وجدنا العيد في واحة الشهداء .. والجَمَال يستوطن المقبرة..
الجمعه 06 مايو 2022 - الساعة 01:24 صباحاً
سلمان الحميدي
مقالات للكاتب
في المدينة لا معنى للطرقات المكدسة بالزبالة، الفرحة مرتسمة على ملامح الناس ولكنها ناقصة، المدينة محاصرة، وحميمية العيد ناقصة، صحيح أنك تشعر بأن الجميع أهلك، وبإمكانك مزاورتهم، ولكن لا شيء يستدعي خطاك ويلفت عينيك، لن تلحظ شيئاً من جمال الطريق كما هي طريق الريف..
ـ أين تذهب إذن؟
ـ المقبرة..
بعد صلاة العيد ذهبت إلى واحة الشهداء، هناك ـ فقط ـ شعرت بالحميمية ورأيت الجمال، كانت المقبرة مزدحمة بالزوار والزائرات، صغاراً وكباراً، تكالبت المشاعر ومُزجت ببعضها، الشهداء أهل واليمنيون أهل الشهداء..
كأننا نعرف بعضنا من زمان، كأن مقبرة الشهداء هو بيت اليمنيين الكبير الذي يجمعهم في المناسبات، ها نحن نسلم على البعض، الأطفال يجولون حول القبور.
شعور غريب: فرح وحزن، تتجعد الجِبَاه، والشفاه تحاول التبسم، جنود يحتلقون على قبر قائدهم، صديق جالس جوار قبر صديقه، عائلة بكاملها في طريقها إلى قبر فقيدها، زوج وزوجة على ضريح يجمع ثلاثة من أطفالهم أخذتهم قذيفة، تفوح الروائح في الأرجاء: رائحة البدلات، العطر، المشاقر، وشيء من عبق الجنة..
على جدار القطعة الأولى من الواحة، رأيت امرأة تذرف دمعها بيدها المحناة، تترحم على ابنها الشهيد..
في القطعة الثالثة، رأيت إحدى الأمهات مع طفلتيها على قبر والدهن الشهيد، كانت تطلب منهن أن يقبّلنه، الطفلتان تنحنيان إلى شاهد القبر، حيث اسم والدهن ويمطرنه بالقبلات.. في إحدى المرات طلبن من أمهن أن تلتقط لهن صورة وهن يقبلنه..
على ضريح آخر، يصعد الأطفال، أحد الكبار يزجرهم، يطلب منهم الابتعاد إلى جانب القبر كي لا يؤذوه وجدتهم ترد: دعهم يلعبون على صدره ويصعدون فوق رأسه، كان كذلك عندما كان بينهم، هو بينهم الآن، أقصد قبل أن تسكن رصاصة القناص قلبه.. الرصاصة خرجت، وبقى فيه الأطفال والبلاد..
وجدنا العيد في واحة الشهداء.. الجَمَال يستوطن المقبرة..
▪︎ من صفحة الكاتب على الفيس بوك