تعز اليوم .. هل يحكمنا فيها  التافهون؟

الخميس 20 يوليو 2017 - الساعة 04:26 صباحاً

 

 

قبل اكثر من سنه قرأت مقال " لـجان عزيز " بعنوان لماذا يحكمنا التافهون ؟؟

المقال يسلط الضوء على كتاب صدر حديثا للفيلسوف الكندي " ألان دونو " بعنوان نظام التفاهة ، في هذا الكتاب يقدم استاذ الفلسفة والعلوم السياسية نصيحة فجة لناس هذا العصر إذ يقول ساخراً :

<< لا لزوم لهذه الكتب المعقدة ، لا تكن فخوراً ولا روحانياً فهذا يظهرك متكبراً ، لاتقدم أي فكرة جيدة فستكون عرضة للنقد ، لاتحمل نظرة ثاقبة ، وسع مقلتيك ، أرخ شفتيك ، فكر بميوعة وكن كذلك ، عليك ان تكن قابلاً للتعليب ، فقد تغير الزمن ، فالتافهين قد امسكوا بالسلطة !! >>

 

نعم

في تعز الثقافة وصانعة قيم التمدن فعلاً تغير الزمن فالتافهين قد أمسكوا بالسلطة !!!

 

شخصياً لا تعجبني الكتابة بهكذا لغة هابطة ولكن ما حيلة القلم النبيل إذا كان حكام تعز اليوم لا يفهمون غير هذه اللغة ولايستطيعوا ان يمارسوا غير سلوك الانحطاط السياسي والاخلاقي الذي يعربد في حق ابناء هذه المدينة التي توشحت بالحب وتدثرة بالثقافة عقود من الزمن .

 

تذكرني تعز اليوم ببغداد عاصمة الدولة العباسية حين عاشت سبع سنين عجاف في ظل احكام وقوانين " الخفارة والشطار " على إثر حرب الإخوة غير الاشقاء على السلطة ( المأمون والامين) ابناء هارون الرشيد بعد ان نكث الاخير عهد ابية في ولاية العهد ،

ولكن الفرق بين بغداد الامس وتعز اليوم ، أن الاولى في ظل الفوضى انتجت مطاوعة حقيقيين يتولون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل احمد ابن حنبل واحمد ابن نصر الخزعي وسهل ابن سلامة الانصاري ، ويسجل التاريخ انه في هذه الفوضى التي عاشتها بغداد تم لأول مره استخدم مصطلح " المطاوعة " وهم الذين تولوا حكم بغداد خلال فترة الحرب والفوضى التي عمت بغداد سبع سنوات حتى عاد الخليفة المأمون الى قصر بغداد بعد الانتصار وقتل اخيه بسبع سنوات ، ولكن كان هؤلاء المطاوعة خلال السبع سنوات يعملون بإخلاص في خدمة العامة والدفاع عنها ، بل وانقذو ابناء بغداد من مخاطر الانفلات والفوضى ، اما الثانية فقد انتجت اليوم " مطاوعة مثل غزوان وصادق سرحان ، وابو العباس وعلى شاكلتهم حكام في المرافق المدينة والعسكرية ، وجميعهم يؤسسون اليوم في تعز" نظام التفاهة " بل ويجرعون ابناءها ثقافة الهمجية التي ثارت تعز عليها في وجه نظام صالح .

 

في تعز تتشكل اليوم ظلمات في وجه ابناءها الحالمين بعضها فوق بعض ، حصار يطوق المدينة من قبل القوى الانقلابية حول مدينتهم الجميلة الي سجن مقفل ، يعيش فيه موظفون بسطاء بلا رواتب لعشرة اشهر ، وأسر تقتات آلام الجوع في الوقت الذي تباع فيه مواد الاغاثة في محلات التجارة وتتعفن بعضها في مخازن بعض الاحزاب والجمعيات ، واكثر من ذلك يٌحاصر ابناء المدينة داخل منازلهم ايام عديدة ويٌمنعون عن الخروج للعمل من اجل سد رمق جوع اطفالهم ، ليس خوفاً من قنص سلاح القوى الانقلابية التي تحاصر المدينة بل من رصاص قادات المقاومة التي اصبحت تخطف الارواح البريئة في شوارع المدينة ، بسبب قتال هؤلاء القاده على إيرادات الاسواق بهدف جمع المال والثروة ، حربا بين قادات تعز أمراء الحرب وتجار الحروب تطلب من المواطن البسيط في هذه المدينة ان يدفع المال والدم ويعيش في زمن الخوف انه زمن الحكام التافهين في هذه المدينة .

 

في المجتمعات التي تحترم مسؤوليتها يقدم الوزير استقالته بسبب حادث مروري تسبب به سائق مخمور او عٌطل في احد القطارات خارج عن الارادة ، فيتحول هذا المستقيل الى قائدً  في ضمير شعبه بدون ممارسة السلطة ، وفي تعز تتأصل ثقافة الهمجية ويخلق الصراع على حافة الاسواق من اجل المال بطولات وابطال ، ليس على شاكلة عبدالرقيب عبدالوهاب ورفاقه ، ولكن على تراجيدية غزوان ونشوان ومن يقف خلفهم .

 

هذا المسؤل المستقيل هناك لا يعيد الارواح المفقودة الى اهلها بتقديم استقالته بل يحافظ على ضمير المسؤولية حياً تجاه المواطن ولو في ابسط الامور حتى لا ينحرف مسار المجتمع نحو ممارسة الرذيلة سياسيا واخلاقيا   ويفقد بذلك قيمة ومعنى الشعور بالمسؤولية الاجتماعية .

 

تعز اليوم تذبح بدم بارد من الوريد إلى الوريد تعيش داخل مثلث " الخوف والجوع والموت " ولا يحرك ذلك الفشل ضمير حكامها ( المحافظ ، وكلاء المحافظ ، مدراء المكاتب التنفيذية ، مدراء العموم ، قادات الامن والجيش ) ليس نحو تصحيح المسار اذا كان ذلك فوق طاقاتهم ، بل بتقديم استقالة من اجل صحوت الضمير تجاه المسؤولية .

 

قبل خمس سنوات قرأت كتاب " اليسار واليمين في الاسلام " للكاتب - حمدي صالح - وما أثار انتباهي يومها وقد تحول إلى مثال وقدوة في نظري يتعلق بضمير المسؤولية تجاه المجتمع ، هو ما قرٲته في اخر الكتاب حول توصيف موقف " الامام الحسين بن على " قبل استشهاده في كربلاء ، اذ يقول الكاتب ان الحسين كان يعرف انه مهزوم ومقتول لا محالة في المعركة لاسيما بعد ان شاهد حجم الجيوش التي واجهته وتفرق اصحابه من حوله ، وكان امامه فرصة للحياة وذلك بالرجوع من حيث اتى ولكون ذلك كان مطلب قائد الجيش الذي خرج لملاقاته لا سيما وان الرجل كان يحمل معه اطفاله ونسائه ، ولكن الحسين كان يعلم ان المسار السياسي والاجتماعي وحتى الاخلاقي في المجتمع قد انحرف ولابد من تقديم تضحية ضخمة لكي يصحو الضمير ، فاراد ان يستشهد ليتحول استشهادة إلى صحوت ضمير في وعي المجتمع لكونه يحمل رمزية القيادة في المجتمع ، وتلك هي الضمائر الحية عند القادة الحقيقين ،

 

في تعز عندما نطلب من حكامها ال… تقديم استقالتهم كحد ادنى ليس لٲن في ذلك حلا سحريا لما يجري في تعز بل لان في ذلك مدخل لمواجهة انحراف المسار ، لاسيما اذا كان الاستمرار في المنصب لا يؤدي الى تحقيق الغاية من هذا المنصب فإن الاستمرار فيه والبحث عنه يعني الجري وراء الفتات ، ذلك وفق حسابات الحكام ذوي الضمائر الحية ،

اما اذا كان الحكام تافهون فذلك شي اخر . !!

فــمــن يــحــكم تــعــز الــيــوم ؟؟

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس