك الاحزاب اليسارية على التخلي عن الأيديولوجيا الماركسية ، كمشروع لنضالها السياسي ، الذي يعتمد اساساً على نضال القوى الثورية الكادحة ، ( البلتاريا ) وثالثهما واقع المجتمع التقليدي والمغمور بثقافة الماضي وقيمه ، واستجابة المجتمع اليمني شعورياً لتلك القيم والثقافات التي يعتقد أنها تمثل هويته وعاداته وتقاليده ، الذي يفاخر بها تاريخياً ، تلك الأسباب التي صنعت الأزمة في أحزاب اليسار واعاقت دورة في اليمن .
فما هي مظاهر أزمة احزاب اليسار في اليمن والتي اعاقت دورها في خدمة الفعل الثوري من اجل نجاح المشروع الثوري في ثورة 11/ فبراير ؟؟ يتبع… ..