الوطنية اليمنية.. منذ ثلاثينيات القرن العشرين

الاحد 28 مارس 2021 - الساعة 08:21 مساءً

 

 

حددت الوطنية اليمنية منذ ثلاثينيات القرن العشرين أولوياتها بالتحرر من الاستعمار والاستبداد.

 

لم تكن الذاتية اليمنية وليدة القرن الثامن عشر أو التاسع عشر كالعديد من بلدان المنطقة. لقد ترسخت الوطنية اليمنية في العقود الممتدة إلى أربعة آلاف قرن وربما أكثر.

 

لا يوازي تاريخ الوطنية المصرية في المنطقة إلا تاريخ الوطنية اليمنية, لهذا كانت مصر قاعدة العروبة، واليمن ذخيرتها واحتياطها.

 

تنبه الإخوان المسلمون إلى هذه المسألة فكانت مصر بذرة التأسيس لحركتهم واليمن ذلك الرصيد الاحتياطي، الذي تستعيد منه الحركة مقدراتها إن فقدت قدرتها في مركز النشأة!

 

كل من يُحرَّف بوصلة الصراع من وجهتها ضد الإمامة والاستعمار كإمبريالية تسطو على مقدرات الشعوب، فإنه يخدم ديمومة الإمامة كنظام إقطاعي وديمومة الاستعمار.

 

الصراع ليس مذهبيا، وليس صراعا مناطقيا: يمن أسفل في مواجهة يمن أعلى، سهل في مواجهة هضبة، ساحل في مواجهة الجبالية، جنوب في مواجهة الشمال. ولا صراع عرقي يستدعي الأساطير من التاريخ الميت ليوهمنا بأن الصراع بين القحطانية السياسية والهاشمية السياسية، بين الأقيال والبطنين.

 

الصراع في خطه السوي والمثمر سياسي اجتماعي. صراع الإنسان الباحث عن مواطنته ووطنه الواحد. إنه صراع طرفه الأول وطن ومواطنة ومواطن، وطرفه النقيض القوى المناوئة للوطن الواحد والمواطنة والمواطن.

 

كل من يصور الصراع بأنه ضد "الهضبة" أو ضد "الشمال" أو ضد "الزيدية" إنما يعزز من مواقع أقنعة الطائفية ويخدمها، ولا أظن ذلك أمرا عفويا، بل أمرا دبر بليل. وإن انساق الكثيرون مع أصحاب فكرة الأقاليم. 

 

فكرة الأقاليم هي ذاتها فكرة مناطقية، تعبر عن نفسها من خلال الضدية والمواجه مع الهضبة، وهم ذاتهم أصحاب فكرة النقاء الديمغرافي، والتحذير من التغيير الديمغرافي في المخا والتُربة. هم ذاتهم أصحاب "المخا حقنا، والحديدة حقنا" بما يتكامل مع مزاعم خطاب "الجنوب" "اللايمني".

 

إن "الهويات القاتلة"  تتخادم وإن بدت أنها تتناقض فإنها في الجوهر تعزز من كينونة بعضها.

ف"مديح الحدود" داخل الوطن الواحد لا يتخلق منه سوى أقنعة الطائفية، التي لا ترى وطنا ولا مواطنة ولا مواطن، وإنما جنوبي/شمالي، عدني/حضرمي، تعزي/صنعاني، زيدي/ شافعي، هاشمي/قحطاني، يمن أسفل / يمن أعلى، ناصبي / رافضي إلخ.

 

اليمني الصاعد، والمنطلق من يمنية جامعة يرفض هذه المستنقعات، يرفض الأقاليم وينحاز لليمن الواحد، ويسعى لتحقيق الفريضة الغائبة: الدولة اليمنية الواحدة والبسيطة، بمركز قوي وسلطة محلية مطلقة في شئونها الداخلية.

 

لم يقل  المبعوث الدولي "بن عمر" شيئا مغايرا للحقائق، فالإخوان المسلمون في اليمن في ساحات تعز وعدن وصنعاء كانوا يرددون: نريد التحرر من الهضبة والتوحد مع عدن. يومها كانوا يتصورون عدن ولحج وشبوة وحضرموت وأبين والمهرة الخ، جغرافية محكومة بالإخوان  المسلمين.

لهذا رفعوا شعار ومطلب "الأقاليم الستة" وكان  معهم "مؤتمر" عبد ربه منصور هادي، أي مؤتمر الإخوان. فعبد ربه منصور هادي تم استقطابه لجماعة الإخوان المسلمين منذ ما بعد كارثة 13يناير 1986، ويحدثنا علي ناصر محمد في مذكراته "ذاكرة وطن" كيف أصبح هادي ورقة في يد علي محسن!

 

لم يردد الإخوان المسلمون خطابهم المناطقي ويلوحوا به منذ انتخابات 2006 اعتباطا، حين صرحوا ولوحوا بحركة مماثلة لحركة "الفقيه سعيد"، "صاحب الدنوة"، بمساحتها المناطقية التي لم تتعد جغرافيا من العدين إلى سمارة.

وفي ساحات 2011 ظلوا يرددون رغبتهم بالاتحاد مع عدن والانفصال عن الهضبة!

 

لا ممكن ثوري يصنع مستحيله وإرادته الثورية سوى وطنية جامعة متحررة من كل أقنعة الطائفية، بمشروع اجتماعي أساسه الوطن الواحد والمواطنة والمواطن. 

دون ذلك اصطفاف داخل الأوهام القاتلة.

 

▪ من صفحة الكاتب على الفيس_بوك 

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس