العقل السياسي أم الأحزاب السياسية ؟ مقاربة سياسية معرفية في إحدى جذور المشكلة اليمنية (2)
الاحد 12 يونيو 2022 - الساعة 01:47 صباحاً
فهمي محمد عبدالرحمن
مقالات للكاتب
في الشطر الشمالي تم تحريم الحزبية بنص الدستور والقانون وحكمت سلطة صنعاء شمال اليمن على أساس أن الحزبية خيانة وطنية ، ومع ذلك فشلت السلطة في عملية التغيير نحو المستقبل ، فلم تتحول السلطة إلى دولة ولم يتحول الشمال إلى وطن ، ناهيك عن أن السلطة الحاكمة هي التي انقلبت على أهداف ثورة سبتمبر وخاضت مع نفسها ومع الآخر صراع وقتال وتصفيات من أجل إفراغ ثورة سبتمبر من مضمونها ، وأكثر من ذلك تأسست السلطة الحاكمة في صنعاء في ظل غياب فكرة الحزبية السياسية على العصبية القبلية المناطقية والمذهبية والجهوية وكلها عصبيات ممانعة لوجود الدولة والوطن ، ما يعني في النتيجة أن العقل السياسي الحاكم في شمال اليمن كان حريصا على استدعاء العصبيات الممانعة تاريخياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً لفكرة الدولة ولـمفهوم الوطن.
عندما تم تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام في عام 1982م لم يكن في حسبان المؤسسين تأسيس حزب / سياسي / تنظيمي / قادر على مواجهة العقل السياسي التقليدي ، بقدر ما كان في الحسبان تأسيس حزب يعبر عن وجود هذا العقل السياسي الحاكم في صنعاء . لهذا لم يشهد الشمال أو السلطة الحاكمة فيه « منذ تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام » صراع ذو أفق مستقبلية حداثية بين حزب السلطة ، وبين العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن ، ومرد ذلك يعود إلى أن الحزب السياسي الذي تأسس لا ليحكم السلطة كمؤسسة سياسية حزبية ، إضافة إلى كيان السلطة القائم فوق هذا الحزب ، كانوا في الأساس أدوات سياسية بيد العقل السياسي الحاكم تاريخياً . وهذا ما يفسر خلو مسار التجربة السياسية في شمال اليمن من جدلية الحزب والسلطة الحاكمة هذا من جهة أولى ، ومن جهة ثانية يفسر عدم حضور السلطة العامة أو سلطة الدولة إذا جاز التعبير ونفوذها السياسي والقانوني خارج حدود العاصمة صنعاء ، لاسيما في اتجاه مناطق شمال الشمال التي ظلت حتى اليوم خزان القبيلة السياسية في اليمن ، ومصدر تحرك العقل السياسي الحاكم تاريخياً ، ما يعني في النتيجة أن السلطة الحاكمة في شمال اليمن من بعد ثورة سبتمبر تقبيلت تدريجياً تجاه الماضي ولم تتديول مرحلياً نحو المستقبل ، لأنها نتاج لمفاعيل العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن بكل أبعاده القبلية والمذهبية والجهوية، ولم تكن في يوم من الأيام نتاج للعقل السياسي الحزبي التنظيمي المؤمن بمشروع الحزب وتوجهاته السياسية الحديثة ، حتى مع تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام كحزب حاكم في شمال اليمن في عام 1982م ، ظل العقل السياسي اليمني هو الجهاز المفاهيمي الثقافي الذي ينفخ الروح في أجهزة السلطة الحاكمة في شمال اليمن ، لهذا كان من الطبيعي أن نقف اليوم أمام خطر وجودي يهدد الثورة والجمهورية ومستقبل الأجيال القادمة في اليمن .
نستطيع القول بأن العقل السياسي الحزبي القائم على فكرة التحزب السياسي لم يؤثر بشكل مباشر في تجربة السلطة السياسية الحاكمة في شمال اليمن ولا في مسارها السياسي وتوجهاتها المستقبلية منذ ثورة سبتمبر لأن تجربة السلطة الحاكمة كانت تفتقد لوجود حزب سياسي مؤسسي تنظيمي يقود أجهزة السلطة ، ويؤمن بمشروع سياسي أو أيديولوجي ، ناهيك عن عدم حضوره - أي الحزب - في معركة التغيير بأدوات السلطة الحاكمة ، لهذا لم تتحول هذه الأخيرة في شمال اليمن إلى أدوات تغيير فاعلة في المناطق القبلية ، بل لم تستطيع أن تكسر الطوق القبلي المحيط بالعاصمة صنعاء ، لأن دورها كان يعبر عن ما هو كائن أو أنها انعكاس له ={ العقل السياسي التقليدي } وليس عما يجب أن يكون ={ العقل السياسي الحزبي }
وإذا كان ذلك ما حدث على المستوى السياسي العمودي اقصد على مستوى المجال السياسي العام والسلطة الحاكمة فإن العقل السياسي الحزبي من موقع المعارضة في الشمال أثر بشكل محدود في وعي المواطنين في بعض المناطق الوسطى وفي محافظة تعز على وجه الخصوص ، إلا أن هذه الأحزاب كانت تتعرض للقمع من قبل سلطة العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن وليس من سلطة العقل الحزبي ، كما أن الانتصار لفكرة التغيير في المجتمعات التقليدية غالباً ما يحتاج إلى أدوات السلطة لأنها وحدها قادرة على إحراق المراحل التاريخية القائمة على صيرورة التراكم النوعي، بدليل تجربة الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي عن طريق السلطة، حاولت في فترة قصيرة أن توجه مسار السلطة الحاكمة والمجتمع في الشمال في إتجاه ما يجب أن يكون عليه حال اليمنيين ={ نحو المستقبل } إلا أن العقل السياسي الحاكم « تاريخياً » تحرك ونجح في إغتيال الرئيس الحمدي بهدف أن تظل مقاليد السلطة الحاكمة بيده، وتظل في نفس الوقت تعبر عن ما هو قائم تاريخياً في شمال اليمن، ناهيك عن تأسيسها السياسي أي السلطة على عصبية القبيلة السياسية الجهوية، سيما وأن هذه الأخيرة تعد أحد الوجوه البارزة للعقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن.
لقد أستمر هذا الانفراد العصبوي التقليدي في بنية وهوية السلطة الحاكمة في صنعاء حتى الـ22 من مايو عام 1990 العام الذي سجل فيه التاريخ - لأول مرة - خضوع المكون الإنساني في شمال وجنوب اليمن لحكم الدولة / الواحدة / الموحدة / وعلى إثر هذا الحدث السياسي/ التاريخي الكبير ={ قيام دولة الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب } شهدت اليمن صراع مصيري حول المستقبل وآفاقة، بين العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن وبين العقل السياسي الحزبي الطامح في حكم دولة الوحدة اليمنية، وهو ما سوف نعود للحديث إليه بعد الحديث عن تجربة السلطة في الجنوب.
محمد ابو حمد
2019-May-28المشكله ان هناك ناس تصدق مثل هذه الخزعبلات حقهم