مرحلة المهانة والبؤس.
الجمعه 18 أكتوبر 2019 - الساعة 11:26 مساءً
وسام محمد
مقالات للكاتب
عندما يصبح رشاد السامعي هو الحالة الثورية القصوى في تعز. واليمن عموما. فهذا يعني أننا وصلنا إلى اقصى مرحلة المهانة والبؤس.
خذوا نموذج رسومات رشاد السامعي فيما يخص تعز مثالا (مع احترامي طبعا لصدقه وتفانيه) هل يمكن القول انها تجسد حالة ثورية او حتى تتبنى خطاب سياسي معقول ويحمل أملا للناس؟
انا أرى ان رسومات رشاد السامعي هي تجسيد بائس للحالة الثورية ومآلاتها. يطالب بفك الحصار عن تعز بخطاب عام نادرا ما يحدد الحوثي كهدف ودائما لا يتوجه للناس لاخبارهم ما الذي عليهم عمله.
في مشهد الاسبوع الماضي أظهر الناس حالة يأس مفادها انهم مستعدون للخروج من دائرة الثنائيات. وظهر هذا من خلال الأماني التي عبروا عنها وأملهم في ان يرق قلب الحوثي ويقوم بفتح معابر لهم.
لهذا لم يتبنوا خطاب معادي للتشكيلات المسلحة الموجودة داخل تعز والمسئولة عن بقاء هذا الوضع. لم يتبنوا هذا الخطاب حتى لا تقابل امنياتهم بتعنت بعد ان ادركوا ان موضوع التحرير لم يعد في بالهم. لكن حتى مع تحقق هذا لهم وحتى بعد الخراقة التي اظهرها قادة عسكريون وهم يتحولون الى ناشطين من الدرجة الثالثة عندما ذهبوا الى مداخل تعز معبرين عن ترحيبهم بمبادرة الحوثي ومنتظرين منه تنفيذها فلم يعيرهم الحوثي أي إهتمام. ولم تتحقق تلك الأماني.
لكن بالنسبة لهؤلاء أصحاب الامنيات الغبية فإنهم لم يشعروا بآسف. حتى وهم يصوغون امنياتهم على شكل ترجي ضمني للحوثي. فهم لم يرموا ببيضهم كلها في سلة واحدة. مثلا كل حديثهم كان عن المعابر التي يجب أن تفتح دون استخدام أي لغة ناعمة اتجاه الحوثي. فتحول نشاطهم الى فعل مقاوم ولو في الحد الادنى. او كما هي طريقة رشاد السامعي العائمة.
أي ان مصطلح المعابر يحمل ادانة واضحة للحوثي ويذكر بتلك المعابر التي تقيمها اسرائيل بعد كل حصار لقطاع غزة. ثم ان النشاط المحموم كان قد عبر لأول مرة عن حجم الجريمة المرتكبة بحقهم منذ أربع سنوات.
لكن هذا كما قلنا لا يفيد. واذا كان ثمة درس يمكن استخلاصه فهو أنه لا يمكن للأمنيات سواء كانت كبيرة او صغيرة ان تتحقق بدون فعل شعبي مفارق لما هو قائم بل ومعادي له.
فالمجال كما نرى لا يزال متاحا أمام أي فعل ثوري حقيقي. طالما انه يستطيع أن يترجم الامنيات الى واقع بقوة الناس أنفسهم او حتى سيحمل هذا الهدف. وذلك من خلال تحديد الجميع كأعداء: الحوثي الذي يحاصر ويقصف والتشكيلات المسلحة المستغرقة في التفاهة والصراع البيني.
تحديد الكل أعداء والبدء بتنظيم برنامج احتجاج مدني هدفه الاساسي صناعة واشاعة خطاب معادي للجميع والتمسك بحق الحياة. لكن وهذا هو الأهم تدشين مرحلة عمل شعبي مستقل عن كل الاطراف الداخلية والخارجية وبأفق مفتوح.
مثلا ما الذي يمنع المستبعدين من الجيش من فتح معسكر لأنفسهم (يصل عددهم الى 800 ضابط وجندي) والبدء في التدرب وجمع التبرعات وشراء السلاح ضمن أفق الاستعداد المستقل لتحرير تعز؟
لماذا يعتقدون ان عملهم يقتصر فقط على المطالبات الاحتجاجية؟ وممن يطالبون اصلا بينما الدولة أصبحت مجرد عصابات هنا وفي الغربة؟
يقول هؤلاء العسكرين انهم قاتلوا في بداية المقاومة وتم استبعادهم وانهم مستعدون للانخراط في العمل العسكري والمشاركة في معركة التحرير التي لم تعد موجودة.
لو انهم صادقون ما ينقصهم فقط هو الدعم. لماذا لا يعدون خطة لتحرير تعز ويفتحون معسكر في اي منطقة لاستقبال المجندين وأيضا المتطوعين ويشكلوا لجنة لاستقبال التبرعات من الناس؟ على الاقل ألن تكون هذه طريقة مجدية في الاحتجاج؟
وفي حال انهم صادقين وجادين ألن تكون هذه هي الطريقة الصحيحة للقيام بواجبهم وانتزاع حقوقهم وفي نفس الوقت الانحياز لأهاليهم الذين يكاد اليأس ان يجعلهم يذهبون الى العدو راجين منه ان يوقف هذا الحصار الذي لم يعد له أي معنى؟
لماذا يبدو وكأننا في أكثر العصور نائية حيث لا يوجد خيال وكل طرق التفكير اما بائسة أو أشد بؤسا؟
مع ذلك تحية لرشاد السامعي. فأبرز قائدين شعبيين في تعز أصبح كل واحد منهما يعمل مقاولا مع دولة. وضمن معارك لا تخص الناس. لكن الظروف التي خلقتهم لا تزال قائمة. وإلا لما أبتهجنا مع كل رسمة كاريكاتير جديدة لرشاد السامعي حتى مع ادراكنا لكم أن أفقها متواضع ويبعث على الشقة. بالطبع الشفقة علينا كمتلقين وليس على رشاد لأنه بذلك على الاقل يحاول ان يقوم بالدور الذي حدده لنفسه بنشاط منقطع النظير.