المجلس الرئاسي بين الحسابات السياسية والإستراتيجية

الجمعه 22 ابريل 2022 - الساعة 02:26 صباحاً

 

هل كانت الرياض مجبره على أن تنتظر كل هذه السنوات العجاف حتى تَقدم على إتخاذ مثل هذه الخطوة السياسية التي حدثت على إثر مؤتمر الرياض ؟ أم أن قيادتها كانت تفتقد منذ البداية للفكر السياسي في إدارة معركة استعادة الشرعية بعد أن سيطرت الحركة الحوثية على العاصمة صنعاء ؟ أم أنها كانت حسابات مصالح ضيقة فرضتها الإمارات على الأرض أكثر من السعودية ؟

 

لكن حسابات المصالح هذه وصلت بعد سبع سنوات إلى قناعة بأن المخاطر التي سيواجهها الأمن القومي للدول الخليجية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية هي أكبر بكثير من المكاسب التي انطلقت منها الحسابات السياسية والعسكرية خلال هذه السنوات ، لاسيما مع تصاعد قدرة الحركة الحوثية على ضرب العمق السعودي الإماراتي ويكفي في ذلك شاهدا أن أحد ضربات سلاح الجو المسير استطاعت يومها أن توقف نصف اصدار النفط السعودي بنسبة خمسة مليون برميل يوميا.

  

هل فعلاً حان وقت التوقف المسؤول تجاه  المشهد السلبي الذي تكون داخل اليمن بكل أبعاده السياسية والعسكرية و الاقتصادية على قاعدة السؤال الذي يختزل في طرحه كل الأسئلة السابقة حين يقول هل أدركت القيادة السعودية « استراتيجياً » بعد سبع سنوات من الحرب في اليمن بأن الحركة الحوثية لن تهزم إلا حين يتم مواجهتها عملياً بمشروع وطني يخلق نموذج الدولة الوطنية « في واقع اليمنيين »  لاسيما وأن وجود الحركة الحوثية = « المسلحة » وارتباطها الذي أصبح استراتيجي بالنسبة لدولة إيران سوف يحولها إلى خطر وجودي في شبة الجزيرة العربية ، ليس على مستقبل الدولة الوطنية في اليمن فقط ، ولكن على مستقبل السعودية ونظام الحكم فيها ؟

 

بناءً على تلك المعطيات السياسية والعسكرية التي تموضعت داخل مناطق الشرعية من بداية الحرب ، لا يستطيع المرء معها إلا أن يرى في مسألة الذهاب إلى تشكيل المجلس الرئاسي سوى انتقال متأخر للتحالف من منطق الحسابات السياسية « التي لم تخدم في الواقع سوى الحركة الحوثية وصمودها على حساب سلطة الشرعية » إلى منطق الحسابات الاستراتيجية التي كان من الضروري أن تحضر من أول يوم للتدخل العسكري لدول التحالف الدعم للشرعية في اليمن،

 

القول بسلبية ما حدث أو أن ما حدث هو مجرد استكمال لمسار سوء النوايا من وراء التدخل في اليمن ، وهو وارد على لسان العديد من المعترضين على مؤتمر الرياض وعلى تشكيل المجلس الرئاسي ، لا يعني استحالة حدوث ما ذهبوا إليه في أسوأ الأحوال تشائماً بقدر ما سوف يعني في حقيقة الأمر على المستوى الاستراتيجي استحالة أن تكون القيادة السياسية في دولة السعودية على وجه التحديد مؤهلة حتى في الأبجديات السياسية والعسكرية المطلوبة في إدارة معادلة صراعها الإقليمي مع دولة إيران ومشروعها السياسي الزاحف على المنطقة العربية.

 

هذا من جهة أولى ومن جهة ثانية فإن قيادة الشرعية على هذا الأساس سوف تواصل في الداخل مسار الإخفاقات المتكررة في إدارة معركة المواجهة « السياسية والعسكرية » القائمة في اليمن على ثنائية الشرعية والانقلاب ، ما يعني أن التسليم بمقولة المعترضين على تشكيل المجلس الرئاسي تحت أي تفسيرات في حال صدقها أو أن تشكيل هذا الأخير يأتي بكونه مجرد خطوة سياسية من قبل التحالف خالية من أي أبعاد استراتيجية هادفة تتعلق بإدارة معركة المواجهة المصيرية مع الحركة الحوثية لن تصب سوى في مصلحة الحركة الحوثية ، وسوف تزيد من قوتها في حين أن الحركة الحوثية بهويتها اللاوطنية وتركيباتها المليشاوية ستظل مخالب قط بيد المشروع الإيراني ، وهذا بحد ذاته يطرح السؤال القائل هل أدركت السعودية حجم التحديات في اليمن؟ 

 

ما يلوح في الأفق اليوم أن السعودية في العام الثامن للحرب اليمنية بدت مستوعبة للمخاطر ولما هو مطلوب منها أكثر من ذي قبل ، وتشكيل المجلس الرئاسي خطوة في الاتجاه الصحيح بكونها خيار استراتيجي مطلوب بالضرورة في إدارة معركة المواجهة مع الحركة الحوثية على قاعدة وحدة النموذج السياسي والعسكري في مناطق الشرعية المبعثرة ، لاسيما وأن خلق أحادية هذا النموذج السياسي والعسكري المؤهل لإدارة المعركة مع الحركة الحوثية هو الآن من مهام المجلس الرئاسي الذي وصل عدن وأدى اليمين الدستورية أمام أعضاء مجلس النواب.

 

وبدون ذلك فإن المجلس الرئاسي بقيادة الدكتور رشاد العليمي سيظل مزحه سياسية كبيرة ما كانت تستدعي الإخراج السياسي برعاية مجلس التعاون الخليجي ، ناهيك عن كون هذه المزحة سوف تعزز من فكرة الشك السياسي في مسألة تناسخ الانقلابات المتوالية على الشرعية ، بمعنى آخر شرعية المجلس الرئاسي في ظل إنقلاب الحركة الحوثية وسيطرتها على العاصمة صنعاء هي في المقام الأول شرعية سياسية ناتجة عن دوره وقدرته على خلق الشروط الاستراتيجية المطلوبة على مستوى الداخل لإدارة معركة المستقبل مع الحركة الحوثية ، وأول هذه الشروط الاستراتيجية خلق واقع الدولة في مناطق الشرعية وإعادة صياغة المشهد السياسي والعسكري بما يحقق وحدة القرار والقيادة السياسية والعسكرية التي كانت مفقودة داخل معسكر الشرعية منذ البداية. 

 

ربما اريد بمنطق الحسابات السياسية أن تظل الشرعية اليمنية في الماضي فاقدة لوحدة القرار والقيادة السياسية والعسكرية على الأرض ، إلا أن منطق هذه الحسابات جعل الشرعية والتحالف بعد سبع سنوات محشورين في زاوية الأخطاء الاستراتيجية التي ما كان لها أن تحدث لأنها وفرت الوقت الكافي والقوة المتصاعدة للحركة الحوثية ، لهذا تكون قوة الحركة الحوثية مستمدة بدرجة رئيسية من  فشل الرافضين لوجودها داخلياً وإقليمياً.

 

من سخافة القول أن نعتقد أن مؤتمر الرياض كان يحمل في طياته دعوة حضور للحركة الحوثية للمشاركة فيه ، أو حتى مجرد الحرص على حضورها للمشاورات السياسية بهدف حل المشكلة اليمنية على الصعيد الوطني كما حدث في كل المشاورات السابقة ، فلو كان ذلك في الحسبان لكان مكان المؤتمر خارج السعودية الأمر الذي يعني أن مؤتمر الرياض كان لقاء مغلق معني بالوقوف على حقيقة الفشل الذي صب في مصلحة صمود الحركة الحوثية وهو ما لم يكن من المناسب التصريح به إعلامياً

 

كما أن عقد مؤتمر الرياض برعاية مجلس التعاون الخليجي بدون حضور الحركة الحوثية التي تمثل طرف في الحرب اليمنية ، يعني أن السعودية وكأنها بدت معنية في مسألة تصحيح الأخطاء السياسية والعسكرية والمألات المترتبة عليها بناء على قاعدة استراتيجية المواجهة بين الشرعية اليمنية والحركة الحوثية الانقلابية في قابل الأيام.

 

لهذا فإن تشكيل المجلس الرئاسي بقدر ما يعني تجديد الوجة السياسي لسلطة الشرعية بقدر ما يعكس حقيقة تموضع القوات العسكرية الفاعلة على الأرض والتي تتطلب استراتيجيا استعادة بوصلتها على مستوى الأهداف التي يجب أن تخضع عملياً  لتحديد الأولويات في مسار المواجهة العاجلة ، ما يعني أن الحركة الحوثية استراتيجياً هي الخطر المحدق بالجميع.

 

في كل الأحوال نستطيع القول في أن ما حدث في الرياض بإرادة اليمنيين أو بالفرض عليهم ، يحمل الكثير من الجدية التي سوف تنعكس في صالح الشرعية ، كما أن دوافع السعودية في ذلك إما أنها انعكاس للحرب الروسية الأوكرانية وحضور أمريكا في خضمها ، الأمر الذي يقتضي على حلفاء أمريكا خارج أوروبا الجاهزية للمشاركة في سيناريوهات الأدوار المستقبلية ضد روسيا ، وهذا بحد ذاته يقتضي من دول الحلفاء التخلص من ما هم فيه لهذا تكون السعودية أكبر حلفاء أمريكا معنية في حسم الحرب في اليمن ضد الحركة الحوثية لاسيما وأن الحركة الحوثية محسوبة على إيران وهذه الأخيرة متحالفة مع روسيا ، الأمر الذي يجعل الولايات المتحدة الأمريكية أكثر جدية في دعم السعودية في حسم الحرب في اليمن وتحقيق ذلك في الواقع يقتضي إصلاح الشرعية وتوحيد قوات الانتقالي وطارق والشرعية نحو هذا الهدف.

 

وهذا ما يفسر قبول الإمارات ودعمها لمثل هذا التوجه بضغط امريكي ، أو أن السعودية نتيجة تصاعد ضربات سلاح الجو المسير على شريان النفط جعلها تفكر في الإنسحاب من المواجهة العسكرية المباشرة في اليمن ، لكن هذا الإنسحاب لا يعني الهزيمة والتسليم بشروط الحركة الحوثية التي تطالب بوقف تدخل الطيران السعودي مقابل إيقاف ضربات سلاح الجو المسير ، بقدر ما يعني أن السعودية تسقط مبرر هجمات سلاح الجو المسير عليها مع بقائها حاضرة في حرب اليمن ، عن طريق دعمها لمعسكر الشرعية على الأرض.

 

وهذا هو الآخر يقتضي قبل انسحاب الطيران السعودي توحيد معسكر الشرعية ، وتوحيد اليمنيين في مواجهة الحركة الحوثية ، ما يعني في النتيجة النهائية أن اليمن في ظل المجلس الرئاسي سوف تنتقل إلى وضع اخر فرضته الحسابات الاستراتيجية على مستوى الداخل والخارج.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس