الحركة الحوثية من الثورة الى الانقلاب
الاثنين 08 مايو 2017 - الساعة 04:55 صباحاً
فهمي محمد عبدالرحمن
مقالات للكاتب
الحركة الحوثية من الاحتشاد في الفعل الثوري إلى الانقلاب على المشروع الثوري
==
رأى صالح في الحركة الحوثية حصان طروادة، الذي سوف يحمله نحو تحقيق أهدافه الانتقامية ، فالحركة أصبحت مهيأة نفسيا وذهنياً على تحمل مسؤولية إشعال حرباً، تتولى تصفية خصومه وتكون خاتمتها الإنقلاب على مشروع الثورة ، لا سيما وأن الحرب كان يسهل اختزالها وتقديمها ، بكونها حرب بين جماعة الحوثيين ، وحزب الاصلاح ، والطرفين كانوا خصوم أشدا ، في معسكر الثورة .
ومن اجل استخدام الحركة الحوثية كآلة صماء في حرب تقوده روح الهمجية والانتقام ، كان لابد من تنظيف الكادر العقلي والمستنير فيها ، لذلك تم اغتيال الدكتور احمد شرف الدين ، والدكتور عبدالكريم جدبان !!! .
وفي المقابل رأت الحركة الحوثية ، أن صالح يقدم لها فرصه تاريخية ، لم تكن تحلم بها من قبل ، فلم يكن يدار في فكر الحوثيون يوماً ، أن يوضع بين يديهم جزءً كبيراً من سلاح الدولة وجيشها ، في حرب يخوضونه ، ضد خصومهم الايديولوجين مذهبياً ، والقبلين تاريخياً داخل المكون الزيدي وبدعم من ملك السعودية !!!
ولهذا فإن التحالف بين على صالح الذي مازال يملك القرار في مقاليد الجيش الذي تم بناءه بإحكام بعقيدة عائلية عبر سنين طويلة ، وبين الحركة الحوثية ، التي تمثل قوى صاعدة على المسرح السياسي ، أدى بحد ذاته إلى توسيع طموح الحركة الحوثية ، وبشكل تجاوز تحقيق نموذج حزب الله في اليمن ، على غرار تجربة الحزب في لبنان ، كما كانت تحلم الحركة به سابقاً ، إلى الطموح في حكم اليمن من الشمال إلى الجنوب .
لا أقصد هنا أن قيادات الحركة الحوثية لم تكن تفكر في حكم اليمن من قبل ، فهم يرون في ذلك حقاً دينياً مقدساً وعلى المسلمين في اليمن التسليم لهم بذلك ، ولكن ما أقصده هنا ، أن صفقة التحالف مع صالح ، جعلت تفكير الحركة، في حكم اليمن شيء قابل التحقيق في الزمن القريب إذ لم يكن في القريب العاجل ، فصالح بأدواته التي وضعها تحت تصرف الحركة ، جعل حسابات هذهِ الاخيرة تقوم ، على أساس حرق المراحل التاريخية نحو تحقيق أهداف الحركة الحوثية في اليمن .
كان صالح واثقاً من قدرت الجيش على حسم الحرب لصالحه في وقت قصير على غرار ما جرى في حرب 94 / ، بل ووثقاً من قدرت الجيش على تحجيم دور الحركة الحوثية في الوقت المناسب بعد ذلك ، وتلك كانت قناعة الملك السعودي في على صالح ، ولكن الحركة الحوثية لم تكن ساذجة كما ارادها صالح ، ولم تكن حصان طروادة ، بل كانت حصان جامح غير قابل الترويض إلى مع ذاتها فقط ، كانت الحركة لها أجندتها الخاصة ومشروعها الذي تحارب من اجله ، بمعنى آخر لا يوجد مانع لديها من تبني الحرب والقضاء على خصوم صالح والذين هم في الواقع خصومها ، ولكن ليس من أجل عودت صالح أو نجله للحكم ، بل من اجل أن تحكم الحركة بمشروعها .
فوفق الحسابات الخفية للحركة الحوثية يجب أن تحكم هي ، ويكفي صالح الانتقام من خصومه الذين ساعدوا في إخراجه من السلطة، والعكس من ذلك كان وارد في حسابات صالح، على سبيل المثال ، كان أول خلاف يظهر إلى السطح ، ويكشف تلك النوايا عند الطرفين ، ما حدث بعد تقديم الرئيس "عبد ربه" استقالته ، فصالح كان يريد اجتماع مجلس النواب لقبول الاستقالة ، حتى تسلم السلطة بطريقة قانونية ودستورية لرئيس مجلس النواب "يحي الراعي " القيادي البارز في حزب صالح ، والرجل المخلص له ، وذلك وفق الدستور كونه لا يوجد نائب لرئيس الجمهورية، ولكن الحركة الحوثية أدركت العبة ومنعت مجلس النواب من الانعقاد والنظر في استقالة رئيس الجمهورية ،
أرادت الحركة أن تفرض أمراً واقعاً منفصلاً عن الدستور والقانون ، الذي أصبح يصب في هذه الخطوة في مصالحة صالح .
وعلى أساس تلك الحسابات والرغبات الخفية بين الطرفين ، كان صالح يعتمد على دعم السعودية ويتحرك بالتنسيق مع الملك عبدالله، وفي المقابل ذهبت الحركة ، لاستدعاء إيران بكل ثقلها في معادلة الصراع والحرب في اليمن ، بعد أن كان تدخلها محدود في الحرب السادسة، لأنها تعلم أن تحالفها مع إيران تحالف استراتيجي يقوم على أساس الفكرة الدينية والمذهبية التي يستند عليها النظام في إيران والحركة في اليمن ، وليس تحالف تكتيكي يقوم على أساس التقاء بعض المصالح السياسية القابلة لتحول ، كما هي بين صالح والسعودية التي تحولت بمقدار 180درجة بمجرد موت الملك عبدالله وتولي الملك سلمان مقاليد الحكم في السعودية .
كان التحالف بين صالح والحركة الحوثية ، بحكم التركيب المذهبي والجهوي العصبوي ، قادراً على استدعاء العقل الجمعي القابع في الهضبة ،وتحديداً شمال الشمال ، في حربهم الإنقلابية ، فقط يجب القيام بفعل يستفز هذا العقل الجمعي ويشعره بخطراً قادم
.
فالهضبة التي تشكل طرفاً في ثنائية الجغرافية اليمنية ، غالباً ما تنقض على فرص التغيير في تاريخ هذا البلد ، فاليمن جغرافياً ، يتكون من منخفض عبارة عن وديان وسهول وصحاري ، ومرتفع جبلي تضاريسية قاسية على الإنسان ، وتحديداً شمال الشمال ، ومن سو الحظ في اليمن ، فأن هذه الثنائية لم تتوقف عند الجغرافيا فقط ، بل تطابق على تلك الثنائية الجغرافية بشكل عجيب ، ثنائية مذهبية واجتماعية وثقافية وسياسية ، كل ذلك أدى إلى تكوين ثنائية في العقل الجمعي داخل الهوية اليمنية الواحده ، ( وتلك رؤية ننكب على البحث فيها في دراسة أخري ) بيت القصيد هنا ، أن في تلك المناطق يوجد عقل جمعي هو مٌخرج القيم الثقافية العصبوية والمبادئ الأحادية المعزولة ، التي تخلقت من قساوة الجغرافيا وتعاليم المذهب الزيدي الذي نشاء أساساً داخل محنة الصراع على السلطة ، وكذلك التركيبة الاجتماعية القائمة على البنية القبيلة التي مازالت حتى اليوم تقوم بوظيفتها التاريخية داخل المجتمع في تلك المناطق دون منافس لها ، وتفرز فيه كل مظاهرها ، وقيمها العصبوية والرعوية ، وهي قيم ظلت قرون من الزمن تتطابق وتتكامل ، مع قيم الثقافة السياسية النرجسية ، لدى أئمة الزيدية المتزمتين الذين حكموا تلك المناطق قرون من الزمن .
كل تلك القيم والمبادي التي تعبر عن الثابت في التاريخ وليس المتحول ، كونت مع حركتها مع الذات المعزولة عن الآخر ، نظام معرفي وثقافي عصبوي أحادي التكوين ، شكل على المستوى العام في الهضبة ، عقلاً جمعياً مقفلاً يقوم على ثقافة الأنا المطلق الذي لا يعترف بوجود الآخر ، ويقف سداً منيعاً في وجه أي محاولة للإصلاح والتغيير ، نجده حاضراً على سبيل المثال ، منذ ثورة26/ سبتمبر ، مروراً بثورة التصحيح الذي قادها الشهيد ابراهيم الحمدي ، وحتى الانقلاب على ثورة الشباب ، هذا العقل الجمعي الذي يرى في الإنسان وفي المكان الساكن فيه هناك ، مقدسات لا يجوز الخروج عليه ، وأي ثورة أو محاولة للتغيير في واقع المجتمع ، يعني الخروج والتطاول على المركز المقدس ، بل وغالباً يصل إلى توصيف تلك المحاولات بالكفر ، الذي يستوجب معه الحرب والقتال ، فقط من أجل بقاء سلطة المركز المقدس حاكمه في اليمن ، هكذا نفهم حقائق الصراع من فتاوي الإمام المتوكل على الله اسماعيل ، إلى فتاوي حرب 94/ إلى الحرب والانقلاب على ثورة الشباب .
وبهدف استفزاز هذا العقل الجمعي وتهيئته ذهنياً للحرب القادمة ،تم التحضير للعديد من العمليات ، التي تجعل هذا العقل الجمعي يشعر بالخطر القادم ، بدأت اول تلك العمليات بذبح الجنود الذين ينتمون مذهبيا ومناطقيا إلى هذا العقل الجمعي ، حيث تم ذبحهم على أساس الفرز المذهبي والمناطقي ، وذلك بهدف توجيه رسائل مفادها أن كل زيدي أصبح مستهدف ، وكالعادة باسم مستعار هو تنظيم الشريعة ، الذي اختفى عن الوجود ولم يقوم باي عملية في مواجهة قوى الانقلاب عندما اجتاحت عدن ، واستمر توجيه تلك الرسائل حتى بعد سيطرت قوى الانقلاب على صنعاء ، حين تم تفجير جامع بدر والحشوش ، كل ذلك كان بهدف خلق فوبيا من المستقبل المنتظر ، في ذهنية هذا العقل الجمعي ، ليسهل عليهم استدعائه في الحرب الإنقلابية التي تتحرك مرحلياً تحت مبررات مقبولة اجتماعيا وسياسياً لتكشف عن وجهها السافر والقبيح في أخر مشاهدها التراجيدية في الإنقلاب على مخرجات الحوار الوطني ، ومسودة دستور الدولة الاتحادية ، التي شاركت في صياغته الحركة الحوثية وحزب صالح ، بل أن بعض جوانبه الهامة تم فرضها من قبل حزب صالح .
يتبع….
2017/ 5/ 7
--
ضمن سلسلة :
قــــــــــراءة نــــــقــــــديــــــــة
ثــــورة11/ فـــبـــرايــر أيــــن الــخلــــل؟