المستقبل للأحزاب ذات الروافع المدنية
الاثنين 16 سبتمبر 2019 - الساعة 05:17 صباحاً
د.عادل الشرجبي
مقالات للكاتب
يقول منطق التاريخ إن المستقبل للأحزاب والجماعات السياسية ذات الروافع المدنية الحديثة، أما الجماعات التي تعتمد على القوى التقليدية فستتآكل تنظيمياً وأيديولوجياً، رغم استقوائها بقوة السلاح.
ومن الغباء الاستمرار في المغالطات التي لم تعد تنطلي على أحد، فنقد مسؤول ما بسبب فساده وافتقاره للتأهيل والكفاءة وتغليبه مصالح جماعته على المصلحة العامة، لا يعني إطلاقاً، أننا ضد الدولة والثورة والمقاومة والجيش الوطني، مهما حاولتم تضليل الرأي العام، بل على العكس تماماً، أنتم من يتبنى مواقف ضد الدولة والثورة من خلال توفير الغطاء السياسي للفاسدين والفاشلين.
ليس جديداً عليهم الكذب والتزوير وانتحال الشخصيات ونخر الثورات من داخلها وحرف مسارها، فالذين يزورون الحقائق على شبكة الإنترنت وينتحلون الشخصيات اليوم، هم امتداد لصاحب الاسم المستعار عبدالله عبدالإله الذي كتب عام 1964 كتاباً بعنوان "نكسة الثورة في اليمن".
وقد أثبتت الحرب أن شيوخ القبائل نمور من ورق.
فقد تحالف الرئيس السابق علي عبدالله صالح (عفاش) خلال سنوات حكمه الطويلة مع النخب التقليدية، وفي مقدمها شيوخ القبائل وشيوخ الجماعات الدينية، وسخر المال العام والوظيفة العامة وأراضي الدولة لاحتوائهم، ومنحهم امتيازات وتسهيلات غير قانونية كثيرة، لاعتقاده أنهم يتمتعون بالقوة وقادرون على الحشد والتعبئة والتأثير على أتباعهم من رجال القبائل وفي الرأي العام عموماً، معتمداً في ذلك على مشورات مستشارين لا يمتلكون منهجيات علمية لتحليل البنى الاجتماعية والتركيب الاجتماعي للمجتمع اليمني، وغير مدركين لعمق التحولات الاجتماعية التي شهدها المجتمع اليمني خلال العقدين الأخيرين على الأقل، وفي مقدمها انتشار التعليم ووسائل الاتصال والإعلام، بما في ذلك القنوات الفضائية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي أثرت تأثيراً عميقاً على خارطة بناء القوة وشبكة العلاقات الاجتماعية في المجتمع اليمني، وقلصت قوة النخب التقليدية بشكل خاص والقوى التقليدية بشكل عام، وهو ما بدا واضحاً خلال الحرب القائمة.
فلم تعد أي قبيلة تقف بكامل رجالها خلف شيخها، ولم يعد أي شيخ قادراً على حشد مائة رجل من رجال قبيلته للمشاركة في الحرب مع هذا الطرف أو ذاك، ولم يستجب لنداء عفاش قبل مقتله في ديسمبر 2017 أي شيخ من شيوخ القبائل، الذين سخر موارد اليمن خلال عقود حكمه لاسترضائهم وشراء ولاءاتهم، باسثناء الشيخ ناجي جمعان، الذي حشد عشرات من رجال قبيلته لنجدة عفاش ومساندته.
مثلما خاب ظن عفاش بشيوخ القبائل، خاب ظن التجمع اليمني للإصلاح بهم، فقد تبنى الإصلاح سياسة شبيهة بسياسة عفاش بشأن النخب التقليدية، واحتوى كثيراً من شيوخ القبائل وضمهم إلى صفوفه، وأسند رئاسة الحزب للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ اتحاد قبائل حاشد، منذ تأسيس الحزب عام 1990 حتى وفاة الشيخ في ديسمبر 2007، وتبنى الحزب سياسات داعمه لمصالح شيوخ القبائل، على حساب مصالح الجماهير والقوى المدنية، وعلى الرغم من ذلك وبعد اجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، لم يستطع أي شيخ من شيوخ القبائل المنخرطين في البنية التنظيمية للتجمع اليمني للإصلاح حشد رجال قبائله لمواجهة جماعة الحوثي عسكرياً في محافظات صعدة وعمران وحجة والمحويت وريمة والحديدة وذمار والبيضاء، وذلك على الرغم من تشكيلهم مجالس للمقاومة بأسماء تلك المحافظات في الرياض أو في مأرب، وتشكلت المقاومة الحقيقية من القوى المدنية المنخرطة في عموم الأحزاب (شباب الفلاحين والعمال والحرفيين والجنود والطبقة المتوسطة) وفي المحافظات التي لم يعد للبنى القبلية تأثير كبير فيها (تعز والمحافظات الجنوبية بشكل رئيس)، والاستثناء الوحيد هو محافظة مأرب.
لقد بينت الحرب القائمة أن القوى التقليدية مجرد نمور من ورق، وأن الثعابين التي شبه عفاش حكم اليمن بالرقص على رؤوسها، هي ثعابين بلاستيكية زائفة.
وعلى الرغم من ذلك ما زال الرئيس هادي والتجمع اليمني للإصلاح والمؤتمر الشعبي العام، يستجرون سياسات عفاش الفاشلة والفاسدة، في التعيينات والترشيحات للمناصب العليا للدولة، وفي تشكيل اللجان والهيئات، وعمليات صناعة القرار، وهي سياسة لم تخلف سوى الفشل ومزيد من انتشار الفساد وتجارة الحرب، فخلال السنوات الأربع الأخيرة من الحرب لم تتحقق إنجازات عسكرية ذات أهمية في مختلف جبهات الشرعية، وظلت الأوضاع تراوح عند الإنجازات التي تحققت خلال السنة الأولى.