قراءة نقدية : ثورة 11/ فبراير أين الخلل؟

الاربعاء 10 مايو 2017 - الساعة 04:26 صباحاً

 

1

مــــــقــــــدمــــــــة

محزن أن يستمر العقل اليمني في احسن أحواله في نقد تجاربه الثورية دون أن يستفيد واقعه الإجتماعي والسياسي والثقافي من مرارة نقد الذات وجلده بدون تحقيق نتائجه المقصودة ،
فحين يتحول فعل النقد إلى متنفس تمارس فيه النخب لذتها يوتوبياً كتعوض عن مرارة الفشل المتكرر في مجتمع غير مستعد حتى اليوم أن يقراء في تجاربه الكثير من الدروس والعبر ، فإن الفعل الثوري في تلك المجتمعات ينتج في نهاية الصراع في احسن احواله المجهول وليس المعقول !
في اليمن وفي أقل من 6 عقود تعد ثورة 11/ فبراير هي الثورة الثالثة بل اقوى الثورات في الزخم الجماهيري المحتشد ثورياً والأدوات الثورية ، وفي تصويب الأهداف المتوخئة ، والمختزلة في شعار " بناء دولة مدنية " ،
لم تكن ثورة نخبة او ثورة حزب او ثورة الأيديولوجيا التي تريد أن تحتكر مستقبل شعب بكل اختلافاتة الفكرية والسياسية وفق نظامها ورؤاها الاحادية ،
بل كانت ثورة الجماهير الهادرة صاحبة المصلحة الحقيقة في الثورة وفي تغيير واقعها ،تلك الجماهير التي مارست الفعل الثوري في أول مواجهة حقيقية وواقعية مباشرة ، بينها وبين النظام الاستبدادي دون وساطة النخب ، وتلك الميزة كانت مصدر قوتها الثورية وقوت الفعل الثوري فيها ، بكونها " أي الثورة " كانت حركة الجماهير التي تعبر عن ذاتها ومصالحها بفعل ثــوري يبحث عن مستقبل طــال غــيــابه وتــغيــبــه فــي معتقل الانظمة المستبدة ، عبرتاريخها الطويل هذا التاريخ الذي تتوقف فيه الصيرورة في تاريخ شعب ، لصالح الزمن الذي تحتكرة قلة من الحكام الفاسدين والمستبدين ، يساعدهم في ذلك بقصد او بدون قصد ، نخب سياسية وثقافية، يتظخم فيها الذات بما تحملة عقولهم من معارف وثقافات فتعيش في ابراج منفصلة عن هموم الجماهير ومعانتهم ، وتكون النتجة ليس فشل تلك النخب في تغيير واقع المجتمع لصالح شعوبهم فحسب ، بل تفشل في صناعة سلطة أهل الفكر المعبرة عن ذاتها (أي ذات النخب ) وعن حضورها المؤثر بين الجماهير في صناعة رأي عام فعال ، وتدريجياً يتلاشى دورها بعد تعطيل وظيفتها وعدم الوعي بذاتها وتتحول تلك النخب المثقفة إلى خدام في باب السلطان كما تحول كثيراً من علماء الدين قبلهم !!!
في سبتمبر واكتوبر تولت النخب الفعل الثوري وقدمت التضحيات الجسام نيابة عن الجماهير وفي 11/ فبراير قلبت الجماهير المعادلة ، تولت هي الفعل الثوري أصلتاً عن نفسها ، وأعفت النخب من مخاطر الفعل الثوري ومن تــبــعــاته ، تجاوزت الجماهير مرحلة القصور وحالة الغوغائية وعقلنت فوضويتها بفعل ثوري منظم وتضحيات جسام ، أحرجت النخب السياسية في قيادات المعارضة وأذهلت حكام النظام في رأس السلطة الحاكمة في صنعاء .
في يوم 11/ فبراير 2011/ م ، بداء وكأن التاريخ يقوم بدوره ، داخل حركة الزمن الواحد والمتجمد ، بهدف صناعة ذاته كصيرورة نحو التقدم بفعل ثوري تحركه رياح الجماهير الراغبة في الخلاص من قبضة الماضي ، ومعانقة المستقبل الذي طال إنتظاره طويلاً في هذا البلد .
في ذلك اليوم أراد التاريخ كصيرورة أن يمارس دورة الطبيعي والمنطقي ويقدم نفسة حليفاً داعماً لتلك الجماهير التي بداءة تتحرك بوعي بهدف مغادرت الماضي الممتد في حاضرها بكل قيمه السلبية ، والتوجه قدماً نحو المستقبل المشرق بنور الحرية والمشبع بقيم المدنية وثقافة التعايش المنتجة بذاتها لشروط بناء الدولة المفقودة في حياتهم عبر التاريخ ،
فكيف تعثرت أحلام تلك الجماهير الثائرة ، واهدرة الفرصة من بين أيدهم وكيف توقفت حركة التاريخ نــحــو المستقبل كصيرورة ؟ وكيف آلة الـثـــــورة إلى الحرب وفشلت في صناعة الحدث التاريخي ؟ أو بــمــعــنــى اخــــر يختزل كل تلك الأسئلة الموجعة نقول "أيــن الــــخلــــل فــيــمــا حــدث " ؟؟
قد لا أمتلك الأجابات الدقيقة لتلك الأســئــلــة الهامة والجوهرية ، وهي بلاشك موجودة في حوزت نخب كانت حاضرة وشاهدت لحظة الأغتيال وتعرف الكثير عن اسبابة ودوافعه وخفايا أسراره ، ولكن في حساباتها لم يحن الوقت المناسب للكلام في ذلك حسب الموديل اليمني المدمن على دفن الحقيقة في رمال الخوف من العقاب !!
ومع ذلك هناك ما يشفع لتجاسري في محاولت الاجابة هنا عن تلكم الاسئلة ، وهو تفكيري المشروع والعميق بها ، وهمومي الصادقة في البحث عن تقديم إجــابــات لها ، من اجــــل مستقبل هذا البلد المتعثر بأحلامه بإستمرار على صخور الهضبة التي انعكست قساوتها وجلافتها علي سلوك البشر !
كان الصراع في ثورة 11/ فبراير ، بين معسكر الثورة ومعسكر النظام أشبة بصراع يقوم على احراز نقاط تفوق على حساب ما بيد الآخر في معادلة الصراع ،
بمعنى آخر أن أي نقطة يخسرها النظام تكسبها الثورة وتصب في مصلحتها آلياً ، وأي نقطة تخسرها الثورة يكسبها النظام وتصب في مصلحته آلياً ،
لا شيء ذهب للفراغ في معادلة الصراع في ثورة 11/ فبراير !!
فالصراع حين يكون موضوعة مشروع المستقبل ، فلا يوجد في نظري طرف ثالث مستفيد ، فإما أن تنتصر قوى الماضي وذلك لبقاء الماضي ، والماضي هنا يعني بقاء المصالح المقدسة لتلك القوى دون المساس بمراكزها المقدسة ، وهذا يعني توقف التاريخ كصيرورة في حياة شعب ما ، وإما أن تنتصر قوى الحداثة للمستقبل ، والمستقبل هنا يعني الإنتصار لمصالح كل مكونات الشعب بكل شرائحه الإجتماعية ، ولا توجد " منزلة بين المنزلتين " في هذا الصراع ،
والمؤلم هنا لتلك القوى الحداثية الثائرة من اجل المستقبل أن الثورة كانت هي من يخسر نقاط تفوقها الواحدة تلو الأخرى والنظام هو الذي يكسب ما بيد الثورة ، في صراع تبدو ملامحه أن الماضي ينتصر في معادلة الصراع وينجح في إعادة إنتاج ذاته كمشروع للمستقبل .
في هذه القراءة حول ثورة 11/ فبراير ، لا يعني بل لا يجب أن يفهم منها التقليل من قيمة الحدث الثوري ، والذي بلاشك حمل في طياته خميرة التغيير ، وكسر حالة الجمود الجماهيري والسياسي والاجتماعي وحتى الثقافي ، لصالح قوى التغيير ،
ومع ذلك تظل في نظر هذه القراءة النقدية ، فكرة تقول"أن الثورة لا تجد مبررها في اشخاص الفعل الثوري مهما تكن ادوارهم ولا في حركة الفعل الثوري ذاته ، بل تجد مبررها في وظيفتها الثورية والتي تعني قدرتها على تحقيق الفكرة الثورية او المشروع الثوري على واقع المجتمع " وبشكل يجعل ذلك المشروع حقيقة تنظم واقع المجتمع سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً ، وهذا يعني أن مبرر قيام الثورة تكمن في وظيفتها التي يجب أن تحقق غايتها والمتمثل في مشروع الثورة وليس هدم ماهو قائم فقط ،- فإقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم -على حد وصف " نلسون مانديلا "
فإذا لم تحقق الثورة او تنجح في تحقيق مشروعها الثوري في الواقع فإن الثورة مهما كان بريقها تظل حدث سياسي وليس حدث تاريخي ، والحدث التاريخي هو الحدث الذي ينقل المجتمع من الماضي الممتد في الحاضر إلى المستقبل الذي يجب أن يكون ،
فألثورة حين تتحنط داخل الحدث السياسي ولا تستطيع أن تتحول إلى حدث تاريخي ، يصنع المستقبل ويعفي الاجيال القادمة من مسؤلية القيام بثورات أخرى ، فإن واجب النخب المثقفة يجب أن يكون البحث عن أسباب الخلل بكل أمانه وشجاعة ، ولا مانع من نقد المسار الثوري مهما تكن مرارة النقد ، ذلك خيرا من التغني بمدح الحدث الثوري المفرغ من مشروعة الثوري في الواقع ، مهما تكن قيمة الحدث الثوري على المستوى السياسي .
من تلك المقاصد فقط نبحث عن الخلـل ونقدم قراءتنا النقدية في ثــورة 11/ فــبــرايــر ، والتي تعني البحث بحيادية ، عن الفراغات والإختلالات التي عجزت الثورة عن إملائها وإحتواها وشكلت في نفس الوقت نقاط ضعف الثورة ، أمام النظام السياسي الحاكم الذي بدأ يستعيد انفاسه بعد اهتزاز اركانه بحركة الفعل الثوري . مستغلاً غبا النخب المحسوبة على الثورة وعجزها عن تحمل مسؤليتها التاريخية تجاه الثوري من واقع خبرتها ، التي تميزها عن الجماهير ، وتلك النقاط او العوامل التي أعاقت مسار الثورة ، هي ما سوف تناقشة هذه القراءة النقدية من وجهت نظر كاتبها .
يتبع……

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس