لمحات من أمجاد الاشتراكي ومقبل
الاثنين 11 مارس 2019 - الساعة 10:01 مساءً
فهمي محمد عبدالرحمن
مقالات للكاتب
تم اختيار المناضل مقبل في أجواء غير طبيعية فيها كثير من المخاطر التي تجعل من الإقدام على تلك الخطوة وفي تلك الظروف شيء من ضروب الشجاعة والمغامرة ، في نفس الوقت ، لاسيما مع سقوط رهانات النظام وحلفائه في تقسيم الحزب الاشتراكي بين حزب وحدوي وآخر انفصالي ، او في أدنى الأحوال النجاح في إيجاد قيادة سياسية تعمل على تحويل الحزب الاشتراكي وتاريخه النضالي إلى مجرد ديكور سياسي يُزين المشهد الديمقراطي للنظام الحاكم في صنعاء امام المجتمع الدولي وعلى وجه التحديد تلك الدول المانحة للمسار الديمقراطي في اليمن .
بلا شك نجح الاشتراكيين كما هي عاداتهم في انتخاب قيادة سياسية بحجم المرحلة على شاكلت المناضل مقبل وجار الله ، لكن النظام الحاكم في صنعاء مارس على تلك القيادة أشد أنواع الضغوط والترهيب بهدف انتزاع موقف سياسي يشرعن للحرب في صيف 94/ وكأنها اندلعت في مواجهة الانفصال كما تم تسويقها يوم ذاك ، لكن قيادة الحزب كانت تقف على تاريخ من الكفاح والنضال ، اكبر بكثير من تاريخ هؤلاء الضاغطون يومها ليس على قيادة الحزب الاشتراكي فقط بل على أنفاس المستقبل الوحدوي في اليمن .
وفي مواجهة ذلك ، اتخذ أعضاء المكتب السياسي بقيادة المناضل مقبل موقف سياسي يكشف حقيقة ما جرى بكل شجاعة ، وهو موقف يُسجل لتاريخ وللأجيال في اليمن ، تمثل يومها في إدانة الحرب أولاً ثم إدانة الانفصال ثانيا ، وهو ما يعني أن قرار الانفصال كان ردة فعل لا تخلوا من الانفعال على إشعال الحرب التي استهدفت المشروع والشريك في دولة الوحدة .
كان لسان حال المناضل مقبل ورفاقه في قيادة الحزب الاشتراكي تؤكد حقيقة موضوعية تقول ” أن من أعلن الحرب هو من أعلن الانفصال وأنقلب على دولة الوحدة ، لا سيما بعد أن وقعت الأطراف السياسية في اليمن على وثيقة العهد والاتفاق برعاية عربيه ودولية ” وآية ذلك تصدح بها وقائع ما بعد الحرب حين تقدم الأدلة والشواهد المادية على أن حرب 1994/ لم تقف يومها عند حدود المكون السياسي للحزب الاشتراكي الشريك في اتفاقية الوحدة ، بل حولت الجغرافيا والرمزية ، والتاريخ والثقافة ، والحقوق المكتسبة ، في جنوب اليمن إلى غنيمة حرب للفاتحين والمجاهدين بقوة السلاح وبالفتوى الدينية !
لم تكن تدرك تلك القوى المتشابكة في المصالح ( همجية التفكير وثلاثية الأبعاد والتكوين ) = القبلية والدينية والعسكرية ، التي تحركت للقتال والجهاد والفتح تحت شعارها المزعوم ( محاربة قوى الردة !!! والانفصال ) انها لم تفتح للإسلامي داراً في الجنوب ، بل فتحت ثقوب سوداء لينفُذ من خلالها الماضي الى الحاضر ، وعندما اخذتها العزة بالإثم وأصرت على تقديس الخطيئة في حرب 94/ تحولت تلك الثقوب الى خروقات اصبحت تتسع كل يوم في جدران الوحدة التي لم تقوى بعد على التماسك ، وقد غدت تلك الخروقات في بُنيان الوحدة عصية عن الترقيع ، حتى أمام الأجيال القادمة التي كان يفترض بها أن تعيش في مستقبل منشود يتقاطع وينفصل بالمطلق عن ذاكرة تنتمى تاريخياً الى تجربة التشطير في اليمن .
كان أمام دولة الوحدة مهمات كبيرة تتمثل يومها في تحويل شطري اليمن في الشمال والجنوب الى وطن لكل اليمنيين الذين لم ينامون فرحاً عشية ال30/ من نوفمبر ، أو على حد وصف الشاعر والأديب عبدالعزيز المقالح في وصف تلك الليلة حين قال” شعرت أن النوم ليس ضروريا فيها ” لكن القوى المعارضة لوجود هذا الوطن عطلت تلك المهام أثناء الفترة الانتقالية ، ثم تجمعت بعد ذلك على امتداد الجغرافيا وبمنطق تاريخها العصبوي والاصولي على شاكلت تحالف ثلاثي الابعاد والتكوين بهدف الانقضاض على الفرصة التاريخية ، وقد تم لها ذلك في إشعال حرب 94 .
مع هذا الانقلاب المبكر على دولة الوحدة في اليمن ، كان على الاشتراكيين والى جانبهم القوى الوطنية ، أن يضمدوا جراحاتهم بفعل حرباً اصابت ( الحلم ) مشروعهم / السياسي/ والوحدوي / في مقتل ، كي يستأنفوا رحلة الكفاح في سبيل بناء الوطن ، لكن الاشتراكيين كانوا أكثر من غيرهم إدراكاً لحجم الكارثة على مستقبل الاجيال في اليمن ، لذلك كتبوا وحذروا عن المألآت التي سوف يصل اليها الوضع في اليمن ، لم يفقدوا صوابهم ، بل ناضلوا بقيادة مقبل الذي ينتمي إلى مسقط رأسه في الجنوب بوعي تاريخي وجغرافي بحقيقة اليمن الواحد تحت شعار ” اصلاح مسار الوحدة ” في الوقت الذي كان فيه قادة من يحلوا لهم مهاجمة الاشتراكي حتى اليوم ، يعيشون نشوة الانتصار حتى الثمالة على حلم اليمنيين ، ومنشغلين في نفس الوقت بتقسيم غنائم حربً اغتالت وطن وقضت على إمكانية تحقيقه حتى اليوم