المشروع الحقيقي

الجمعه 11 مارس 2022 - الساعة 07:15 مساءً

 

المشروع الحقيقي هو الفكرة الصحيحة بذاتها اولا" و بمطابقتها للمعاير العلمية والمنطقية والقيمية وبتلبيتها للحاجات والأمال الفردية او المجتمعية ثانيا" و التي تمارس بصدق وإخلاص وتضحية من قبل معتقديها..

 

ولا يعني مجرد أن  تكون الفكرة صحيحة أن يجعل منها ذلك مشروعا"حقيقيا"  وانما لتكون الفكرة مشروعا"حقيقيا"يجب أن تمارس بصدق وإخلاص وتضحية من معتقديها..

 

وعلى ذلك فليس كل فكرة صحيحة هي مشروع حقيقي طالما لم تتحقق على أرض الواقع وليس كل  مايتحقق على أرض الواقع هو بالضرورة مشروع حقيقي طالما لم يكن نتاج فكرة صحيحة..

 

ولا يقف الأمر عند هذا الحد انما يمتد أيضا"ليرتبط بوسائل التحقيق وملائمتها ومواكبتها ، فقد تكون الفكرة صحيحة وتمارس بصدق وإخلاص وتضحية من قبل معتقديها ولكن تحتاج لحامل مؤسسي ينظم سلامة  عملية التحقيق حين تتلكأ ويضمن استمرارها حين تتعثر..

 

والمشاريع الحقيقية هي في الأصل مشاريع حياة عند معتقديها ولذلك تصبح التضحية جوهرها وخامتها الأساسية والتي تصل فيها التضحية لأعلى مراتبها بأن يبذل معتقديها أرواحهم وكل ما يملكون لتحيا مشاريعهم وتبقى لانه لا حياة لهم ولا معنى دون تحقق مشاريعهم التي يعتقدونها..

 

ولفهم أفضل يقتضي منا  الأمر عرض مثال بسيط وغير معقد على ذلك و المتمثل بمشروع حاتم الطائي و فكرة الكرم لديه التي اعتقدها وحققها على أرض الواقع والتي لم تكن بحاجة لحامل مؤسسي ينظم عملية تحقيقها كون حاملها ومعتقدها كان فردا" استهدف تحقيقها على أرض الواقع من خلال ذاته وجميعنا يدرك بحسب المنقول من التاريخ  ماذا تعني فكرة الكرم عند حاتم الطائي وكيف مارسها بصدق واخلص لها وضحى من أجل تحقيقها واستمرارها ..

 

والجدير بنا في هذا السياق أن نذكر بحسب المنقول من التاريخ بعض الشواهد للتدليل على حجم التضحيات التي بذلها حاتم الطائي من أجل تحقيق مشروعه على أرض الواقع ولكننا سنكون مجانبين للصواب إن فعلنا ذلك كون الرجل ومشروعه مازال حيا" وخالدا" في ذاكرة المجتمع العربي حتى يومنا هذا ، الأمر الذي لا يستدعي منا للتدليل سوى الإشارة إليه أو ذكر اسمه فقط  لتتكفل ذاكرة المجتمع العربي باستعراض استدلالاتنا دون عناء ..

 

غير أنه من الأهمية بمكان في هذا السياق أن نلفت الإنتباه لمشهد هام من مشاهد حياة حاتم الطائي والتي تتجلى من خلاله المشاريع الحقيقة بأروع تجلياتها كمشاريع حياة لحظة يصبح للمشروع أولوية فيها للإستمرار عند حامله من حياته حين يتطلب ذلك بقاء المشروع واستمراره في مقابله إما أن تمنح روحك ليعيش مشروعك أو تمنعها فتموت انت ومشروعك معا" فلا معنى لأن تبقى ويموت مشروعك فأنت بدون مشروعك لا قيمة لوجودك اصلا"..

 

ففي مشهد لجولة من جولات الصراع القبلي في إحدى معارك قبيلة طي مع قبيلة أخرى وكان حاتم الطائي في خضم تلك المعركة يقاتل ببسالة كعادته مخلصا" في كل سلوكياته كون القيم والأخلاق لا تتجزأ إذ برز له خصم باسل فأنهكه حاتم بضرباته فسقط سيف خصمه فقال له خصمه رمحك ياحاتم ومن غير تفكير أو تردد أو تلكؤ يرمي له حاتم بالرمح فيتلقفه خصمه ليدخل بينهما فرسان طي قائلين في غضب لحاتم لو شاء لعطف اليك وقتلك فقال أيقول لي رمحك ورمحي في يدي ولا أعطه ..!!

 

في مشهد من مشاهد الصدق والإخلاص و التضحية التي عرف حاتم الطائي فيها ماذا تعني أن تكون المشاريع الحقيقة مشاريع حياة في لحظة كان حاتم أحوج فيها لرمحه من اي وقت مضى في حياته فإما أن يمنع خصمه مما طلب فيموت خصمه ويموت معه مشروع كرم حاتم أو يموت حاتم لو عطف عليه خصمه ويتحقق مشروعه على أرض الواقع و يبقى مشروعه حيا" خالدا" حتى يومنا هذا وهو ماكان..

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس