المعتقل في سجون الحوثي بدر سلطان قصة معاناة من تقرير "أشد العذاب" لمنظمة سام
الاثنين 08 سبتمبر 2025 - الساعة 08:00 مساءً
دب الرعب في أعماق بدر سلطان عندما أدخلوه البحث الجنائي بصنعاء. رأى معتقلاً يُحمل إلى الحمام بمحفة، وآخر يذهب لقضاء حاجته مستندًا بسجينين: «هذا كان بالورشة أمس الليل» سمع السجناء يتحدثون مشيرين إلى الرجل، وبدأوا بسرد بعض التفاصيل عن أهوال الورشة التي يُقاد إليها السجناء في البحث الجنائي.
كان بدر في سن الثامنة عشر عند اعتقاله ونقله إلى مركز شرطة هبرة قبل تحويله إلى البحث الجنائي بخمسة وثلاثين يومًا، وعندما وصل سجن البحث ورأى ما رأى شعر بالخوف، ظل يبكي طوال الليل متخيلاً ماذا سيحل به. انتظار الدور هدّ حالته النفسية، كان المحققون يستدعون معتقلاً ويعود في حالة مزرية، يتعاظم الخوف عند بدر كلما سمع الباب يُفتح، كانوا يأتون للتحقيق عند الساعة ١١ أو ١٢ ليلاً والجميع نائمون.
أسبوعان، لم يأت دور بدر، وبعد أسبوعين جاء الدور.
مشى يرتجف خوفًا، تركوه واقفًا لعدة ساعات دون أن ينطق بكلمة، يعيدونه للسجن، يستدعونه في اليوم التالي ويتركونه واقفًا لساعات أيضًا، هكذا لمدة أربعة أيام. كانت هذه عملية إحماء أو تمرين لإدخاله الورشة التي كان يسمع عنها أو يرى آثارها على أجساد زملائه الكبار.
اقتادوه إلى الورشة مغطى العينيين، دخل إلى مكان كان يسمع فيه صراخ المحتجزين: «تصورت المشهد كأنه يوم قيامة، الصياح مرعب».
للورشة مراحل مختلفة وغرف مختلفة أيضًا، أدخلوا بدر سلطان إلى مكان شعر فيه أنه داخل الثلاجة، سمع أصواتًا مخيفة مرة أخرى. بعد وصوله إلى مكان آخر، معصوب العينين، أجلسوه على كرسي من حديد، فكوا القيود عن يديه وربطوها على كرسي التعذيب بعد أن ثبتوا الأسلاك على أصبع الإبهام وبدأوا التحقيق. أي سؤال يتأخر عن إجابته يهتز جسده كاملًا من الكهرباء.
كانوا يسألونه عن معرفته بصحفيين كبار لا يعرفهم داخل صنعاء، وعن مكاتب القنوات اليمنية في مدينة تعز، وأسئلة عن إخوته، وعن أماكن تواجد أسرته، استجوبوه على منشوراته في فيس بوك، قيدوا يديه إلى الخلف، جاء أحد أفراد ورشة التعذيب في البحث الجنائي وداس بقدميه على مفاصل يدي بدر، في إحدى المرات داس على اليد اليمنى حتى جرحت وسال الدم منها. استمروا بتعذيبه في البحث الجنائي لمدة خمسة وأربعين يومًا، قبل انتقاله إلى السجن المخفي، في بدروم فلة علي محسن، الفلة التي حولوها إلى سجن.
قسوة المكان وقسوة الناس، عذاب نفسي شاق، طريقة المعاملة قاسية. يقضي السجناء حاجاتهم في الطرف الآخر من الغرفة التي دخلها بدر، أخذوه للتحقيق وكانت يده متورمة من التعذيب في ورشة البحث الجنائي. سألوه عن أخيه الصحفي الذي يظهر في القنوات المناوئة للحوثيين، كان كل سؤال مصحوبًا بالشتم والإهانات، طلب المحقق في سؤاله الأخير مكان أسرة شقيق بدر، فرد عليهم:
ـ «هذه عائلة وعار».
من شدة الغضب قام المحقق وركل الكرسي الذي يجلس عليه بدر مربوطًا، سقط على الأرض واصطدم رأسه بالبلاط ففقد الوعي. أفاق من جديد، كان هناك خمسة أشخاص يشاركون بضربه وركله، بعد ذلك فكوا وثاقه من الكرسي وعلقوه إلى مروحة:
ـ «كنت أصيح بأعلى صوتي، وكلما صرخت يزداد الضرب بعصي بلاستيكية، كنت أصيح وأقول يدي، بعد ثلاث ساعات أنزلني أحدهم وفك الحبل وداس يدي بقدمه وهو يرتدي البيادة، ومع أي سؤال كان يدوس بقدمه على يدي حيث الألم».
تورمت يد بدر في ورشة البحث الجنائي، وتفجرت في ورشة السجن المخفي ببدروم الفلة، صارت جراحًا خائسة، منها جرح امتد من ظهر الكف إلى راحة اليد.
طلب بدر مهدئًا للألم في اليوم التالي، أحد الحوثيين رد وهو يقوده إلى التحقيق مرة أخرى:
ـ «ممكن أعطيك ما يريحك من الدنيا».
ظل المحقق صامتًا لساعتين، قبل أن يهدد بدر سلطان بقطع يده وإعطائها لأمه، قسوة التهديد أقوى من التعذيب. وجه المحقق بإدخال بدر إلى الورشة. الورشة موجودة في كل سجن، تنامى إلى ذهن المعتقل الصغير، وبعد إدخاله إلى ورشة السجن المخفي: «تم طرحي على السرير وتقييد رجلي ويدي، سألوني: أين الصحفيين الذين يعملون في صنعاء؟ وما هي القنوات التي تعمل فيها؟ ومن شدة التعذيب وافقت على طلبهم بأني أعمل في قناة يمن شباب، كانوا يرغبون بالاعتراف أني أعمل مع حمدي البكاري (مراسل قناة الجزيرة) وقنوات الجزيرة كمخابرات للتحالف لأنهم وجدوا بعض المراسلات بيني وبينه».
عقب ذلك، أخذ المحقق مشرطًا وشق صدر بدر:
ـ «والله سوف أخرج قلبك وألعب به بيدي».
وحين بدأ بتمرير المشرط على صدر بدر، فك الأربطة عن عينيه كي يرى الدم ويزداد الألم النفسي:
ـ «أنت خبيث.. حقير.. داعشي»، كان جزار الورشة يقول لبدر، وكان بدر يصرخ متوجعًا حتى فقد الوعي.
أفاق بدر على أضلاع مكسرة، وجرح واضح في الصدر وآلام شديدة لا يستطيع بسببها التنفس بصورة طبيعية. أعادوه إلى البحث الجنائي، ثم نقلوه إلى سجن احتياطي الثورة، كان هناك إلى جوار السارق والقاتل واللواطي، وكان بدر سلطان والمعتقلون على ذمة معارضتهم للحوثيين يتعرضون لمعاملة أقسى من معاملة المجرمين:
ـ «في إحدى المرات التي أعقبت كسر رأسي، لم أجرؤ أن أطلب منهم أن يسعفوني رغم أن الدم غطى ظهري، أحد المعتقلين لاحظ بعد يومين أن الجرح بدأ يقيح، ناهيك عن يدي التي كانت تؤلمني، طلبت فقط حبّة مهدئ فرفضوا، صاح صاحبي لأجل رأسي، ففتح القائمون على السجن الباب وأخرجوه وأهانوه».
كان المعتقلون يتعرضون للاحتقار حتى في الأكل والشرب والذهاب إلى الحمام والاتصال. لم يسمحوا لبدر سلطان بالاتصال بأهله إلا بعد سنة وسبعة أشهر، بعد تلك الفترة سمحوا لأسرته بزيارته.
كانت أم بدر سلطان تسافر من قريتها في تعز إلى العاصمة صنعاء كل فترة لتزور ابنها في المعتقل، كانوا يسمحون لأهالي المعتقلين بالزيارة لوقت لا يتجاوز خمس دقائق كل يوم خميس، كان الزائر والمحتجز يتعرض للإهانات:
ـ «كل مرة كنت أخفي التعذيب عن أمي الذي يكون غالبًا في ظهري، وفي ليلة خميس تم تعذيبي بقسوة، كان الضرب على وجهي، في ذلك اليوم منعوا أمي من الزيارة، عندما لم تجدني، أخبروها: ابنك حاول الانتحار ووضعناه في زنزانة منفردة، ولا يمكن زيارته»، ولكم أم بدر صممت ألا تمشي إلا بعد زيارته، ظلت تبكي لثلاث ساعات، رضخ القائمون على السجن وأجبروا بدر سلطان على تغطية وجهه وأطراف يديه كي لا تكتشف والدته التعذيب، ثم سمحوا لها بالزيارة ومنعوه من الحديث.
ظل بدر سلطان أربع سنوات في السجن الاحتياطي، وفي نهاية 2019 نقلوه إلى مدينة الصالح السكنية بتعز، راوده شعور أنه دخل إلى غابة كبيرة بداخلها حيوانات مفترسة، سيتقن ذلك عندما يجد أن أي شخص يدخل إلى السجن يتم التهامه بطريقة ما.
عند دخول بدر سلطان إلى إحدى البنايات وجد معتقلين مرضى، كان أحد المعتقلين المهمشين في حالة مأساوية، ناشد المعتقلون القائمين على معتقل الصالح لتقديم العلاج إلى المهمش:
ـ «دعوه يموت..» رد المشرفون على المعتقل.
مات المهمش أمام أعين بدر سلطان، المعتقلون السابقون أخبروا بدر سلطان أن عددًا من المحتجزين في تلك البناية ماتوا: «وصلت إلى حالة سوداء من اليأس بعد بكاء مرير وهم كبير».
مدينة الصالح مدينة أشباح، طريقه التعذيب، الحرب النفسية، الأكل، الشرب، أسوأ مما في صنعاء:
ـ «في سجن احتياطي صنعاء، كانوا يصرفون لنا ما يقارب من ٢٥ قارورة ماء لثلاثة أيام، في الصالح قارورتان لثلاثة أيام، تشرب منها وتتوضأ منها، وتغسل جسمك إن أردت منها، وتغسل ثيابك أيضًا، لم يكن الماء صحيًا، كانوا يقومون بتعبئته من خزانات وسخة، وإن فكرت بشراء ماء نقي يبيعون لك القارورة بضعفي سعرها. استغلال تام لكل شيء. فرض الحوثيون دفع قيمة الأدوية على المعتقلين المرضى، كان الثمن مضاعفًا، وكان حرس السجن يأخذون أجرة لجلب العلاج الذي يصل إلى مدير السجن أولًا، وبدوره يحيله للمشرف على السجن الذي غالبًا ما يكون غائبًا، كان هناك معتقلون مصابون بأمراض مزمنة مثل الكبد والقلب، والعلاج يصل بعد سبعة أيام، يشارف المريض على الموت والعلاج لا يصل».
حقق الحوثيون مع بدر في معتقل الصالح بتعز، كانت الأسئلة ذاتها في معتقلات صنعاء، كان بدر يعترض مؤكدًا لهم أنهم حققوا معه بصنعاء ويمكن الاستفادة من الملف: «أنت في تعز.. معتقل مستقل عن صنعاء» ويبدؤون بتعليقه بوضعية الشواية: ربط الرجلين مع اليدين وإدخال حديدة في الوسط، ثم يقوم ستة أشخاص بالضرب في أنحاء متفرقة من الجسد، وثلاثة آخرون يضحكون ويرشون الماء على المعتقل.
أصيب بدر باليأس: «كنت أعتقد أني سوف أمضي بقية عمري في السجن دون أي أمل»، تضاعف يأسه يوم أتاه وهو في معتقل الصالح، نبأ موت والدته: «كانت السند لروحي، لم تفارقني، كانت تسافر من تعز إلى صنعاء لأجل أن تراني خمس دقائق ثم تعود اليوم التالي، أشعر أحيانًا أن أمي ستدخل علي في أي وقت، كان طموحها أن تراني خارج السجن، يوم خروجي لم يكن مفرحًا بدون والدتي».
أفرج عن بدر سلطان بتاريخ 29 سبتمبر 2021، بصفقة تبادل.
*من تقرير "أشد العذاب" الصادر عن منظمة سام للحقوق والحريات 2024/12/10.*