لماذا تلهث الانتلجينسيا اليمنية وراء المناصب السياسية.

السبت 13 يوليو 2019 - الساعة 06:07 صباحاً

 

هناك مفهومان للثقافة في علم الاجتماع، الأول يعرف الثقافة بأنها الجهود الإبداعية المتعلقة بإنتاج الفنون والآداب العليا، كالرواية والقصة والشعر والأدب والفنون التشكيلية، وبالتالي فإن المثقفين "intellectuals" هم الأدباء والشعراء وكتاب الرواية والقصة والرسامون، أما المفهوم الثاني للثقافة فهو أكثر اتساعاً، فالثقافة عند مؤيدي هذا التوجه هي كل ما يتعلق بإنتاج وتوزيع المعرفة عموماً وليس الفنون والآداب العليا فقط، ويستخدم هؤلاء مصطلح "الإنتلجنسيا" "intellegentsia" للإشارة إلى المشتغلين بهذه المجالات، وتشمل شريحة الانتلجنسيا إلى جانب المشتغلين بالفنون والآداب العليا: الأكاديميون، الأطباء، المهندسون، المحامون، المعلمون ... إلخ.

 

تحتل الانتلجنسيا مكانة اجتماعية واقتصادية عالية في المجتمعات الديمقراطية ومجتمعات الإنجاز والحكم الرشيد، فيحضون بدرجة عالية من الاحترام، ويحصلون على دخول مالية عالية، لاسيما أن الدخل في تلك المجتمعات يتناسب طردياً مع التحصيل العلمي والتعليمي. لذلك يعرض كثير منهم عن تولي المناصب السياسية. والمقصود هنا بالمناصب السياسية تلك المناصب التي يتم شغلها بقرار من رئيس الدولة، أو من البرلمان في الأنظمة البرلمانية، والذين يقبلون بهذه المناصب، يقبلون بها لأنهم يعتقدون أنهم يستطيعون من خلال شغلهم لها، إحداث تغيير وتطوير يخدم المصالح الوطنية العليا، وليس بهدف تحقيق عوائد مالية شخصية أو تقدير اجتماعي.

 

أما في اليمن فالوضع يختلف تماماً، فيتم استغلال الوظائف السياسية، والوظيفة العامة عموماً، لشراء الولاءات والذمم، ويحصل شاغلوا الوظائف السياسية على امتيازات مالية وعينية كبيرة إلى جانب المرتبات الكبيرة، مبالغ مخصصة لشراء منازل وأثاث، سيارات، بنزين، قطع غيار، تذاكر سفر للخارج، نفقات علاجية، نثريات، مكافأت، بدل سفر وتحويلات مالية أخرى بعضها منتظمة وبعضها الأخير غير منتظمة، ومن خلال قربهم من رئيس الدولة ورئيس الحكومة يحصلون على منح دراسية لأبنائهم، ومنح علاجية لهم ولأفراد أسرهم، وأخيراً وليس أخراً، ينخرط هؤلاء في شبكات ممارسة الفساد، في ظل ضعف الدولة وسياسات التسامح مع الفساد والمفسدين. لذلك كله يلهث كثير من الأفراد المنتمين لشريحة الانتلجنسيا وراء التعيين في مناصب سياسية، بما في ذلك بعض الأكاديميين، لاسيما أولئك الذين أطلق عليهم أستاذنا المرحوم محمد الحسيني وصف "أكاديميون بالصدفة"، وهم كثيرون جداً في اليمن (ولا يتسع المجال هنا لعرض وتحليل سمات هذه الفئة من الأكاديميين، وسأفرد لها منشوراً خاصاً)، لقد استطاعت هذه الفئة في اليمن التربح وممارسة الفساد خلال السنوات التي أمضوها في المناصب السياسية، وأصبح لديهم قصور وعمارات وفلل ومشروعات تجارية في الداخل والخارج، وأرصدة مالية كبيرة، واستطاعوا الحصول على قرارات بتعيين أبنائهم وبناتهم، وأحياناً زوجاتهم، في مناصب سياسية أيضاً.

 

أعتقد أن سبب لهث هولاء وراء التعيين في مناصب سياسية بات واضحاً.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس